إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

أُسس التربية السليمة

488

يولد الإنسان باحتياجات جسدية ضرورية لاستمرار حياته ولنمو جسده، واحتياجات نفسية ووجدانية من الضروري إشباعها بشكل مستمر، لكي يعيش حياة نفسية وروحية سوية. عدم تلبية هذه الاحتياجات، بصورة مُرضية، يُعيق النضوج النفسي والوجداني للشخص، فلا يتمتع بالصحة النفسية، أي حالة التوافق النفسي الدائم مع نفسه وعالمه وبيئته. عدم تلبية الاحتياجات النفسية والوجدانية يجعل من الشخص غير قادر على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وامكانياته، وأن يكون ما يريد أن يكون بالفعل.

جميعًا يرغب في أن ينشأ أطفالنُا بصحة نفسية جيدة وفي حالة توافق وتصالح واتساق مع ذواتهم وحالة فهم وإدراك لما يكونوا عليه في الحياة. لذا علينا مراعاة تسديد احتياجاتهم الواجدانية والنفسية بصورة مُرضية.

ما هي أهم الاحتياجات الوجدانية والنفسية؟ وفقًا لديفيد فريغسون ودون مكمين، فإن أهم عشرة احتياجات نفسية أساسية للإنسان هي: (القبول – الإعجاب – التشجيع – المساندة – دفء المشاعر – الشعور بالأمان – الاحترام – الاهتمام – التعزية – التقدير). سنحاول إجمالها في الاحتياجات الضرورية الأساسية التالية:-

أولًا: الاحتياج إلى الحب والارتباط الآمن

في مرحلة الطفولة يحتاج الطفل للحب. مما لا شك فيه، إلا في بعض الحالات النادرة والناجمة عن انحرافات نفسية، يّحب جميع الآباء والأمهات أطفالهم. لكن الطفل لا يقرأ المشاعر، هو يميز السلوكيات فقط. فإذا لم تُتَّرجِم سلوكيات وتصرفات الآباء محبتهم للطفل لن يشعر الطفل أبدًا بالحب، وسينمو وهو في حاجة ماسة إلى الحب لن ترتوي مستقبلا وستجعله غير قادر على التوافق مع نفسه. تُشكل السلوكيات قناعات الطفل فينشأ مؤمنا بأن والديه يحبانه أو يكرهانه، وتتولد لديه مشاعر الحب والكراهية والخوف من خلال تراكم السلوكيات المعبرة عنها. المشكلة الكثيرين يحبون أبناءهم لكن ما يصل إلى الطفل مختلفًا، استنادًا على السلوكيات معه، فيعتقد إن والديه يكرهان. وكثيرًا من الآباء والأمهات ينتهجون نهج الإزدواج العاطفي عندما يمُنحون الطفل الكثير من المشاعر ثم يتم سحبها بالإساءة المفرطة، وقبل أن ينفر الطفل ويعتقد إن والديه لا يحبانه يقوما بإعادة منح المشاعر بصورة فياضة فيرتبك الطفل ولا يستطيع تغليب مشاعر الحب أو الكره بل يحملهما معًا، مما يُشكل إيذاءً نفسيًا للطفل.

هناك أيضًا الحاجة إلى الارتباط الآمن بالعائلة فيشعر الطفل بالأمان في وسط عائلته، فلا يشعر بأنه يعيش في بيئة عدائية. الأحساس بالأمان يأتي عندما تكون علاقة الأب والأم جيدة، فإن كيان الأسرة يبدو متماسكًا وقويًا، لا يمكن أن ينهار بسهولة. في حين إن المشكلات والاضطربات تجعل الطفل يعتقد إن كيان البيت سوف ينهار، أو إن الأب لن يعود مرة أخرى، فيخاف من الغد. يتصور الطفل أحيانًا إن والديه يتعاركان بسببه، أو لأجل تصرف قام به ككسر شيء ما، وتصبح المشكلة أكبر إذا تم اشراك الطفل في موضوع المعركة الزوجية، ويشهده أحد الطرفين في موضوعات الخلافات الزوجية رغبة في جذب الطفل لصفه. كذلك يؤثر الانفصال بشدة على الطفل، بنقله من حضانة إلى أخرى ثم المدرسة، فنقل الطفل صعب جدًا، لا يتصوره الشخص الناضج، فالتغيير يفقده الشعور بالأمان.

مشاعر الحب والأمان تُترجم في مجموعة من السلوكيات أهمها:

1.الاحتياج إلى الحضن:

أول وأهم السلوكيات التي تُسدد وتُشبع الاحتياج إلى الحب والارتباط الآمن بعائلة هو الاحتياج إلى الحضن. إن أول علاقة الإنسان بالحضن هو احتضان الأم لطفلها بعد والدته مباشرة. وهذا الحضن بالذات له وظائف مهمة للغاية، فهي تُشعر الطفل بأنه موجود، مختلف عن الأم (لذا يُستحسن أن يكون الطفل عاريًا في حالة تلامس مع جسد الأم).

في المتوسط يحتاج الإنسان الطبيعي إلى معدل يمتد من أربعة أحضان يوميًا للحفاظ على بقائه على قيد الحياة. وعدد 8 أحضان لسلامة مشاعرة وأحاسيسه. وإلى اثني عشر حضنًا يومًا من أجل النمو النفسي بصورة تكفي لتغذية احساسه بالأمان والحب. يحفز الحضن إفراز هرمون السعادة (السيروتونين)، وهرمون (الأوكسيتوسين) الذي يساعد على شفاء مشاعر الوحدة والعزلة وتقليل الغضب، ويقوي المناعة بتوازن إنتاج خلايا الدم البيضاء، ويساعد على ارتخاء العضلات، ويساعد على توازن الجهاز العصبي، ويخفف التوتر.

إلا إن الأهم هو البعد النفسي لأنه يحمل رسائل نفسية للطفل بأنه محبوب ومقبول، يلقى احترام وتقدير عائلته. يعبر الحضن أيضًا عن الاحتواء النفسي للطفل، فيحقق رغبته في العودة مرة أخرى إلى الرحم (وهي رغبة نفسية دفينة لدينا جميعا)، حينما كان الأمان والدفء والاحتواء والشبع موجودين بكل بساطة ودون عناء أو مشقة أو تعب، وجودًا دائمًا لا ينقطع.

حضن الأم يعطيك دفئًا وشبعًا واحتواء وأملًا. وحضن الأب يعطيك قوة وشجاعة وأمانًا. بعض المرضى النفسيين والمثليين جنسيًا لا يوجد خلف أعراضهم وأمراضهم النفسية العويصة سوى احتياج لحضن. احتياج لحضن، لم يتم إشباعه من الأم والأب أساسًا. فالهدهدة والتربييت والاحتضان والقُبلات والتواصل البصري بتعبيرات الوجه والابتسام والتعبيرات الصوتية سلوكيات يُدرك الطفل إنه محبوب فيمتلء ثقة بالنفس ويشعر بالأمان.

2. الدفء العاطفي:

متى شعر الطفل بالدفء والحنان فإنه يرى العالم مكانًا آمنًا مليئًا بفرص التعلم والاستكشاف والمغامرة. أما إذا كان سلوك الوالدين يتسم بالبرود، فإنهم سيحرمون الطفل من العناصر الضرورية لتحقيق نموه العاطفي والاجتماعي، فيرى العالم مكانًا باردًا مثيرًا للسأم وتكون علاقاته المستقبلية غير ناجحة، كما إنه لن يشعر أبدًا بالثقة بالنفس.

مثال على ذلك هو عندما يرسم الطفل لوحة يشعر بالفخر بها، ويأتي لوالديه بكل حماس لينظروا فيما يراه هو انجازًا ولكنه يقابل بعدم اكتراث، أو الصراخ في وجهِه بأنه يضيع وقته في أمور غير ذات فائدة. يشعر الطفل بالبرود من والديه متى كانوا غير مباليين في التعبير عن مشاعرهم بنجاحات الطفل وانجازاته. مثال آخر على البرود هو عدم حضور الوالدين مدرسة الطفل عندما يدعون إليها خاصة إذا كانت هناك فعاليات يشارك فيها الطفل ويتغيب والداه لسبب لا يراه مُقنّعًا خاصة إذا تكرر ذلك فما يرسخ في عقل الطفل وذاكرته هو أن والداه “لا يهتمان.”

كما إن إنشغال الوالدين بأنفسهم وأعمالهم إلى الدرجة التي يتم فيها أهمال العناية بالطفل عاطفيًا فإن هذا الأمر يؤدي حرمان الطفل من القدرة على الحصول على التفاعلات والعواطف الأساسية التي يحتاجها لكي ينمو نموًا عاطفيًا وثقافيًا واجتماعيًا سليمًا.

3. تجنب الإيذاء البدني:

حين يتعرض الأطفال لمعاملة قاسية من والديهم فإن العالم لا يعود له “معنى” بالنسبة إليهم وستتأثر كل مجالات التعلم بتجربتهم القاسية وسيتعطل نموهم العاطفي والاجتماعي والثقافي. مثال على القسوة هو العقاب القاسي لأخطاء لاتستحق هذه الدرجة من القسوة و الأسوأ هو عندما يعاقب الطفل ولا يعلم ماهو خطأه ولماذا يُعاقب. مثال آخر على القسوة هو عندما يكون للوالدين توقعات غير واقعية من أبنائهم، لا تتناسب مع أعمارهم أو حتى نموهم العقلي، والعاطفي.

4. تجنب المضايقة والتهديد:

تتضمن المضايقة عنصر ضغط إضافي فهو ينتظر العقاب ولا يعلم نوعه أو توقيته. كذا فإن التهديد يفزع الطفل مما يؤدي إلى تشويه نفسيته وتعطيل قدرته على التعامل مع المواقف العصيبة أو الضغوط. فالخوف المستمر وانتظار الأسوأ يهدد إحساس الطفل بالأمان والطمأنينة، مما يولد لديه مشاكل نفسية كأن يصبح دائم التوتر، قليل التركيز ولكن الأمر لا يقتصر على الجانب النفسي فقط، اذ قد تظهر عليه أعراض جسدية أيضًا الضعف المستمر، وعدم القدرة على مقاومة الأمراض. فالطفل الذي يعيش تحت طائلة المضايقة والتهديد المستمر لديه فرصة ضئيلة في النمو النفسي السليم والقدرة على ايجاد علاقات اجتماعية سليمة من دون مشاكل.

5. الاعتدال في التدليل:

يجنح أحيانًا الوالدين إلى تدليل أطفالهم بصورة مفرطة فيؤدي الأمر إلى نتائج سلبية تؤثر عليه مستقبلًا. عندما يُكرر الطفل خطأ أو قولًا وتكون ردة فعل الوالدين سلبية، ولا يحاولان تعديل سلوك الطفل لكي لا ينزعج، فإن الطفل سيكون سعيدًا بصورة مؤقتة، لأنه حر بأن يفعل ما يريد، ولا يرى من يحاسبه أو يردعه، ولكن واقع الامر ليس كذلك. فالطفل قد يفقد شعوره بالأمان لأنه تُرك وحده أن يُقرر من دون أن يشعر بأنه يوجد من يساعده في اتخاذ القرار الصحيح، اذا ما أخطأ، او احتاج إلى مسانده. فشعور الطفل بعدم الآمان والتوتر، قد يكون له تأثير سلبي على شخصيته، خاصة وإذا كان المجتمع و الأفراد المحيطون به لا يقبلون أو يرفضون تصرفاته الغير لائقة.

ثانيًا: الاحتياج لتكوين الذاتية والاستقلالية

يتحقق هذا الاحتياج عند إشباع احتياج الطفل لقضاء أوقات خاصة مع والديه، بالإضافة إلى القدرة على التعبير عن الرأي الخاص. فالطفل يحتاج أن يقضي الوالدان معه أوقاتًا خاصة محددة يوميًا، وهي أوقات يكون فيها الطفل هو محور ومركز الاهتمام ولا شيء آخر، كالجرائد والتلفزيون أو الكمبيوتر والمحمول، وفي هذه الفترات يتواصل الوالدان مع الطفل في علاقة شخصية على مستوى التواصل البصري والفكري والعاطفي.

في هذا الوقت يصغي والديه إليه، لمشكلاته، مستمتع بحديثه وقصصه وأحلامه، وقت يعبر فيه عن ذاته وينفس عن مشكلاته ومخاوفه. الطفل الذي لا يعبر عن نفسه ويفرغ مشكلاته وقلقه وألمه الداخلي من خلال الكلام مع والديه فإن لن يتمتع بصحة نفسية في المستقبل مهما سعى إلى ذلك. فالتفريغ والتنفيس شيء في غاية الأهمية للطفل. شيء مؤلم إذا عاش الإنسان وليس لديه فرصة لهذا التفريغ النفسي والتنفيس عن مشاعره وألمه ومشكلاته مع آخر، يتحدث عن كل شيء وأي شيء. لن يحكي الطفل إذا لم يصغى والديه إليه، فإذا شعر إنه يتكلم ولن يصغي إليه أحد، سيمتنع عن الكلام. من المهم إعطاء وقت للأطفال مميز يكون فيه الآباء على استعداد لسماعه والإصغاء لكلامه والنظر إليه باهتمام، حتى إذا كانت روايات تبدو ساذجة للآباء والأمهات، لكنها مهمة للغاية في تفريغ وتنفيس عن مشاعره، وإلا سيحدث اضطرابات نفسية لهذا الشخص مستقبلا. كما يحتاج الطفل إلى أن يعبر عن رأيه الخاص بأسلوب يتناسب مع سنه، وفي جو من الارتياح والطمأنينة، ودون الشعور بأي خوف أو تهديد أو تعجل أو فقدان صبر.

لذا على الوالدين الانتباه إلى كافة السلوكيات التي تساعد على تنشئة طفل مستقل واثق من ذاته:  

1.أهمية التشجيع:

إن ما يمنح الطفل تقديرًا مرتفعًا للذات واستقلال الشخصية، بالإضافة إلى مشاعر الحب والأمان، عاملًا شخصيًا وهو النجاح، بأن ينجح في أمر ما، تشجيعه على أمر ما يستطيع القيام به، وإلا تصبح شخصيته مهلهلة غير منتجة فاشلة. يحتاج الطفل إلى التشجيع في أمر ما، مشكلتنا إننا نشجع أطفالنا حتى الدخول إلى المدرسة وبعدها تكون لدي الآباء والأمهات رغبة قوية في أن يتفوق في المدرسة ويحصل على درجات عالية، فيمتنع الوالدان عن التشجيع إلا في إطار المدرسة والتفوق فيها. في حين إن الإنسان لا يشعر بالقيمة إلا إذا تعددت مصادر التشجيع، فإذا تم تشجيعه فقط على إنه متفوق في المدرسة، أو لأن البنت جميلة، سيحدث خلل مستقبلًا في المصدر الوحيد للشعور بالقيمة، فمن الممكن أن يفشل الطفل يومًا، أو تفقد البنت جمالها لسبب ما، فلابد أن تتعدد المصادر، أن يكون متفوق دراسيًا، رياضيًا، فنيًا، في أي نشاط يشجع المجتمع عليها فيخرج الطفل ليجد المجتمع يشجعه عليها أيضًا فيستمر شعوره بالتقدير والقيمة. من المهم تشجيع الأطفال في كافة المجالات مثل: الانخراط في النشاطات الرياضية التي توجه طاقتهم؛ الاشتراك في الأعمال الخيرية والتطوعية؛ تكوين الصداقات الصالحة، ومصاحبة الخيريين من زملائهم؛ التحدث والحوار والتعبير عن مشاعرهم بطلاقة وأدب؛ ممارسة هواياتهم وميولهم ورغباتهم، وتهيئة الفرصة لممارستها؛ قبول أنفسهم كما هي، وتعليمهم كيفية تطوير ذاوتهم ومهاراتهم.

2. الهدايا:

أمرٌ آخر مهم للطفل هو قبول الهدايا أو الاستجابات المادية لطلبات الطفل المادية.  جميع الآباء والأمهات لا يمتنعوا عن تلبية كافة الطلبات المادية وتقديم الهدايا والاحتفال بأعياد الميلاد، لكن البعض يلجأ إلى  طريقة المناورة مع أطفالهم، فلا يستجيبوا لرغبات الطفل إلا إذا قاموا بمناورة الطفل ليحصل عليها. فيخرج الطفل إلى الحياة ويكون أسلوبه هو المناورة للحصول على ما يريد، فيهاجم البعض ويتملق الأخر لكي يحصل على ما يريد. هناك مناورات سلبية التي يكون فيها خاضع بصورة دائمًا وتكون أفعاله الداخلية غير مدركة تهدف لتحقيق ما يريد عن طريق المناورة الناتجة من عدم شعور الطفل بأنه محبوب وإن استجابة والديه هي نتيجة محبتهم، ولكن هي الاستجابة مشروطة بقدرته على المناورة التي تُتيح له الحصول على ما يرغب فيه.

3. تجنُبّ التحقير والإساءات المتكررة:

يؤدي التحقير والإساءات البدنية واللفظية والنفسية والجنسية المتكررة إلى رؤية الطفل لنفسه في الصورة المنحطّة التي ترسمها ألفاظ والديه وسلوكيات مَن حوله، مما يحد من طاقة الطفل، ويعطّل إحساسه الذاتي بإمكاناته، وطاقاته. إطلاق أسماء على الطفل مثل “غبي”، “أنت غلطه”، “أنت عالة” او أي إسم آخر يؤثر في إحساسه بقيمته، وثقته بنفسه، خاصة وإذا كانت تلك الاسماء تُطلق على الطفل بصورة مكررة. من الأجدى أن يمارس الوالدين الانتقاد الفعال لسلوكيات وتصرفات الطفل، و ليس شخصيته. مثلا عندما تكون درجة الطفل في الامتحان دون المستوى المتوقع منه، فمن الأفضل أن يقال للطفل، بأنه لم يستغل وقته بطريقة صحيحة، أو أنه لم يعط الاهتمام الكافي للدراسة. فكلمات مثل هذه تساعد الطفل على معرفة مكمن المشكلة، وتساعده على إيجاد حلول لها، ويعلم أن فعله هو المشكله، فلن يؤثر ذلك على نظرته لنفسه،أو إنه انسان فاشل، بعكس اذا ما أُستُخدمَت كلمات مثل “إنت غبي”، “لن تفلح أبدا”، “لقد أخجلتنا وانت عار علينا” فهذه الكلمات تضرب في صميم شخصيته وثقته بنفسه

هنا يجب الانتباه لأهمية التفريق عند عقوبة الأبناء بين دافع التقويم والتوجيه، ودافع التفريغ والتنفيس النفسي للوالدين، فكثير ما يتم الخلط بينهما. كثيرًا من ردود أفعال الكبار هي وليدة تعرضهم للأذى عينه في طفولتهم وينعكس الأمر على الصغار. لذا على الوالدين، متى لاحظوا نمطًا متكررًا في سلوكياتهم تجاه أطفالهم به الكثير من التوبيخ والإساءة دون مبرر، طلب المساعدة والمشورة من أخصائيين في التربية لمساعدتهم في التحرر من مشكلاتهم الشخصية حتى يتسنى لهم تربية أبناءهم بصورة سليمة.

ثالثًا: الاحتياج إلى النظام الثابت في التعامل (لائحة)

إن ما يشغل اهتمام الآباء والأمهات هو تهذيب سلوكيات أطفالهم إلى أفضل صورة ممكنة. إلا إن هذا لا يتم قبل أن تُسدد الاحتياجات المذكورة سابقًا، حيث يستحيل أن تدرب الأطفال على الطاعة وانضباط السلوك بصورة صحيحة، ما لم تكن علاقتهم المبدئية مع والديهم قائمة على الحب غير المشروط، وأن يتم توفير الاحتياجات الأساسية للطفل، وحينها يأتي التهذيب سلسًا وميسورًا.

إن اسس التعلّم تكمن في التفاعلات الأولى بين الطفل ووالديه. فعبر التفاعلات المنسجمة يشكّل كل منهما الآخر ويتعلم الطفل أن لأفعاله نتائج منسجمة ومتطابقة. يتعلم الطفل الثقة في أن حاجاته سوف تلبّى، وأن سلوكياته الغير مرغوبة ستهذب بطريقة واضحة معلومة لديه ومنسجمة مع حجم الخطأ الصادر عنه. عندما يتعلم الطفل ما هي ردة الفعل التي يتوقعها لكل فعل، صحيح كان أم خاطيء، فان مهارات الطفل الحياتية سوف تتطور ويتعلم التفكير بطريقة منطقية. ولكن عندما لا يستطيع الطفل أن يتوقع نتائج أفعاله وردود الفعل عليها فعملية التعليم، وخاصة في المهارات الحياتية، تتأثر سلبًا فضلًا عن أنها سوف تترك الطفل يعيش ضغطًا معنويًا لأنه لايعرف أن يتوقع ما هي عاقبة الامور خاصة إذا أراد أن يبدأ تجربة جديدة.

يبدأ تهذيب الأطفال إذن بوضع برامجًا روتينيًا ثابتًا ومتوقعًا لا يحمل المفاجآت للطفل، بما في ذلك مواعيد الأكل والنوم، مما يرسخ شعورًا بالأمان والهدوء والاستقرار للطفل. والطفل بدون روتين يومي ثابت، بالأخص في مواعيد الأكل والنوم، يصاب بالتوتر والتشتت الفكري وعدم الأمان، بما يجعله غير قادر على الثقة والإنجاز والابتكار. ثم يتدرج إلى وضع لائحة للسلوكيات الصحيحة والخاطئة وردة الفعل من جانب الوالدين في كل منهما.

لذا على الوالدين الانتباه إلى كافة السلوكيات التي تساعد على وضع إطار عام للتعامل مع الطفل: 

1.تجنُب التضارب:

التضارب في ردود أفعال الآباء والأمهات يُّثير لدى الأطفال مشاعر القلق والاضطراب وقد تؤدي إلى عدد من المشاكل السلوكية فضلًا عن إعاقتها للنمو المعرفي للطفل. عندما يقول الوالدين للطفل بأنه يجب ان تفعل ما نقوله لك ولكن في اليوم التالي لا يهمهم الموضوع ذاته ويطلقون مطلق الحرية للطفل في التصرف فيه، فذلك يترك الطفل حائرًا، خائفًا لا يعرف حدود تحركاته وصلاحياته. فمثلًا يذهب الطفل الى مكان ما من غير استإذان فيقوم والداه بمعاقبته بشدة بينما قد يذهب مرة اخرى الى المكان ذاته من غير استإذان ويتغاضى الوالدان عن ذلك تمامًا من دون اعطاء أي سبب يمكن للطفل فهمه واستيعابه. بصورة عامة، الاطفال لا يشعرون بالأمان والراحة عندما يتلقون تصرفات متناقضة من القائمين على أمر تربيتهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.