إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الإله القاسي

0 939

كلمة اليوم لنا عن رجلٌ أعطى قبيل سفره وزنات اختلف عددها من شخص إلى أخر. أحدهما عشر وزنات والثاني خمسة، أما الأخير فقد حصل على وزنة واحدة!!
ْ
لماذا كان نصيبُ الأخير قليل لهذه الدرجة؟

هل هو حديث السن خاف صاحب العمل أن يعهد إليه أموال كثيرة فيبددها، لا يُحسن التصرف فيها؟ أم شخصٌ لا يملك مواهب كثيرة، محدود الذكاء، يعرفه صاحب العمل جيدًا ويعلم تواضع امكانياته؟ أم كسول جدًا وكان صاحب العمل يعلم جيدًا بكسله؟

هل حداثة السن، قلة المواهب ومحدودية الذكاء، أو الكسل هي دافع الرجل لأن يطمر وزنته في التراب لحين عودة صاحب العمل؟

إن في إجابة الرجل التفسير المنطقي لعدم استثماره لوزنته: “فقالَ: يا سيَّدُ، عَرَفْتُكَ رجُلاً قاسِيًا، تحصِدُ حيثُ لا تَزرَعُ، وتَجمَعُ حيث لا تَبذُرُ، فخِفتُ. فذَهبتُ ودفَنْتُ مالَكَ في الأرضِ، وها هوَ مالُكَ”.

الخوف ولا شيءٌ أخر.. فالخوف يجمد حركة الإنسان ويصيب تفكيره بالشلل، فلا يعرف كيف يتصرف. ارتعد الرجل من فكرته عن سيده بأنه قاسي.

خاف الرجل من عقاب سيده “المفترض” ومن قساوته. هكذا أختبا آدم بعد الخطيئة، فهو لم يختبأ خوفا من صوت الله الذي اعتاد سماعه يُحدثه، لكنه خاف من فكرته هو عن الله ومن تصوره بأن سيُعاقب على فعلته ومن اكتشافه لعريه أمام ذاته: “سَمِعتُ صوتَكَ في الجنَّةِ، فَخفتُ ولأنِّي عُريانٌ اَختَبأتُ”.

هل عاقب الله آدم؟
يبدو هذا للوهلة الأولى واضحًا من خلال نص التكوين، لكن جميع تبعات السقوط هي نتائج طبيعية لاعتماد الإنسان على نفسه. فالطفل لا يعرف الخوف في بداية حياته، يعرفه فقط عندما يُدرك زوال ما يستند عليه، الأم. اختار آدم الانفصال عن الله، والاختيارات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة. جميعُنا آدم، نخاف الله ويُكبل خوفنا حركتنا وتصرفاتنا.

نتصور إلها قاضيًا، ديّانا، مُعاتبّا، مراقبا لسلوكيتنا وما إذا كنا ننفذ وصاياه أم لا. ننتظر ثوابًا متى نفذنا تلك الوصايا وعقابًا متى أخفقنا. نخطئ كثيرًا إذا تصورنا أن الوصايا هي الطريق المؤدي إلى اكتساب رضا الله عنا. العكس هو الصحيح، متى عرفنا الله واكتشفنا فعاله العجيبة في حياة كل منا، يمكن لنا أن نطيع وصاياه. فأنت لا تستطيع أن تطيع شخص مجهول.

لهذا يُعدد الله فعاله مع الشعب قبل أن يعهد لهم بوصاياه: “أنا الرّبُّ إلهُكَ الذي أخرَجكَ مِنْ أرض مِصْرَ، مِنْ دارِ العُبوديَّةِ”. لم يبدأ بالقول: “لا تسرق، لا تقتل، لا تزني”، لكن ذكر الشعب بماذا فعل لأجل الشعب في البداية ” أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر”. عدد الله في البدائة ماثره التي صنعها لأجل الشعب، فهو الذي أخرج بذراع قوية الشعب من عبودية مصر بمعجزات عديدة وضربات عشر، وشق البحر الأحمر، وقاد الشعب في البرية لمدة أربعين سنة معطيا أياه خبزًا من السماء ومخرجًا ماء من الصخرة ليشرب الشعب. هذه الأفعال هي القاعدة الأساسية التي تستند عليها طاعة الشعب: فلا يمكن طاعة شخص مجهول، لم تختبر محبته لك وفعاله من أجلك. فأنت لن تطيع شخص لم يصنع لك معروفًا، ولم يقدم لك شيئًا. فإذا لم يعطيك شيئًا فكيف تثق به.

لم يعرف الرجل صاحب العمل، لم يختبر محبته، انغلق على ذاته وأنانيته ولم يُدرك محبة صاحب العمل له. خاف الرجل وكّبلت فكرته هذه حركته فلم يستثمر وزنته. تحرر من الخوف، ثق في محبة الله لك، وفي فعاله من أجلك. وقتها تستطيع أن تستثمر مواهبه لك، تستطيع أن تطيع وصاياه وكلمته.

قد يعجبك ايضا
اترك رد