لا تزني (5): كرامة المرأة
مقدمة:
هناك نظرة خاطئة للمرأة وتشوه مرعب يؤدي إلى نتائج كارثية بسبب غياب النظرة الإلهية للمرأة. وضع إبليس عداوة خاصة مع المرأة: “بينكِ وبَينَ المرأةِ أُقيم عداوةً وبَينَ نسلِكِ ونسلِها” (تكوين 3: 15). إبليس كائن ذكي عَرف أنه إذا نجح في أن يضرب المرأة فهو يضربَ المجتمع كله. والغريب إنه ربما الكنيسة لا تنتبه إلى هذه الحرب الروحية الخاصة الموجهة إلى المرأة ولا إلى الخطة التي يتبعها إبليس الذي لا يجد من يقاومه.
عندما ندافع عن حقوق المرأة نفعل ذلك بدافع من قيم المجتمع المتحضرة وليس كحماية من خطة إبليس. ننطلق من الخوف من وصفنا بالرجعية وليس من أجل مواجهة الشر الذي يسحق العائلة والمجتمع. عقولنا تشوهت وأُخترقت بأفكار رديئة عن المرأة. وأول المستفيدين من عودة المرأة إلى مكانتها الطبيعية هو الرجل.
الأفكار المغلوطة عن المرأة
ماذا فعلت الثقافة الشائعة في كل العالم هناك شر موجه ضد المرأة، وهناك نوعًا من العنف والقهر ضد المرأة، ولكن يقاس تحضر الشعوب بالقدر الذي تكون فيه النظرة إلى المرأة بكرامة. هناك ثلاث أمور في هذا الصدد:
الفكرة الأولى: جنس الرجال متوفق على النساء
هذه أكذوبة بشعة ساقتها لنا الفلكور أو كتب الأدب أو حتى تعاليم دينية. في أول صفحة في الكتاب تهدم هذه الأكذوبة. عَبر البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته “كرامة المرأة” عن تعاليم الكتاب بقوله:
“خَلَقَ اللهُ الإِنسانَ على صُورَتِه على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم”. (تكوين 1 : 27). إن هذه الفقرة المقتضبة من الكتاب، تتضمّن الحقائق الأساسية لعلم أصول الجنس البشري. فالإنسان هو في قمة نظام الخلق كلّه، في العالم المنظور. والجنس البشري، الذي يبدأ في اللحظة التي دُعيَ فيها الرجل والمرأة إلى الوجود، يتوِّج عمل الخلق كلَّه. فكلاهما كائنان بشريّان، رجلٌ وامرأة متساويان، وكلاهما مخلوقان على صورة الله. وهذه الصورة – أي الشبه بالله – التي هي أساسيّة في تكوين الكائن البشري، تنتقل بواسطة الرجل والمرأة، كزوجين وأبوين، إلى ذرّيتهما: “اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها “. (تكوين 1 : 28). لقد وَكَلَ الخالق أمر التسلُّط على الأرض إلى الجنس البشري، أي إلى الأشخاص جميعاً، إلى جميع الرجال والنساء، الذين يستمدّون كرامتهم ودعوتهم من أصلهم المشترك. فالإنسان هو شخص، وهذا ينطبق بالتساوي على الرجل والمرأة، لأنّ كليهما خُلقا على صورة الله الشخصيّ ومثاله ووجه الشبه بين الإنسان والله، هو أن الإنسان، كما الله، كائن عاقل، وهذا ما يميّزه عن عالم الخلائق الحيّة كلّه، بما فيها الكائنات ذات الحواسّ (23) (الحيوانات). وبفضل هذه الميزة يستطيع الرجل والمرأة أن “يُخضعا” سائر مخلوقات العالم المنظور (تكوين 1 : 28)”.
لا تكمن قيمة المرأة في جسدها أو أنوثتها، بل لأنها مخلوقة على صورة الله ومثاله. يُظهر الوحي الإلهي قيمة كل من الرجل والمرأة في كونهما كائنان مخلوقان على صورة الله. بالطبع لا يمكن تجاهل الاختلافات الكبيرة وعدم التشابه بينهما لأنها ابداع الخالق الذي جعل لكلٍ منهما دورًا مختلف عن الآخر، لكنه يُكمل الآخر. فالدور المختلف يستلزم امكانيات مختلفة. في دراسة حديثة، جوردن بترسون، استاذ في جامعة ترنتو، يقول: “الدعوة النسائية بالتساوي بين الجنسين هي دعوة كاذبة لأننا نحن مختلفون فعلا، لكننا متساويين تماما، والرجاء عدم الاختلاف بالقيمة، فلا يزيد الرجل في قيمته ذرة واحدة على المرأة”. هناك دراسة في ألمانيا وجدوا أن من بين أمهر 20 مهندسًا توجد مهندسة واحدة، وبين أمهر 20 ممرضة يوجد ممرض رجل واحد. فالعبرة ليس في التساوي ولكن الله خلق كل نوع بإمكانيات محددة مختلفة عن الأخر لكي يكمل كل منهما الآخر للخير العام للبشرية.
أما الرواية الثانية لنشأة الإنسان (تكوين 2: 18- 25) فهي تشرح بوصفي مجازي، أقرب إلى لغةالأساطير، المعروفة في ذلك الزمان، إن المرأة هي “أنا” آخر في إطار طبيعتها البشرية المشترك. إنهما يبدوان منذ البدء “كواحدٍ في اثنين”. نفهم خطأ إن المرأة خلقت لتكون “معينة” تنحصر مهمّتُها في مساعدة الرجل على العمل وعلى “إخضاع الأرض”؟ (تكوين 1 : 28). كلاَّ! فإنّه ممّا لا شكّ فيه أن هذه المعينة هي شريكة حياة، يمكن للرجل أن يتّحد بها كزوجة له وأن يصير معها “جسداً واحداً”، تاركاً لهذه الغاية “أباه وأمّه”. (تكوين 1 : 24). فالنصّ الكتابي يتحدّث إذن عن إنشاء الله للزواج، في إطار خلقه للرجل والمرأة، وكأنه شرط، لا غنىً عنه، لنقل الحياة إلى الأجيال البشرية القادمة، مع العلم بأن الطبيعة قد ربطت الزواج والحبّ الزوجي بنقل هذه الحياة: “اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها” (تكوين 1 : 28).
كرامة المرأة الإلهية
أظهر الوحي الإلهي كرامة المرأة في مواضع كثيرة في الكتاب، ليس المجال هنا لسردها الواحدة تلو الأخرى، لكن سأكتفي بمثلا واحد لأهميته: في سفر التكوين 17 يظهر الرب بعد 13 سنة من وعده لأبرام ويقول له:
“«أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَكَ كَثِيراً جِدّاً»… 15وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. 16وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ».
هناك عدة دروس في النص:
1. الدرس الأول: المرأة مباركة ولها الكرامة الكاملة في حد ذاتها. هكذا يقول الوحي الإلهي: “أُبَارِكُهَا”. ثم يذكر الوحي كلمة “أيضًا” التي تعنى إن هناك بركة أخرى إضافية وهي إنه سيعطي لها نسلاً. إن الله يعطى وعدًا لسارة مماثل لوعده لآبرام. لدى الله خطة لسارة كما هي خطة لأبرام. سيعتمد على المرأة في أن يؤسس لمشروعه العظيم.
2. الدرس الثاني: لا لسيطرة الرجل على المرأة: غير الله اسم “ساراي” ليصبح “سارة”، بنفس الطريقة التي غير بها اسم “أبرام” إلى “إبراهيم” موجهًا ضربة ثقافية هائلة إلى عقلية الإنسان التي جرها إبليس إلى خطة مغايرة لخطة الله. عليك إيها الإنسان أن تنزع “ياء” الملكية، فالمرأة ليس شيء يُقتنى أو يُشترى. المرأة ليست مِلكًا لأحد، هي مساوية في الكرامة. كما غير الله اسم “أبرام” التي تعنى “أب عالي” إلى “أبراهيم” التي تعنى “أب لجمهور كثير”، كذلك يغير اسم “ساراي” التي تعني “أميرتي” إلى “سارة” التي تعني “أميرة شعوب كثيرة”.
3. الدرس الثالث: ربط الله اسم المرأة باسمه: وهناك رأى أخر يأتي من Terragramato، أي لفظ الجلالة عند اليهود “يهوه” (ي- ه- و- ه) فاليهود كانوا يخافون من لفظ اسم الله دون تطهير، لذا كانوا يشيرون إليه بالكلمة ذات الحروف الأربعة، التي تشير إليها كلمة يهوه. وأهم حرف في الكلمة هو حرف “الهاء” فأضافه إلى كل من اسمى أبرام وساره. وكأنه يقول سأربط اسمك بإسمي واسم سارة وهذا هو الهوية الجديدة التي يعطيها لهما. كما فعل مع بطرس في العهد الجديد فسماه “بتروس” الصخرة التي هي المسيح ذاته “بترا”.
في الرسالة إلى غلاطية يقارن بولس الرسول بين النظام الديني الوارث للعبودية وبين نظام النعمة، أورشليم العليا وجعل سارة رمزًا لأورشليم العليا. لم يقل إبراهيم، بل سارة. للمرأة كرامة مماثلة للرجل ومتساوية معه، ولا يوجد في الوحي الإلهي ما يجعلنا نميز أحدهما على الآخر.
يوصى بطرس الرجال قائلا: “أَيُّهَا الرِّجَالُ كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً كَالْوَارِثَاتِ أَيْضاً مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ” (1 بطرس 3: 7). فالرجل 48% من وزنه عضلات (في الصورة المثالية) في حين أن عضلات المرأة تشكل فقط 27% فقدرتها العضلية أقل. لذا يقول بطرس هي أضعف عضليا، عوض ضعفها العضلي بأن تعطيها كرامة. شيم الرجال أن تعوض ضعف المرأة الجسدي بأن تعطيها كرامة. أما إذا مدد الرجل يده على المرأة مستغل قدرته العضلية في أن تهين كائن أضعف، وتكسر وصية كتابية أن الرجل الشريف عندما يرى ضعف المرأة في الجسد، يعطيها كرامة: “مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً كَالْوَارِثَاتِ أَيْضاً مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ”.
الفكرة الثانية: تشيئ المرأة واختزالها في جسدها فقط
إن قيمة الإنسان أمام الله وأمام نفسه ليس في جسده. فالجسد مُكرم من الله، وعلى الإنسان أن يعتني به ولكن لا يمكن اختزال جوهر الإنسان فقط في الجسد. لا تجد رجل يجلس في حضرة امرأة يشعر إنه في حضرة جوهر إنساني مخلوق على صورة الله يسكن في هذا الجسد لكن كل ما يسيطر عليه إنه يجلس في حضرة أنثى، وبالتالي لا يرى نفسه إلا ذكرًا.
اختزال الرجل في كونه ذكر، واختزال المرأة في كونها انثي جسد يُشتهى ورحم ينجب يعنى تقليل من جوهر الإنسان، صورة الله وأيقونة حضوره في الأرض. هذا ليس حكر على الثقافة العربية، بالرغم من تفوقها في هذا المجال، بل يتمد إلى الثقافة الغربية، فعندما ترغب شركة في ترويج سلعة، فإن تستخدم إعلانًا يركز على جسد المرأة. وكلا العقلين الذين غطوا المرأة باسم الدين أو عروها باسم الموضة فقد شيئوا المرأة، والكارثة هي أن النساء صدقت هذه الأكذوبة، وأصبحت عقلها يدور إلى حد الوسواس حول الحجاب أو الموضة فإذا ضاعت ملاحم الجمال يكتئبن. هذا لا يعنى عدم الاهتمام بالجسد، فالعناية به وجعله مشرقُا راقيًا جميلاً أمرًا رائعًا، ولكن هذا يختلف في أن أختزل المرأة فقط في مجرد جسد. وتستمد قيمتها من شكلها وجسدها. جعلوا المرأة نهبًا للعيون، وتقاس قيمتها بمدى جمالها وكأنها سلعة تُباع في الأسواق. لنميز بين الأنثى والمرأة فلا ترى المرأة مجرد فقط جسد يُشتهى.
نظرة الوحي الإلهي للمرأة
إذا عدنا إلى نص سفر التكوين نستطيع أن ندرك السر الكامن في عبارة “يصيران جسدًا واحدًا”. لقد أعلن الله عن ذاته في، عبر يسوع المسيح، هو وحدة في ثالوث، أي وحدة في الشركة. وهذا يسلّط ضوءاً جديداً على مضمون صورة الله ومثاله، المتجليين في الإنسان، والوارد ذكرهما في سفر التكوين. فكوْنُ الإنسان المخلوق رجلاً وامرأة، على صورة الله، لا يعني فقط أن كلاً منهما بمفرده شبيه بالله، كخليقةٍ عاقلةٍ وحرة، بل إنه يعني أيضاً أن الرجل والمرأة، المخلوقين كوحدةٍ تؤلّف بين اثنين، في إطار طبيعتهما البشرية المشتركة، مدعوّان لأن يعيشا في شركة محبّة، وأن يعكسا هكذا في العالم شركة المحبة القائمة في الله، والتي بموجبها يتبادل الأقانيم الثلاثة الحبّ في سرّ الحياة الإلهية الواحد. فالآب والابن والروح القدس، وهم الإله الواحد في وحدة اللاهوت، هم أيضاً أقانيم ثلاثة بفعل العلاقات الإلهية القائمة بينهم، والتي لا يُسبر غورها. وفي هذا الإطار وحده، يمكننا أن ندرك حقيقة كون الله محبةً في ذاته. (رسالة يوحنا الأولى 4 : 16).
إن “وحدة الاثنين” هذه، التي هي علامة الشركة بين الأشخاص، تُظهر أن الله، حين خلق الإنسان، أراده مشابهاً له في شركته الإلهية. وهذا التشابه اندرج كصفة ملازمة لشخصية الرجل والمرأة، وفي ذات الوقت كدعوةٍ إلى الوحدة وواجب. إن الرجل والمرأة مدعوان منذ البدء، في إطار “وحدة الاثنين” ليس فقط ليعيشا “الواحد إلى جانب الآخر” أو ليعيشا معاً، بل ليعيش كلُ منهما للآخر”. في الوثيقة الراعوية “فرح ورجاء”، جاء ما يلي: “عندما يطلب الرب يسوع إلى الآب أن يكون الجميع واحداً… (يوحنا 17 : 21، 22) يفتح لنا آفاقاً يتعذر على العقل إدراكها، ويوحي إلينا بأن هناك نوعاً من التشابه بين اتحاد الأقانيم الإلهية واتحاد أبناء الله في الحق والحب. وهذا التشابه يُظهر بوضوح أن الإنسان، وهو الخليقة الوحيدة على الأرض التي أرادها الله لذاتها، لا يمكنه أن يحقق ذاته تماماً ما لم يهب نفسه مجاناً لغيره” (فرح ورجاء: 26).
وكما يُشابه الإنسان الله ويُعد صورة له، كذلك الله أيضًا يظهر في الكتاب المقدس شبيهًا بالإنسان إلى حدٍ ما. فيصف الكتاب الله ببعض الصفات الخاصة بالذكور والإناث على حد سواء. لنذكر هنا بعض فقرات من سفر أشعيا النبي تندرج في هذا الإطار: “قالت صهيون: قد خذلني الرب ونسيني السيد. أتنسى المرأة مُرضعها، فلا ترحم ابن بطنها؟ لكن لو أن هؤلاء نسين، لا أنساك أنا”. (أشعيا 49 : 14، 15). وفي مكان آخر: “كما تُعزيه أمه، كذلك أُعزيكم أنا، وفي أورشليم تُعزون”. (أشعيا 66: 13). وهناك فقراتٌ تقارن بين حبّ الله الساهر على شعبه وحبّ الأم لولدها: “فالآن أصيح كالتي تلد، وأنفخ وأزفر… اسمعوا لي يا آل يعقوب ويا بقيّة آل إسرائيل… أنا صنعتكم فأنا أحملكم”. (أشعيا 42 : 14 و 46 : 3 ، 4). وهناك آياتٌ كثيرة تشبّه حبّ الله بحبّ الرجل، زوجاً كان أو أباً (هوشع 11 : 1 ـ 4 وإرميا 3 : 4 : 19) وكذلك بحب المرأة كأم.
يدلُ كلٍ هذا على كرامة الرجل والمرأة على حد سواء، فليس المرأة جسد فقط يُشتهى ورحم ينجب، هي إنسانة لها كل الكرامة المستمدة من إنها مخلوقة على صورة الله ومثاله، إلى الدرجة التي يُشابه فيها الله المرأة في محبته وحنانه تجاه البشر، ويُشابه الرجل في أبوته ورعايته لأبناؤه.
الفكرة الثالثة: العنف ضد المرأة
يظهر العنف في صورٍ كثيرة، فخارج البيت تعاني المرأة من التحرش، من أناس لم يرقوا لمستوى الحيوانات، وأصبحت مصر من أعلى بلاد العالم في التحرش. هناك معاناة للمصريات يومية عند الخروج من البيت لكم التحرش الذي يتعرضن له. لا تستطيع أن تسير وحدها دون أن تتعرض للعنف الجنسي واللفظي من كائتنات جنسية تحركها غرائزها.
لكن العنف الجنسي يمتد إلى المنازل، فكثير من الفتيات والنساء يتعرضن إلى عنف جنسي داخل العائلة، وهي أحقر أنواع العنف الجنسي. عندما لا يرى الرجل في امرأته إلا جسد يُشبع من خلاله غرائزه، وتستخدم كلمة “حقي الشرعي”، غير واضع في الاعتبار أي نوع من المعاناة النفسية أو الجسدية، لا يضع في اعتباره كل ما وجهته في يومها وعملها ومع أولادها، كل ما يهمه أن يعود إلى بيته ليجدها جاهزة لاشباع رغبته، لا يفكر في إنها ترغب في العلاقة من عدمه. هذه عملية اغتصاب وليس علاقة شريفة كريمة كرمها الله.
أشرف الله بقداسته على أول علاقة جنسية في التاريخ (آدم وحواء قبل السقوط)، وكان هذا فكر الله وهذه العلاقة لا تكون إلا في الأقداس، حيث يوجد الله توجد الأقداس، وبارك الله العلاقة المقدسة. في تكوين 2 هذه تدعى امراة لأنها من أمرئي (ايشا من ايش لأنه راى إنها أُخذت منه) وبعد أن كتب هذه القصيدة يقول الوحي: “لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمراته فيكونان جسدًا واحدًا (العلاقة الجنسية التي توحد الرجل والمرأة، يوحد نفسين ليصيرًا بشرًا واحد”. الرب يسوع المسيح وقال الله “ويكون كلاهما جسدًا واحدًا”. الاغتصاب اثم، أن لا تكون هذه العلاقة في الأقداس عليها ان تستمر في الأقداس.
يفسر البعض خطأ كلام الوحي الإلهي بعد سقوط الإنسان: “وإِلى رَجُلِكِ تنقاد أَشواقُكِ وهُوَ يَسودُ علَيكِ” (تكوين 3: 17)، إن هذا التسلط يعني الإخلال بالمساواة الأساسية التي يتمتع بها الرجل والمرأة في “وحدة الاثنين”. إن تصريح سفر التكوين يتعلق بنتائج الخطيئة التي أدت إلى وجود واقع أليم توارثته البشرية. التصريح خاص بالشهوة الناشئة في نطاق الحب الزوجي، بحيث أن “هبة الذات المجانية” من قبل المرأة تنتظر بالمقابل أن تكتمل بهبةٍ ممائلةٍ من قبل الزوج. ولا يستطيع الزوجان، ولا سيما المرأة، أن يتواجدا في “وحدة الاثنين” الحقيقية، التي تقتضيها الكرامة الشخصية، إلا استناداً إلى هذا المبدأ (كرامة المرأة: 10).
