إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

فرح الإنجيل

1 1٬281

ملخص اللقاء: · مقدمة: · تحديات العالم المعاصر · التحديات الثقافية · كيف نواجه هذه التحديات · معوقات التبشير · اقتراحات يقدم البابا فرنسيس في الفصل الثاني من الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” قراءة للواقع وللإطار الذي نعيش ونعمل فيه. هدف القراءة ليس في تقديم تحليل اجتماعي للتحديات التي تواجه الكنيسة والمجتمعات اليوم، بل في تقديم “تمييز إنجيلي (discernimento evangelico) لعلامات الأزمنة، بمعنى تحليل وتشخيص للعوامل التي تُعيق وتلك التي تساعد العمل التبشيري. دعا البابا كل مجتمع من المجتمعات، وكل كنيسة لتمييز علامات الأزمنة الخاص بها. لذا سيشمل اللقاء عرض للتحديات التي تواجه العمل التبشيري كما وردت في الرسالة، وبذات مصطلحات البابا، لأنها تعكس رؤية عميقة للبابا والكنيسة لتحديات العمل التبشيري في عالم اليوم، ثم سنتوقف عن مدى توافر هذه التحديات أمام الكنيسة الكاثوليكية في مصر. وفي النهاية سأعرض بعض المقترحات لوضع خارطة طريق جديدة للتبشير بالإنجيل المطبوع بالفرح وآليات تنفيذية لتلك المقترحات. تحديات العالم الحاضر ١. اقتصاد إقصائي للفقراء بالرغم من التقدم الاقتصادي الكبير الذي تعيشه البشرية على مختلف الأصعدة والتي ساهمت إلى حد كبير في رفاهية الإنسان والتقدم في مجالات حيوية كالصحة والتربية وسائل الاتصال، ألا أن النظام الاقتصادي القائم أدى إلى اقصاء الفقراء. في هذا الإطار يدعو البابا إلى رفض ما أسماه “اقتصاد الاستثناء والجور”، اقتصاديات طاحنة للفقراء، تعمل على تهميشهم واقصائهم، هو “اقتصاد يقتل”. فكما أن الوصية “لا تقتل” تضع حدًا واضحًا يؤمن قيمة الحياة الإنسانية، كذلك علينا اليوم أن نقول لا “لاقتصاد اقصائي وتفاوت اجتماعي”. نحن في حاجة إلى وصية جديدة مفداها: “لا لاقتصاد يتجاهل الفقراء ويظلمهم”. إن الاعلام يهتم بتداولات البورصة وأخبار نجوم الفن، لكنه لا يهتم بخبر موت عجوز فقير على جانب الطريق. هذا هو الاقصاء.. لا يمكن التغاضي عن أن الطعام يُرمي بينما أشخاص يموتون جوعًا ولا يشعر بهم أحد. المعيار أصبح المقتدر يأكل الضعيف. كنتيجة لهذا الوضع يشعر الكثيرون بأنهم مهمشون منبوذون، دون عمل، ودون أمل في المستقبل. تحول الإنسان إلى “سلعة استهلاكية” يمكن استخدامُها ثم إلقاؤها. فالقوي يأكل الضعيف (بند ٥٣). ٢. عولمة اللامبالاة ويتحدث البابا فرنسيس عن نظرية “الوقع الإيجابي” الاقتصادية والقائلة بأن كل نمو في السوق الاقتصادي يحمل معه مساواة أكبر ويعلق على هذه النظرية قائلاً: “هذا الرأي لم يتم أبدًا التحقق منه من خلال الوقائع، وهو يعبّر عن ثقة ساذجة ورخيصة في صلاح من يسيطر على السلطان الاقتصادي”. بالواقع ما يجري الآن هو “عولمة اللامبالاة”. وقد أضحينا ضحايا السوق وهذه اللامبالاة، أصبحنا غير قادرين على الاحساس بالشفقة أمام محنة الآخرين، لم نعد نبكي أمام مأساة الآخرين؛ الاعتناء بهم لا يهمُنا، لا يدخل في اختصاص مسئولياتنا. إنها ثقافة الرفاهية التي تجعلنا نخسر هدوءنا إذا قدم السوق شيئًا لم نشتره بعد، بينما يموت البعض بسبب نقص الإمكانيات، ولكنه يبدو لنا وكأنه مشهد مجرد لا يؤثر فينا بأي شكل (بند ٥٤). ٣. تأليه وعبادة المال ولذا يدعو الأب الأقدس إلى عدم