إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رَجُل المَجمَع

0 627

وَكانَ في ٱلمَجمَعِ رَجُلٌ فيهِ روحُ شَيطانٍ نَجِس” (لوقا 4: 33).

على جدار كنيسة دير الدومنيكان بجزيرة ريشنو هناك لوحة فنية على جدار الكنيسة تصور لقاء يسوع في المجمع. يقف يسوع في المنتصف وخلفه رجلان وأمامه الرجل الذي به روحٌ نجس، وهو عاري الصدر، يمسك به ثلاث رجال. إلا اللوحة بها شيٌ غريب. فملابس المسيح والرجلان الواقفين  (القديسين بطرس وبولس) خلفه هي ملابس الزمن الذي عاش فيه يسوع المعروف لنا والتي نراها في أغلب اللوحات الفنية، في حين يلبس الرجل الذي به بروحٌ نجس والثلاث رجال حوله ملابس مختلفة، هي الملابس السائدة وقت رسامة اللوحة، في القرن العاشر الميلادي. المعنى الذي أراد الفنان أن يصل إلى مشاهد اللوحة أن كلمة الله لم توجه فقط إلى أشخاص تاريخيين صادفهم حظهم السعيد للقاء يسوع، فهي موجهة إلى كل البشر، في كل زمان ومكان.

للأسف، لدي البعض اعتقادًا جازمًا، لكنه غير مُعَلن، أن أحداث الكتاب هي أحداث تاريخية كُتبت في زمن بعيد، لا يرتبط بالزمن الذي نعيش فيه الآن. فهناك لعازر واحد أقامه المسيح في حياته الأرضية. في حين كان المولود أعمى أو السامرية أو المرأة الخاطئة سعداء الحظ لأنهم عاشوا في زمن المسيح ونال الشفاء من أمراضهم الجسدية والروحية. إلا إننا نعيش اليوم زمن مختلف. عندما نسمع أحداث الإنحيل نؤمن بأنه الحدث حدث خاص بالبعض، حدث قد تم في زمن مُحدد تاريخي غير قابل للتكرار.

دخل المسيح المجمع (الكنيسة) “على عادته” ليصلي، ليقرأ في الكتاب، ليُعَلم. هناك جمهور كبير من المصليين الذين جاؤا للصلاة ولاستماع إلى تفسير لأسفار الشريعة والأنبياء. يدخل رجل يلبس مثل الآخرين، ويتصرف كما يتصرف الآخرين، مؤمن كالآخرين، كما يبدو من شكله وملابسه لا يمكن تمييزه عن باقي الرجال. استفز حضور يسوع الرجل فأخرج طاقة الغضب التي تملء صدره: صرخ في وجه يسوع، هو يعرف جيدًا إنه قدوس الله، يشعر إن لا شيء يجمعه به، يعتقد إن المسيح جاء لهلاكه.

يوجه المسيح كلمة للرجل قائلا: «إِخرَس وَٱخرُج مِنهُ!». كلام الله هو فعل يعطي الحياة، ليس في زمن محددة، بل استمرارية الحياة إلى الأبد. عندما قال الله “كنْ” في بداية الخليقة لم يتوقف عن الخلق إلى اليوم، بل هو فعل مستمر مدي الأيام. الكلمة التي وجهها يسوع للرجل الخاضع لروح الشر، ليست لذلك الرجل التاريخي فقط، بل هو فعل مُحرر بصفة دائمة لكل البشر، وفي كل زمان. كلمة قادرة على هزيمة روح الشر التي بداخلنا. كلمة منيرة تبدد الظلام الذي يملء النفس البشرية. حررت كلمة يسوع الرجل من الروح النجس، روح الشر الذي يزرع في قلوبنا وضميرنا أن الله غير مَعْنِي بحياتي العملية المعاشة، فقط علينا أن نؤمن به، نقدم له مظاهر العبادة، نمجده، لكن لا نعيش وفقا للكلمة في حياتنا، في سلوكياتنا. نتكلم عن المحبة ونعظ عنها وعن تعاليم الإنجيل التي تطلب محبة الأعداء، في حين نفشل في محبة بعضنا لبعض، نفشل في محبة القريب الذي بجوارنا.

ما يقوله الإنجيلي لوقا: إن الإيمان يمكن أن يكون شيطاني متى توقف عند المعرفة فقط دون أن ينعكس على الحياة والسلوك المعاش. الإيمان يمكن أن يكون شيطاني متى يرى الإنسان الله كخصم جاء ليهدم الحياة المريحة التي خططها لنفسه. لا يكفي الحضور إلى الكنيسة لكي يصبح الشخص مؤمنًا، الخطر أن يعيش الإنسان وهو معتقد إن مؤمن إلا إنه يرفض أن يغيره الله، أن يشفيه من كبرياءه، من الأصنام التي يعبدها.

يتوقف الإيمان أحيانًا عند المعرفة، هذا ما عبر عنه القديس يعقوب في رسالته قائلا: “ورُبَّما قالَ أحَدُكُم: «أنتَ لكَ إيمانِ وأنا لي أعمالٌ«، فأقولُ لَه: «أرِني كيفَ يكونُ إيمانُكَ مِنْ غَيرِ أعمالٍ، وأنا أُريكَ كيفَ يكونُ إيماني بأَعمالي«. أنتَ تُؤمنُ أنَّ الله واحدٌ؟ حسَنًا تَفعَلُ. وكذلِكَ الشَّياطينُ تُؤمِنُ بِه وتَرتَعِدُ” (يع 2: 18- 19).

خلال لقاء البابا مع الشباب في كراكوفيا سأل أحد الشباب البابا: “ماذا أقول لصديق لا يؤمن بالله لكي يصبح مؤمناً؟”. تلاحظون أحياناً أن الشباب يحتاجون إلى “وصفات”. يجب أن تكونوا مستعدين لتصحيح هذا الموقف الذي يتطلب وصفات وإجابات جاهزة. أجبته: “آخر شيء يجب أن تفعله هو أن تتكلم. ابدأ بعمل معين. من ثم، سيطلب منك تفسيرات عن طريقة عيش حياتك وأسبابها”. هنا، يجب أن تكون مباشراً، مباشراً من خلال الحقيقة”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد