إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

هوس “البث المباشر”

2٬332

كلاكيت ثاني مرة، لمقالة سابقة ولكنها حاضرة تكشف الخلل الروحي الذي نعاني منه في السنوات الأخيرة.

لاحظ علماء النفس مع استخدام الإنسان لوسائل التواصل الاجتماعي بكثرة عارضًا مرضيًا يطلق عليه “Fear of missing out ويعنى الخوف من أن ينساني الناس، فلا بد من أن أكتب شيئًا أو أُحمل صورة أو أنقل “بوست” لأجل أن أثبت حضوري عند أصدقائي فلا أتعرض إلى ألم الشعور بأنه قد أصبحت “منسيًا”، لا يتذكرني أحد، بل على العكس فأنا موجود ولدي الكثير من “المتابعين”.. فهناك الكثيرن الذين يتابعونني ويتابعون أخباري، بل يعبر البعض عن أعجابهم بصورتي، بكلامي، بآرائي.. فأشعر بالارتياح فـ “أنا موجود”، “لم ينساني أحد”. المشكلة تتجذّر في النفس وتتحول إلى إدمان، فأنا في حاجة نفسية للتواجد والشعور بأني موجود ومؤثر في الآخرين وأن الأضواء مازالت مُسلطة عليَّ. المشكلة الأكبر هي الاعتقاد بأن حدود العالم أجمع هي شاشة الموبايلات والأخبار الواردة والبوستات المُتناقلة بين الناس والبث المباشر للأحداث. العيش في عالم افتراضي لا وجود له في الواقع.

هناك أيضًا خللاً روحيًا خطيرًا للبث المباشر للأحداث والصلوات والعظات، متعلق بالوقوع في التجربة الثانية التي تعرض لها يسوع في البرية وتنّبه إلى حيلة إبليس فيها. تجربة “الإبهار” فأنا “مبهر جدًا” أمتلك قدرة على الاقناع وقادر على ابهار الناس بكلماتي وصوتي وتأملاتي.

جاء إبليس إلى يسوع وقال له: “إنْ كُنتَ اَبنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى الأسفَلِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: يُوصي ملائِكَتَهُ بكَ، فيَحمِلونَكَ على أيديهِم لئلاَّ تَصدِمَ رِجلُكَ بِحجرٍ” (متى 4: 6). كانت أورشليم مكتظة بالحجاج والزائرين فإذا هبط إنسان من أعلى جناح الهيكل أمام الناظرين وجاءت الملائكة لتحمله قبل أن يسقط مترضرضًا على الأرض في السنتيمترات الأخيرة. كيف سترى الناس الحدث الواقع أمام أعينهم؟ سيفكرون أنه شخص خارق، سوبرمان! رفض المسيح أن يأخذ بفكر الشيطان.

أنا “مبهر جدًا في أعين الآخرين”، هذا خلل روحي عميق للغاية وفكر غير سليم. العالم في حاجة إلى أيدى مرفوعة للصلاة عن الشعب في الخفاء “أمَّا أنتَ، فإذا صَلَّيتَ فاَدخُلْ غُرفَتَكَ وأغلِقْ بابَها وصَلٌ لأبيكَ الَّذي لا تَراهُ عَينٌ، وأبوكَ الَّذي يَرى في الخِفْيَةِ هوَ يُكافِئُكَ” (متى 6: 6). العالم ليس في حاجة إلى أشباع الرغبات النفسية الغير سوية عند البعض بأن “يراني الناس وأنا أصلي، وأنا أشفق على الفقراء وأساعد المحتاجين”.

إلى أخوتي رجال الإكليروس:

أسألكم الرفق بأنفسكم وبنّا.

أسألكم أن لا تتنافسوا في عدد الليكات على “بثكم المباشر”.

أسألكم أن تنتبهوا للأخطار الروحية والنفسية “للبث المباشر”.

أسألكم أن تصّلوا وتخدموا في الخفاء بعيدًا عن “هوس البث المباشر”.

قد يوجه لي البعض نقدًا باعتباري أملك موقعًا خاص بمقالاتي ومحاضراتي وتأملاتي اليومية! أو يؤاخذني البعض بأن الصفحات الرسمية للرهبنة تعكس تحركاتي باعتباري مسئولا خلال هذه الفترة. لعل البعض قد لاحظ أن عددًا كبيرًا من مقالاتي هي تحذيرًا أيضًا لذاتي، لذا لا أستثني نفسي، بالرغم من محاولاتي للبعد عن الأضواء.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.