الوقوع في شرك عبودية وتأليه المال. فـ “الأزمة الاقتصادية التي نمر بها تجعلنا ننسى أن في أصلها أزمةٌ أنتروبولوجية عميقة: وهي إنكار أولية الكائن البشري! لقد خلقنا أوثانًا جديدة”. هذا التعبد للمال هو وجه جديد ومعاصر للسجود للعجل الذهبي (خر ٣٢، ١ – ٣٥). تصل عبادة المال بالإنسان إلى مرحلة خطيرة تظهر في صورة تقلص احتياجات الكائن البشري وقصرها فقط على الاستهلاك، وتغيب باقي الاحتياجات وخاصة الروحية منها والإنسانية (بند ٥٥-٥٦). ١) لا للمال الحاكم بدلاً من أن يكون خادمًا ولذا يعبّر البابا عن رفضه لـ “مال يحكم بدل أن يخدم”. فوراء موقف التعبد للمال هناك رفض للأخلاق ولله. يدعو البابا إلى التحرر من عبادة المال والعودة إلى الاخلاق التي تسمح بتوازن حقيقي بين فئات المجتمع وخلق نظام أكثر إنسانية. ويُّذَكر البابا الأغنياء بأن يساعدوا الفقراء فما نملكه ونستحوذ عليه من أموال ليس ملكاً لنا، بل إنه ملك للفقراء. يستعين البابا هنا بفكر القديس ذهبي الفم، خاصة في تحليله لمثل قاضي الظلم (لو ١٦: ١- ١٣)، يُشدَّد الذهبي الفم في تفسيره قول المسيح “اصنعوا لكم صدقات بمال الظلم”، على أن المسيح لا يطلب عمل رحمة من أموال مسروقة مثلاً. فهو بالطبع لا يفرح بأن نظلم الأول لنصادق الآخر، كما يعتقد بعض الناس ويفسرون هذه الآية. المسيح لا يرضى أبداً بأن نعرّي الأول لنكسو الثاني. مالُ الظلم هو المال الذي أجعله ملكي بينما الحق أنه ملك غيري. مال الظلم بالتالي هو كل ملكية يعتقد الإنسان أنه سيّدها بينما هو يسلبها من مالكها الوحيد، الله. كل مدبّرٍ مؤتمن، وكيل، على إدارة هذا المال حين يُحوَّل نفسه إلى مالكٍ له يُصبح عندئذ سيداً على مال ظلم. وبالتالي يقول المسيح أننا بالحقيقة نصنع صدقاتنا من ماله هو، وليس من مالٍ لنا. لقد وهب الله الخيرات الحرة للجميع وقدم الخيرات الاقتصادية إلى الناس، وهي ملكه، ليُحسنوا توزيعها. حُسنُ التوزيع هذا يساعد على المحبة والنمو الأخلاقي. يدعو البابا لاستخدام الأموال في الخدمة وليس في التحكم في الآخرين، ويحرض البابا على مساعدة الفقراء واحترامهم والتضامن معهم، فهم الملاك الحقيقين للأموال، والجميع هم أمناء عليها. ٢) لا لعدم الإنصاف والتفاوت الاجتماعي الذي يولد العنف هذا ويدعو الأب الأقدس إلى رفض عدم الإنصاف، والتفاوت الاجتماعي الذي يولد العنف. فالخبرة تعلمنا أن الاستهلاك المتطرف إلى جانب عدم الإنصاف يولدان العنف في المجتمع. وهذا العنف لا يحله التسارع إلى التسلح، بل على العكس، يساهم في تعقيده أكثر. التحديات الثقافية إلى جانب تحدي ثقافة الاستهلاك وعبادة المال، يسلط البابا فرنسيس الضوء في إرشاده الرسولي “فرح الإنجيل” على تحديات آنية منها الاعتداءات المتزايدة على الحرية الدينية، واضطهاد المسيحيين الذي بلغ في بعض الدول “أبعاد مقلقة من الكره والعنف”. ١. اللامبالاة النسبوية ويواجه الإيمان تحدٍ مختلف تمامًا وهو “اللامبالاة النسبوية”، أي ذيوع ثقافة اعلاء ذاتية الفرد على حساب الجماعة وتجعل من الصعب على المواطنين المساهمة في مشروع مشترك يتجاوز المصالح والرغائب الشخصية (بند ٦١). ١) تردي الجذور الثقافية ومن شأن هذه الثقافة السائدة أيضًا، أن يحتل ما هو خارجي ظاهر، فوري، سريع وسطحي المرتبة الأولى. وقد أدت ظاهرة العولمة في بعض الدول إلى تسريع تردي (افساد) الجذور الثقافية من خلال اجتياح ميول تنتمي لثقافات أخرى. فانتشرت الفردانية على حساب مجتمعات يبنى آرثها الثقافي على الترابط والتكافل الاجتماعي. ٢) انتشار الحركات الدينية الجديدة ويواجه الإيمان الكاثوليكي في الكثير من الدول تحدي الحركات الدينية الجديدة التي يميل بعضها إلى التطرف بينما يقدم الآخر نوعًا من روحانية بمعزل عن الله. تكاثرت هذه الحركات كردة فعل إنسانية أمام مجتمع الاستهلاك المادي والفرداني السائد. واستغل بعضها حالة الفقر المنتشرة في الضواحي وبحث هؤلاء عن الاحتياجات الأساسية. إلا إن هناك أيضا تقاعس لرجال الكنيسة، وخلل في بعض الهيكليات الغارقة في الروتين والبيروقراطية القاتلة للرعايا التي لا تُحسن استقبال الناس في رعايانا وجماعاتنا، مما تسبب في هروب هؤلاء المساكين إلى تلك الحركات الدينية بحثا عن روحانية مختلفة. ينقد البابا سيطرة المظهر الإداري على المظهر الرعوي، والمغالاة في ممارسة الأسرار، دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال التبشير بالإنجيل(بند ٦٣). ٢. تحدي العلمنة ثم يتحدث الأب الأقدس عن تحدي العلمنة فيقول: “تميل العلمنة إلى حصر الإيمان والكنيسة في إطار ضيق، وإضعاف لمعنى الخطيئة الشخصية والاجتماعية. تُظهر العلمنة الكنيسة وكأنها تتعدى على الحريات الفردية”. ويلعب الاعلام دورا محوريًا في هذا الأمر فيُقدم المعلومات بدون تمييز، جميعها على مستوى واحد، تؤدي في النهاية إلى ضياع القيم الأخلاقية والدينية وسط الكم الهائل من المعلومات السطحية. ويوصى البابا بضرورة تكوين المعمدين على تعلم التفكير النقدي لفرز ما هو نافع من المعلومات التي يقدمها الاعلام وما هو ضار. تظهر الحاجة أيضا إلى توفير تربية علمية للشباب عن مسارات النضوج في سُلم القيم. وللكنيسة الكاثوليكية بما تملك من آليات، كالمدارس والجامعات، فرصة عظيمة في طرح برامج تربوية تُعيد الأمور إلى نصابها في الاهتمام بالقيم وكرامة الشخص البشري والخير العام. ٣. تحدي الإنثقاف هناك أيضًا التحدي العام الذي يواجه أسلوب وموقف التبشير هو الإنثقاف: “هناك حاجة ماسة لأنجلة الثقافات ولإنثقاف الإنجيل”. يجب العمل، بمشاريع بعيدة المدى، على توفير مساراتٍ جديدة لتبشير الثقافة بالإنجيل. هناك مظاهر ضعف في الجماعات المسيحية اليوم: كقلة الاشتراك في الإفخارستيا، العقائد القدرية أو الخرافية، التركيز على أشكال العبادات الخارجية التي تقوم على طرق فردية وعاطفية لعيش الإيمان. هناك خطورة أن يذكي البعض داخل المؤسسات الكنسية مظاهر الضعف هذه دون الاهتمام بتنشئة المؤمنين وتدعيم انتمائهم الإيماني والروحي للكنيسة، رغبةً في منافع اقتصادية أو للحصول على السلطان على الآخرين. كذلك يلعب الاستقبال الفاتر، أو الغير ودود للناس داخل مؤسساتنا إلى تنامي الفجوة بين الكنيسة والمؤمنين. كيف نواجه هذه التحديات؟ ١. الحاجة إلى طرق تبشير غير تقليدية من الواجب النظر إلى المدن التي نعيش فيها بنظرة تأملية، فالله يحيا بين سكان المدينة، في شوارعها وميادينها. فالله حاضر في كل بحث يقوم به الناس عن معنى لحياتهم، في رغباتهم في الخير والحقيقة والعدل. علينا رفع الستار عن هذه الحضور الخفي لله في مدننا. لقد أصبح من الضروري إيجاد طرق تبشير غير تقليدية. هناك فرص ثمينة للتلاقي وللصلاة والشراكة بين المؤمنين على اختلاف مستوياتهم وتوجهاتهم. رعاية للمسنين والمرضى وضحايا الاستغلال، خاصة الأطفال والقاصرين، ومدمني المخدرات. يقدم الإنجيل دواءً لأوجاع المدن، علينا أن نجد أسلوب تبشير “يتوغل إلى صلب التحديات كخميرة شهادة في أي ثقافة كانت، وفي أي مدينة كانت”. ٢. الحاجة إلى إعداد ملائم للعاملين الراعويين تتنوع أنشطة العاملين الرعويين في مجال الخدمات الإنسانية، الصحية والتعليمية والاجتماعية، والتي فيها يبذلون حياتهم ووقتهم بفرح. إلا أن البابا يدعو إلى خلق مساحات مؤاتية لتكوين وتحفيز عاملين راعويين جدد قادرين على مواجهة تحديات معاصرة جديدة: معوقات التبشير ١. تنامي الروح الاستقلالية للعاملين الرعويين أول هذه التحديات هو خطر سعي العاملين الرعويين، بما فيهم المكرسين، للحصول عن مساحات من الاستقلالية والاسترخاء تقودهم إلى عيش مهمة الرعوية والتبشيرية وكأنها شيء إضافي، مجرد حاشية، ملحق للحياة، لا تشكل جزءًا من هويتهم. لذلك يمكننا أن نلاحظ في الكثير من المبشرين، رغم أنهم يصلون، هناك تناقص الشغف بالتبشير بالإنجيل أمام الفردانية ونقص الحماسة الروحية وتصاعد أزمة في الهوية. عدم الارتباط الشخصي للعاملين برسالة التبشير بسبب نظرة الاعلام السلبية إلى الكنيسة، يعيش بعض المبشرين نوعًا من “عقدة النقص” تقودهم إلى اخفاء هويتهم المسيحية وقناعاتهم. تتولد بهذا الشكل حلقة مفرغة، لأنهم لا يجدون الفرح في ما يفعلونه، ولا يشعرون بأنهم مرتبطين شخصيًا برسالة التبشير، ينتهي الأمر بهم إلى إطفاء فرح الرسالة تحت تأثير هاجس أن يكونوا مثل الآخرين. يكفي ملاحظة العاملين في العاملين في مجال العمل العام، كالمدارس، واهتمامهم بالنواحي التعليمية وتمييز الخدمات التعليمية المقدمة منهم على حساب ارتباطهم الشخصي برسالة التبشير. إنطفاء الحماس الإرسالي لدي العاملين الرعويين ذيوع ثقافة ذاتية الفرد على حساب الجماعة أدي بالبعض إلى التصرف وكأن الله غير موجود، على أخذ القرارات وكأن لا وجود للفقراء، على العمل الكنسي وكأن جميع الذين لم يتلقوا البشرى غير موجودين. هؤلاء لديهم قيم إيمانية راسخة ولكن الرغبة في التمسك بمساحات تسلط على الآخرين، وللحصول على مجد بشري، أو بضمانات اقتصادية أدي بهم إلى التقوقع حول حياتهم الخاصة دون أدنى أعتبار للكرازة والتبشير. ٢. عدم الرغبة في تطوير طرق التبشير “لامبالاة أنانية” “المشكلة ليست دومًا كثرة المسؤوليات والنشاطات، بل خاصة المسؤوليات والنشاطات المعاشة بشكل سيء، دون الدوافع المناسبة، دون روحانية تنعش العمل وتجعله مرغوبًا”. والعديد من الأشخاص يفقدون التواصل المباشر والحقيقي مع الناس، وبالتالي يُفرغون العمل الرعوي من طابعه الشخصاني. هم يرغبون في صون مساحات استقلاليتهم، يعيشون في لامبالاة أنانية. من الصعب أن نجد معلمي تعليم مسيحي مكونين يواضبون على وظيفتهم لعدة سنوات. كذلك الكهنة والمكرسين الذين يتسلط عليهم هوس الانشغال بقوقتهم الشخصي. البعض يخطط لمشاريع غير قابلة للتحقيق، والبعض الآخر يرفضون تطور وتجديد المسارات التي يتبعونها، يؤدي كل هذا إلى الوقوع في شرك أن كل شيء ظاهريا يسير على ما يرام، ولكن الحقيقة أن أن جذوة فرح التبشير بالإنجيل قد خمدت وانطفأت. ٣. التشاؤم العاقر من عدم النجاح خطر آخر يحدق بالعامل الرعوي هو “التشاؤم العاقر”. وفي هذا الإطار يذكر البابا بأن الشر الموجود في العالم، لا يجب أن يخفف من التزامنا وحماستنا. فما من أحد يبدأ معركة ما إذا كان يعرف في الأصل أنه لن ينجح ولن ينتصر. يجب أن نذكر قول الرب لبولس، والذي يوجه اليوم إلينا: “تكفيك نعمتي، فالقوة تظهر في الضغف”. نعتقد باستحالة أو صعوبة تغير الوضع، فنخسر المعركة قبل أن تبدأ. هناك “تصحر” روحي ويصبح العالم المسيحي “عقيماً” في حين أن هذه هي علامات التعطش إلى الله يُعبر عنه بطريقة ضمنية أو سلبية. على الرعاة أن يندفعوا بحماس للكرازة واثقين من النصر، عليهم أن يكونوا قادرين على ارؤاء عطش الآخرين. ٤. التأثير السلبي للاتصالات الحديثة كما ويتحدث البابا عن تحدي وسائل الاتصالات الحديثة التي لا يجب أن تحل مكان اللقاء الشخصي بل يجب ترجمة زيادة امكانيات التواصل في زيادة بفرص اللقاء والتعاضد مع الجميع. “فالإنجيل يدعونا دومًا لأن نقوم بمجازفة اللقاء بوجه الآخر، مع حضوره الجسدي ومع ألمه وفرحه في تلاحم جسدي دائم”. يدعونا الإنجيل إلى تعلم لقاء الآخرين بتبني التصرف الصحيح، بتقديرهم وقبولهم كرفقاء طريق، بدون مقاومات داخلية. التحدي اليوم ليس الإلحاد، بل هو أن نساعد الناس لكي لا يطفئوا عطشهم الروحي ويروه من خلال خبرات افتراضية خادعة. فإذا لم يجدوا في الكنيسة روحانية تشفيهم، تروي غليلهم، تحررهم، تملأهم حياةً وسلامً وتجعلهم يدخلون في شركة حياة، سيقعون عاجلاً أم آجلاً في أفخاخ خبرات لا تمجد الله. ٥. الدينونة الروحية (خطر الاهتمام الظاهري بالطقوس والعقائد والأعمال الإدارية) إلى جانب هذه التحديات والتجارب يتطرق البابا إلى خطر تغلغل روح العالم في العمل الروحي، حيث يضحي الأمر الأهم هو الإعتناء ظاهري باللتيورجيات والعقيدة وبجاه الكنيسة، دون الأهتمام بنفاذٍ حقيقي للإنجيل في وسط شعب الله، فتتحول الكنائس إلى قاعات للمتاحف، يرتداها قلة من الناس. هناك أيضَا الأهتمام بالنجاحات الاجتماعية وأشكال الظهور المختلفة في المجتمع، وبالإحصاءات والأعداد، حيث المستفيد ليس شعب الله بل الكنيسة المنظمة ونفقد التواصل مع الواقع الأليم الذي يتخبط فيه عامة المؤمنين. أنه فساد هائلٌ تحت ظاهر الخير. فمن الواجب تحاشيه بوضع الكنيسة في حركة انطلاق خارجاً عن الذات، وفي حركة ارسالية مركزة على يسوع المسيح والالتزام نحو الفقراء. ٦. الصراعات الداخلية وتحدث أيضًا عن الصراعات الداخلية في جماعة المؤمنين التي تناقض رغبة الرب بأن “يكونوا كلهم واحدًا، حتى يؤمن العالم”. فبدلاً من أن يكونوا ملكاً للكنيسة الجامعة، بتنوعها الثريّ، ينتسبون إلى هذا الفريق أو ذلك الذي يشعر بأنه مختلف أو خاص. هناك انتشار لأمراض الانقسامات المختلفة حتى داخل الكنيسة الواحدة. فكيف نريد أن نبشر بالإنجيل بمثل هذه التصرفات؟ وفي نهاية الحديث عن تحديات الجماعة الكنيسة أشار البابا إلى دور العلمانيين وضرورة تحرر الكنيسة من النظرة المتمحورة حول الإكليروس فقط. وشدد أيضًا على أهمية دور المرأة في العمل الكنسي. وبعد أن تحدث عن مختلف التحديات، ختم البابا الفصل بالقول: “إن التحديات موجودة لكي نتخطاها. فلنكن واقعيين، ولكن دون أن نفقد الفرح، الشجاعة والالتزام الكامل للرجاء! لا نسمح لشيء أن يسرق قوتنا الإرسالية!”

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. ريتا يقول

    الرجاء الحصول على المقال كاملا

اترك رد