فضيحة بجلاجل

في الموروث الشعبي العربي عمومًا شيء قبيح للغاية يسمى “الجرسة”، بأن يؤتى بالشخص المرتكب لواقعة معينة وتعلق في رقبته بعض الأجراس أو في الدابة التي يركب عليها حتى تصدر رنينًا يلفت انتباه المارة وأهل البيوت وسكانها، فينظرون إلى الجاني حال مروره لكي يعرف الجميع جريمته. فضيحة بجرسة، أو فلان أصبح جرسة أي شهر به، كما كان يقال أحيانًا “فضيحة بجلاجل”، و”الجلاجل” أيضًا عبارة عن كرات من الحديد صغيرة الحجم توضع في داخلها كرات أصغر منها، وتشد إلى بعضها بطريقة متسلسلة، وتعلق الكرات في عنق الدابة، ومع حركتها تصدر صوتًا ورنينًا لافتًا. وأحيانًا كثيرة كان هناك منادي يسير بجوار الدابة لكي يعلن نوع الجرم الذي ارتكبه الشخص.

امرأة دفعتها الظروف إلى بيع جسدها، في مجتمع غابت عنه الرحمة والعدل. ضُبطت المسكينة يومًا فدفعوها من شارع لشارع في المدينة حتى يصلوا إلى مكان مناسب ليرجموها فيه، كما تقضي الشريعة. تم تجريسها ومن كان لا يعرفها أصبح يعرفها، ويعرف ماذا كانت تعمل. التقي الموكب بالرب يسوع فسالوه: «يا مُعَلِّم، إِنَّ هذِه المَرأَةَ أُخِذَت في الزِّنى المَشْهود. 5وقد أَوصانا مُوسى في الشَّريعةِ بِرَجْمِ أَمثالِها، فأَنتَ ماذا تقول؟» (يوحنا 8: 4- 5). رفض المسيح أن يحكم عليها وقال: «مَن كانَ مِنكُم بلا خَطيئة، فلْيَكُنْ أَوَّلَ مَن يَرميها بِحَجَر!» خطيئة المسكينة أصبحت “جرسة”، “فضيحة بجلاجل” اعلنوها واذاعوها لكل البلدة. قتلوا المسكينة نفسيًا في حين خطاياهم مستترة، غير ظاهرة، فهم في أمان. انصرفوا واحد بعد واحد لأنهم أدركوا إنهم أيضًا خطئوا: ” فإنّه ليس بارٌّ، ولا واحد… لأنَّ الْجَمِيعُ قد خَطِئوا وَينقُصُهُم مَجْدُ اللهِ” (رومية 3: 10، 23).

نقتل الآخرين عندما نقوم بتجريسهم على خطأ ارتكبوه، ونسعى بكل قوة أن نخفي أخطائنا وشرورنا التي نرتكبها. انظروا ماذا فعل المسيح. لم يحكم عليها، قال لها: «وأَنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئة». لم يحكم عليها بل طلب منها أن لا تعود إلى الخطيئة. هل لنا أن نتخيل موقف المسكينة، لأول مرة ترى رجل لا ينظر إلى بشهوة، لا يحكم عليها بأنها ساقطة، نظر إليها فقط كإنسانة تستحق الكرامة.

ماذا تصنع المرأة؟ بعد يومين عرفت إنه سيأتي بيت سمعان الفريسي المتطرف. لم تخاف ماذا سيقول الناس عنها؟ هل يمسكون بها من جديد ويرجمونها؟ قررت أن تحوّل الطقوس الخاصّة باستقبال الضيف إلى طقوس توبة علنية؛ فعوض الماء الذي يسكبه الخادم على رجلّي الضّيف، تسكب دموعَ التوبة على رجلّي يسوع وتغسلهما، وعوض المنشفة تستعمل شعرها، وعوضَ كلمات الترحيب، تستجدي الغفران. وتكفيراً عن خطاياها، تدهن رِجلَي يسوع بالطيب الغالي الثمن(يوحنا 12: 3) الذي ابتاعته بمال خطاياها. كانت خطيئتها علنية لذا فكرت أن تكون توبتها أيَضا علنية. فكرت أن تمسح آثار الجرسة العلنية بتوبة علنية.

الكاتبة الإنجليزية دورثي سايرز لها تعليق رائع: “لم أرى شخصًا في رقي يسوع، لم يخاطب قط أنوثة النساء، لم يمدحهن أبدًا ولم يحط منهن، تعامل معهن كإنسانة تستحق الكرامة”. تركها يسوع تعبر عن توبتها العلنية كما شاءت. لم ينظر إليها إلا عندما خاطب سمعان وكشف له عن مكنون قلبه بأنه يشك في إنه نبي لأنه لم يعرف حقيقة المرأة التي غسلت قدميه، إنها خاطئة.

هكذا يُعلم بولس: “وأمَّا نَحنُ، فلَنا فِكرُ المَسيحِ” (ا كورنثوس 2: 16)، فكر المسيح أي منهجية التفكير، الطريقة التي بها يفكر ويحلل الأمور وينظر إلى الناس. لماذا نلجأ إلى تجريس الناس وفضح أخطائهم؟ لماذا ننظر للناس وفقًا للمظهر الخارجي، فتتعرض بناتنا ونساءنا إلى أبشع صور التحرش اللفظي والبدني؟ لماذا لا ننظر إلى الناس بكرامة لأنهم مخلوقين على صورة الله ومثاله؟ هل يمكن لنا أن نفكر كالمسيح؟

عظات متنوعة