إن ثروات الأنوثة الشخصية لا تقلُّ عن ثروات الذكور، لكنها تختلف عنها فقط. وعلى المرأة أن تُقوِّم شخصيتها وكرامتها ودعوتها من خلال هذه الثروات المميّزة لأنوثتها، والتي حصلت عليها يوم خُلقَت، ولا تزال النساء يتوارثنها، باعتبارها الصيغة الخاصّة التي تتحقّق عبرها، في المرأة، صورة الله ومثاله.
ومن هنا يجب أن ننطلق لنتخطى كذلك الواقع الذي خلّفته لنا الخطيئة والذي تُعلنه كلمات التوراة: “إلى بَعْلِكِ تنقاد أشواقك، وهو يسود عليكِ”. وعلى كل كائنٍ بشريّ، رجلاً كان أو امرأةً، أن يتجاوز، على مرّ الأجيال، هذا الواقع الأليم الموروث. وكلّما أقدم الرجل على عمل يُسيء إلى كرامة المرأة الشخصية وإلى دعوتها، فإنّه يُسيء إلى كرامته الذاتية وإلى دعوته.
في المسيح يَبْطُلُ أساساً التعارض بين الرجل والمرأة، الذي ورثناه عن الخطيئة الأصلية، على حدّ قول الرسول: “إنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع” (غلاطية 3 : 28).
هذه الصور الثلاثة للعنف ضد المرأة تؤدى إلى تحطيم الأطفال وخلق نفسيات مشوهة، يؤدى إلى احتقار البنات لاجسادهن واحتقار الأولاد لاجساد البنات، يؤدى إلى تعطيل كامل للماكينة القادرة على انتاج عائلة سوية. الرجل يعمل ليدعم عائلته ويحمي عائلته، أن يرى ما هو الخير لأسرته ويفعله ويقدم مصادر لكي تعيش الأسرة. المرأة القاطرة التي تقود العائلة إلى الأمام، هي التي تجعل زوجها ناجحًا وبيتها ناجح، تفعل خيرًا لزوجها، هي المسئولة تماما على البيت، تعطي سنن لبيتها وتضع قواعد لمن يعملون في البيت. عندما تتعطل هذه الماكنية أي شكل من الأشكال نتوقعه للعائلة. الكنيسة تحتاج بشدة أن تخدم المرأة بهذه الصورة المثالية.
يسوع المسيح والمرأة
إنه لمن المسلّم به، أنّ السيد المسيح نصَّب نفسه أمام مُعاصريه، مدافعاً عن كرامة المرأة الحقيقيّة وعن دعوتها التي تستدعيها هذه الكرامة. وكان هذا أحياناً مثيراً للاستغراب والدهشة، وكثيراً ما كان يثير الشكوك: “فعجبوا إذ رأوه يحادث امرأة” (يوحنا 4 : 27). حتىى تلاميذه أنفسهم كانوا يعجبون من مسلكه مع المرأة بسبب ثقافتهم الدينية. حين دخلت المرأة الخاطئة إلى بيت الفرّيسي، لتسكب الطيوب على قدمي يسوع، قال الفرّيسيُّ في نفسه: “لو كان هذا الرجل نبياً، لعلم من هي المرأة التي تلمُسه وما حالها: إنها خاطئة”. (لوقا 7 : 39).
إنّ مبدأ هذه المساواه منذ “البدء” في واقع الخلق، أكده السيد المسيح، في مواجهة التقليد الذي يميّز بين المرأة والرجل. لقد كان الرجل هو المتسلط، بموجب هذا التقليد، دون أن يأخذ بعين الاعتبار، وبما فيه الكفاية، المرأة، وكرامتها التي بها خلقها الله في أساس العلاقات المتبادلة بين الشخصيّن، الذين يجمع بينهما رباط الزوجيّة. وهذا ما أكده المسيح في مجمل تصرفاته مع النساء.
سؤال للنساء: كيف ترين نفسك؟ وللرجال: كيف ترى المرأة؟
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.