إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تدريبات التأمل 3

0 1٬026

تدريبات للتأمل ٣

التدريب الثالث: التحكم بالجسد

أجلس بصورة معتدلة على أن يكون الجسم في وضع مريح وأغلق عينيك. أطلب منك الآن أن تحاول أن تركز انتباهك وشعورك على بعض الأشياء التي لم تشعر بها من قبل، مثل: أن تشعر بنقطة تلامس كتفك مع القميص الذي ترتديه. أنتبه لنقطة التلامس وحاول أن تشعر بملمس القماش على كتفك في نقطة التلامس تلك. كذلك نقطة تلامس جسمك على المقعد الذي تجلس عليه، وظهرك للكرسي، تلامس راحتيك التي تضعها على ركبتيك. وبقدميك المغروستين في حذائك. وهكذا تشعر بجسمك كله الجالس على الكرسي.

مرة ثانية: مر سريعا على نقاط التلامس السابقة: الكتف الأيمن، المقعدة، الظهر، اليد اليمني، اليد اليسرى، القدم اليمني، القدم اليسرى. كرر الأمر مرة ثالثة: الكتف الأيمن، المقعدة، الظهر، اليد اليمني، اليد اليسرى، القدم اليمني، القدم اليسرى. انتقل من منطقة تلامس إلى النقطة التالية بحيث أن لا تتوقف أكثر من ثانيتين أمام كل منطقة في جسدك سبق أن حددتها وشعرت بها: الأكتاف، المقعدة.. الخ. وأعد المرور على المناطق بتتابع وبتوقيت زمني واحد. ويمكن أن توسع دائرة الإحساس بجسدك بأن تضم رأسك، ذراعيك، صدرك..الخ، إلى أن تصل إلى الإحساس بكل منطقة لمدة ثانيتين ثم تنتقل إلى النقطة الأخرى. انتقل لمدة خمس دقائق بين تلك المناطق السابق تحديدها بتكرار منظم.

هذا التدريب البسيط يعطي نوع من الاسترخاء الذهني والعضلي، حتى إن البعض قد يشعر بارتخاء يؤدي إلى النعاس متى تم تنفيذه بدقة.

وُيُعد هذا التدريب علاجا لمشكلة التوتر والقلق، فبتركيز الإنسان على نقاط التماس تلك لا يشعر بالأصوات حوله، وترتخي أعصابه ويقل توتره. والكثير من الناس يعاني من تزاحم الأفكار والتخيلات برأسه، والبعض ينسج من أحلام اليقظة أفلاماً وقصصاً، فيصبح مغيباً عن واقعه المُعاش وحاضره. يعيش باستمرار في الماضي البعيد باكيا على أخطائه الماضية، شاعراً بالذنب تجاه ما اقترفه من أخطاء، متألماً من تعاملات الآخرين معه، أو مستمتعاً بأوقات سعيدة عاشها من قبل. أو متطلعاً إلى المستقبل، ناسجاً أحلاماً تكون في الغالب غير واقعية، صعبة المنال.

استدعاء الماضي والتحليق بخيالات في المستقبل، تجعلَ الإنسان يتغيب عن حاضره. ولأجل أن تكون الصلاة فعاله يجب أن ينجح الشخص في التواصل بوعي مع حاضره. ولا توجد طريقة أكثر فعالية لتحقيق التواصل مع الحاضر، إلا الخروج من تزاحم الأفكار بالرأس، إلى التركيز على الأحاسيس الحاضرة.

حاول أن تشعر بالجو المحيط بك ما إذا كان حارا أو باردا. بالهواء اللطيف الذي يداعبك جسدك، أو سخونة الشمس التي تلحف جلدك، أو سخونة الشيء الذي تلمسه أناملك. وحاول أن تعرف الفرق بين تلك الظواهر المحيطة بك. لاحظ تلك الحيوية التي ستدب فيك عند استغراقك في تأمل ما حولك، بعيدا عن أحزان الماضي وأحلام المستقبل.

فالعقل ليس مكانا محبذا للصلاة، فيمكن لك أن تبدأ الصلاة من خلال أفكار، لكن الاستمرار في الصلاة معتمدا على ما يجول في خاطرك فقط، دون أن تشعر بها من خلال أحاسيس القلب ستحول الصلاة إلى صلاة جافة، مملة، مزعجة في كثير من الأحيان. من الأفضل أن تعتاد على الخروج من حيز التفكير والكلام في الصلاة، إلى حيز الشعور، إلى الإدراك، الحب، التبصر والاستنارة. ومن خلال هذا الحيز الأخير يولد التأمل الحقيقي وتصبح الصلاة قوة تغيير ونبع للسلام الداخلي.

وهناك البعض الذي يشعر من خلال هذا التدريب ليس بالسلام الداخلي أو بالصفاء الذهني والروحي، بل على العكس يعاني مزيد من القلق والتوتر. وإذا صادفت تلك المشكلة أثناء التدريب حاول أن تلاحظ أي جزء من جسدك أصابه التوتر، والمعرفة ستجعلك أهدأ من ذي قبل.

والمقصود بكلمة “تلاحظ” ليس الفهم، ولكن التبصر والاستنارة. فليس الأمر متعلق بالعقل والإدراك العقلي، بل بالأحاسيس والمشاعر. فهناك البعض عندما طُلب منه الإحساس بذراعه أو قدمه أو يده لم يشعر بها. وفي العادة لا نشعر بأعضائنا إلا في حالة الألم، وذلك لأننا حصرنا كل اهتمامنا بما يفكر فيه العقل تجاه كل عضو من الأعضاء. فالمسطح الجلدي مثلا لكل جزء من أجزاء الجسم يحمل ملايين مراكز الإحساس والتي شعر بها الإنسان في حالة التهاب أصاب ذلك المسطح الجلدي. وسوف نوضح علاقة كل هذا الكلام بالصلاة، ولكننا الآن نركز على تنشيط مراكز الإحساس بالجسم، حتى يستطيع أن يصل الإنسان إلى السلام والصفا التي دونها تكون الصلاة صعبة، بل مستحيلة.

أغلق عينيك من جديد، مركزا على الشعور بكل جزء في جسمك سبق لك أن حددته. لا تفكر مطلقا في ذلك الجزء من الجسد، مثل اليدين، أو الذراع، أو الظهر، ولكن أنتقل بتركيزك من جزء إلى أخر حتى بدون أن تفكر في اسم الجزء الذي تشعر به، مثلا أن تفكر بأنك تشعر بالذراع، وتقول بينك وبين نفسك، هذه ذراعي، لا بل أن تشعر بها فقط، دون الحاجة إلى تسميتها بالاسم. بمعني أخر لا تفكر ، أشعر فقط.

وإذا لاحظت ما يدفعك إلى تحريك جسمك، لا تهمله، بل فقط تعرف على ذلك الدافع وحجمه وتأثيره على جسمك.

أبقي في هذا التدريب بعض الوقت ستشعر بنوع من الصفا والسلام يحل بجسدك، فلا تتوقف أمامه ويشغل اهتمامك الفكري، بل أكمل تدريبك ستجد أن الصفاء سيعود إليك مرة أخرى. وإذا فقدت تركيزك، عد إلى الشعور بأجزاء جسمك، متنقلا بين ذلك الجزء إلى الجزء الآخر، حتى تعود من جديد إلى صفاء الذهن الذي سيقودك إلى السلام من جديد، وهذا بداية التأمل الحقيقي والصلاة الحقيقية.

يجب أن تنتبه أن لا تتوقف في هذا التدريب أمام الصفاء الذهني، لأنه سيقودك إلى راحة وقتية لن تقودك أبدا إلى التأمل الحقيقي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد