إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

خذوا العِبرة من شجرة التين

0 1٬075

تأتي قراءات الأحد الرابع من شهر مسرى لتصف لنا يوم مجئ الرب العظيم، فيصف الإنجيلي مرقس حالة الاضطراب والخراب العظيم، فمن كان في الحقل فلا يرجع ليأخذ ثوبه الذي تركه على أطراف حقله. الويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام فالزمن هو زمن ضيق، ستظلم الشمس ولا يضيء القمر، وتتساقط النجوم من السماء وتتزعزع قوات السماء. نص يبعث على الخوف، خاصة عندما نتطلع للعالم من حولنا ونجد البشر متناحرين فيما بينهم والحروب تشتعل في ربوع العالم كله، عندما نسمع بأخبار عن الزلازل والفياضانات والمجاعات والأوجاع المختلفة. لكن هل تبعث هذه القراءات على الخوف، أم هي رسالة رجاء تملئها محبة الله لنا وخوفه على مصيرنا؟

بعد هذا الوصف المريع لما حدث بالفعل عند سقوط أورشليم، وما يحدث طوال التاريخ البشري من حروب واضطهادات متنوعة، يكشف مثلُ شجرة التين معنى حديث يسوع الغامض. فما هي العبرة من شجرة التين؟

في البداية ليس هناك فاصلة في الكتاب دون معنى وارتباط بنصوص أخرى تفسرها. فقبل اصحاحين يصف الإنجيلي مرقس لعن يسوع لتلك الشجرة بالذات. صعد يسوع إلى أورشليم وفي طريقه يشعر بالجوع فيطلب ثمرة من شجرة تين على الطريق، لكنه لا يجد بها ثمرة فيلعنها فتيبس الشجرة في الحال، ثم يكتشف التلاميذ في اليوم التالي بأن الشجرة جفت حتى أصولها.

لماذا لعنها الرب؟ المسيح الذي جال يصنع خيرًا طوال حياته، شفى المرض، أقام الموتى، صنع رحمة مع الجميع، إلا إنه يلعن تلك الشجرة، يدمرها حتى أصولها، حتى جذورها. فما السبب؟

جاء يسوع الى الشجرة “لعله يجد فيها شيئا ” ( مرقس 11 : 13) ، بالنسبة لشجرة التين بالذت فالاوراق تأتي بعد الثمار. وفي اوائل الربيع قبل ظهور الاوراق كانت شجرة التين تنتج ثمارا خضراء طعمها مستساغ للفلاحين، فاذا لم يكن هناك تين اخضر علي الشجرة عندما يبدأ موسم الاوراق في الربيع فلن يكون هناك محصول في اواخر الصيف: “خُذوا مِنْ شجَرَةِ التِّينِ عِبرةً: إذا لانَت أغصانُها وأوْرَقَت، عَرَفتُم أنَّ الصَّيفَ قَريبٌ” (متى 24: 32) و (مرقس 13: 28)

فالشجرة المورقة كانت اعلانا صامتا بأن بها ثمارا، لآن الثمارفي شجرة التين كانت ، تظهر قبل الأوراق، لكن يسوع وهو يبحث عن ثمار التين الخضراء لم يجد سوى الأوراق. لماذا لعن يسوع إذن الشجرة؟

هكذا يصف مرقس الحدث: “ورأى عَنْ بُعدٍ شجَرَةَ تِـينٍ مُورِقَةً، فقَصَدها راجيًا أنْ يَجِدَ علَيها بَعضَ الثَّمَرِ. فلمَّا وصَلَ إليها، ما وجَدَ علَيها غَيرَ الوَرَقِ، لأنَّ وَقتَ التِـينِ ما حانَ بَعدُ” (مرقس 11: 13). هذا الوقت لم يكن وقت أثمار التين، ولكن أخراج الأوراق كان يعنى أن الشجرة مختلفة عن الأشجار الأخرى، الورق يعني أن الشجرة أخرجت ثمارها الطيبة الشهية. عوقبت الشجرة ليس لأنها بلا ثمر، بل لأنها أعلنت عن طريق أوراقها إن بها ثمر ناضج على غير الحقيقة.

العبرة من شجرة التين، فالإنسان الذي يتظاهر بأن حياته ممتلئة بالثمار، على غير الحقيقة، سيكون عقابه شديدًا. لنتذكر مثلُ الفريسي والعشار. بعد أن يلعن المسيح شجرة التين يتحدث عن كل ما يمكن أن يطلبه الإنسان بإيمان يجده، ثم على ضرورة المغفرة للآخرين. كل منا غصن في كرمة الرب، يثبت فيه ليعطى ثمر. عند الثبات في الشجرة يمكنه أن يطلب كل شيء فيستجاب إليه، يمكن له أن يثمر في علاقته مع الآخرين، فيرتبط معهم بعلاقة أساسها المحبة والغفران: “وإذا قُمتُم لِلصلاةِ وكانَ لكُم شيءٌ على أحَدٍ فاَغفِروا لَهُ، حتى يغفِرَ لكُم أبوكُمُ الذي في السَّماواتِ زلّاتكم” (مرقس 11: 25).

لنأخذ العبرة من شجرة التين، فلا نتظاهر بأعمال وثمار ليست لنا، فالقول يصاحبه عمل، فالمسيحي هو صورة للمسيح على الأرض في زمانه وبيئته، في علاقته مع الله والأخرين، فسيأتي يوم يعطي فيه حسابًا لوكالته. في نهاية حياته الأرضية: لأنَّكُم لا تَعرفونَ متى يَجيءُ رَبُّ البَيتِ، أفي المَساءِ أم في مُنْتَصفِ اللَيلِ أم عِندَ صِياحِ الدّيكِ أم في الصّباحِ، لِئلاَ يَجيءَ فَجْأةً فيَجِدَكُم نيامًا”. (مرقس 13: 35- 36).

قد يعجبك ايضا
اترك رد