نسر العلم المصري

يحتل النسر قلب العلم المصري المرفوع فوق رايات الهيئات المختلفة، بألوان الثلاث الأحمر والأبيض والأسود. لكن هل تسألت يومًا لماذا النسر بالذات الذي تم اختياره ليزين العلم المصري؟ لكل بلدان الأرض”حيوان قومي” يمَيزها عن غيرها، هناك الدب الروسي، والديك الفرنسي والكانجرو المميز لاستراليا.

حقيقية لا أعرف سبب اختيار النسر رمزًا لبلادنا، إلا إن ما لفت نظري هو صفات النسر المصري واسمه. فالنسر المصري، وفقا لتصنيف المتخصصين، هو النوع الأدني بين النسور. هو ليس كبيرًا كباقي النسور، كما إنه ضعيف جدًا مقارنة بغالبية بالأنواع الأخرى. فهو مثلا لا يصطاد أبدًا، بل ينتظر النسور الأخرى الأقوي كي تصطاد وتأكل وتشبع، ثم يتقدم هو ليأكل مما تبقي من الجيفة. والغريب، حسب تنصيف العلماء أنه الأكثر ذكاءً بين النسور، فعندما يعثر على بيضة نعامة، يحملها بعيدًا، ويضعها على الأرض ثم يحلق فوقها ويُسقط الحجر فى نقطة بعينها، مرة بعد مرة بعد مرة، حتى تنكسر قشرة بيضة النعامة السميكة الصلبة، وينفتح فيها شباك، فيهبط صاحبنا المصرى ويُدخِل رأسه فى الشباك، يلتهم مافيها. هل ترغب عزيزي القارئ في أن تعرف الاسم العلمي لنسرنا المصري العزيز، اسمه: “نسر الرَّخمة”.

هل لحيواننا القومي تأثير علينا فاكتسبنا بعض من صفاته وأسلوبه في الحياة. لا أعرف لكن على المستوى العملي هناك نوع من الكسل الغريب الذي يعاني منه البعض، يدفعه إلى التسلق على مجهود الآخرين. إذا تجولت بنظرك تجد عامل يقوم بعمله ولكن يُشرف على ما يقوم به من عمل عدد خمس أو ستة مسئولين. تجول في الشوارع ولاحظ مبانينا وتعامل الموطفين الهيئات العامة ستجد حالة عامة من الخمول والكسل وغياب الشغف بالجمال والنظام والنظافة.

يهمنى، بصفتي الدينية، أن أبَيّن مدى تأثرنا روحيًا بصفات نسرنا الجميل. هناك حالة غريبة من الكسل والتراخي في الحياة الروحية أصابت حتى الأجيال الجديدة التي يغيب عنها الشغف بالأمور الروحية كالصلاة والتأمل والرياضات الروحية ودراسة الكتاب المقدس. مازلتُ أتذكر شغفنا ونحن صغار بمتابعة جهاز (الفانوس السحري) الشرائح ضوئية وصوت الخادم الرخيم وهو يشرح لنا قصص وشخصيات الكتاب المقدس.  

يضع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية خطيئة الخمول ضمن الخطايا السبع الكبيرة ووصفها بالجفاف الروحي، وعدم الاهتمام بما هو إلهي وغياب الشغف في معرفة، أكثر عمقًا، بالله. يؤمن الإنسان الخامل بالله لكنه لا يجتهد في معرفته، ولا ينشغل بالبحث عنه وتعميق درايته به. يقرأ مقتطفات من الكتاب المقدس ولكنه لم يجتهد في فهم وتفسير النصوص والمقارنة بينها لكشف مدلولها. عندما تراءى القائم من القبر لتلميذي عماوس فسر لهم الكتب: “ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ” (لوقا 24: 27). أن تؤمن هو أن تجتهد في الانفتاح على الروح القدس ليفسر لك كلام الله. الحياة الروحية جهاد ومثابرة وتعب.

كيف لنا أن نؤمن بالله وتجسد ابنه الوحيد دون أن نجتهد في فهم كلمة الله لنا؟ هكذا يبدأ يوحنا الإنجيلي كتابه بالقول: “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ” (يوحنا 1: 18)، “َلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ” (متى 11: 27). فلا سبيل لمعرفة الله إلا إذا كشف الابن عنه. وكيف يكشف عنه إلا من خلال الصلاة وتأمل نصوص الكتاب.

لكن يدفع الخمول الروحي إلى تذكير الشخص بأن هناك دائما شيء أهم عليه القيام، وتأجيل كل ما هو روحي. يقول القديس يوحنا كليماك: “عندما نصلّي، يذكّرنا الخمول دوما ببعض الأعمال التي يجب القيام بها”. أية أمُّ لم تتذكّر في الوقت الذي تصلي فيه أنها يجب عليها أن تقوم باتصال تليفوني ضروري، أو أن عليها مُراجعة دروس الأبناء. أو أي أب لا يتذكر، وقت الصلاة، مشغوليات الحياة ومتطلباتها.

الصلاة جهاد والحياة الروحية جهاد، يجب ألاّ نحلم، فالصلاة جهاد (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1725-1751). يجب ألاّ ننتظر تذوّق الصلاة لكي نصلي، فالتذوّق قد يأتي وقد لا يأتي. الأمر الأساسي هو الأمانة اليومية: “إِجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ البَابِ الضَّيِّق” ( لوقا 13: 23).

عظات متنوعة