إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

روعة الحياة- عيد الميلاد 2023

0 514

تتميز صلواتنا في الأعياد المسيحية الكبرى، كعيد الميلاد المجيد، عيد القيامة، عيد الغطاس، بأنها مسائية، تصلى دائمًا ليلاً!

لماذا في الوقت الذي يستريح الناس عادة ويتهيئوا للنوم نسهر نحن في كنائسنا للاحتفال بهذه الأعياد الكبرى. لماذا نحب نحن المسيحيين ساعات الليل ونفضلها في احتفالتنا الطقسية؟ هل بالليل نكون أكثر تركيزًا وأقل تشتتًا في صلواتنا! أعتقد إن اختيار الليل للصلاة في الأعياد الكبرى يعبر عن اليقظة والسهر في انتظار الخلاص، انتظار شخص نحبه ونشتاق أن نلتقي به فنبقي متيقظين مستعدين للقائه، كالعذارى الحكيمات، مستعدين للقاء العريس الإلهي، رب المجد. لذا تتكرر في المزامير كلمة سأستيقظ سحرًا، أي في تلك الفترة من آخر الليل وقُبَيل الصُّبح. “أَسْتَيْقِظُ سَحَرًا. أَحْمَدُكَ بَيْنَ الشُّعُوبِ يَا رَبُّ، أُرَنِّمُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ” (مز 57). لماذا اختيار هذا الوقت بالذات للصلاة؟

النور هو الحياة ويجعلنا نرى روعة الحياة

تأتي قراءات اليوم لتشرح لنا عن سبب أختيار وقت المساء للاحتفال بالأعياد الكبرى. لدينا رغبة قوية في النور، ندخل تقريبًا في معركة مع الظلام لأننا نعرف إنه بدون النور ليس هناك حياة. إذا غاب النور تغيب الحياة. ومن المعروف أن سبب انقراض الديناصورات هو أن كويكبا ضخماً قد اصطدم بالأرض وتسبب بإطلاق سحب من الغبار والحطام إلى الغلاف الجوي مما حجب ضوء الشمس وغير المناخ فانقرضت أغلب المخلوقات. النور هو الحياة بالنسبة لنا، فالأرض كانت خاوية خربة، وعلى وجه الغمر ظلام وروح الرب يرف على وجه المياه. . قال الله “ليكن نورٌ، فكان نور وفصل الله بين النور والظلام، وسمى الله النور نهاراً، والظلام سماه ليلاً”. قبل كل شيء هناك النور، حيث هناك نور، تزهر الحياة، ويتحول الخراب إلى كون بديع، رائع الجمال.

ليس النور هو الحياة فقط، بل هو أيضا الذي يعطي روعة للحياة التي نعيشها. هناك حقيقة صادمة إننا جميعًا عميان دون النور.  عيوننا لا ترى، لكن النور (الضوء) عندما يسقط على الأشياء نراها، نحن مخلوقات محاطة دائمًا بالظلمة. عندما يشرق النور تُزال الغشاوة عن عيوننا فنرى الأشياء. عندما يسقط الضوء على الأشياء يجعلنا نرى روعة الحياة وجمالها.

يشبه القديس بطرس في رسالته الأولى مجئ المخلص بشروق شمس لن تغرب أبدًا، بكوكب الصبح المنير: حسنًا إذا تنبهتم إلى الكلمة النبوية التي قالها الأنبياء “كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ” مصباح صغير قادر أن يبدد ظلمة الليل، لكن سنظل محاطين بالظلام، عدا المسافة القريبة التي يُنيرها المصباح. هنا يقول بطرس: “إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ”. العالم كان يستظل بنور مصباح صغير، يرى فقط بعض أمتار حوله في انتظار أن يأتي كوكب الصبح المنير.

اليوم هو ميلاد كوكب الصبح المنير، النور الحقيقي الآتي إلى العالم، كما أعلنه هو نفسه “أنا نور العالم”. هكذا يذكر الوحي على لسان أشعيا: “اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ” (أشعيا 9: 1). لنسأل أنفسنا: لماذا نغلق عيوننا فلا نرغب في أن نرى الأشياء من حولنا؟ لماذا نختار أن نكون فاقدي البصر ولا نرغب في النور.

منذ أيام عصف بي فيديو قصير عن امراة في الثلاثينات أختارت أن تكون عمياء! أجرت عملية لأنها معتقدة إنها كانت يجب أن تولد عمياء. كان اللقاء مع دكتورة عيون التي اندهشت بشدة من تصرف المرأة وبكت عندما تذكرت مرضاها الذي يحاول الحفاظ على بصيص الضوء لاستكمال الحياة. لماذا نرفض النور ونغلق عيوننا؟

علامة الميلاد

أخبر الملاك الرعاة بأنه اليوم ولد لكم في مدينة داود مخلص، هو المسيح الرب، واعطاهم علامة تجدون طفلا مقمطًا مضجعًا في مذود. لا شيء مميز ولا شيء عادي. طفل مثل ملايين الأطفال، في حاجة إلى شديدة للرعاية. عندما تنبأ أشعيا عن ميلاد المسيح قال: ” إن الله قد قصر كلمته “اختصرها”  (أش 10: 23؛ رو 9: 28). علامة الله هي أنه أصبح صغيرًا من أجلنا. أصبح عاجزًا وبحاجة إلى مساعدتنا. هل ممكن أن نتخيل أن خالق الكون، الذي كّون به كل شيء، وبغيره لا يكون شيئًا مما كان يصبح صغيرًا، يحتاج إلى محبتنا ورعايتنا كبشر. عندما تراءى ابن الإنسان ليوحنا في بداية سفر الرؤيا يقول عنه: “رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ. 15وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ” (رؤ 1: 14؛ 17). لكنه ظهر لنا بطريقة لا تخيف، في صورة طفل صغير، ويطلب منا أن نقبله فقط. لا يريد منا شيئًا آخر سوى محبتنا التي من خلالها نتعلم تلقائيًا الدخول في مشاعره، في فكره وفي إرادته. لقد جعل الله نفسه صغيرًا حتى يمكننا أن نفهمه، ونرحب به، ونحبه. لقد قصر الله كلمته واختصرها إلى هذه الدرجة. مثل كل طفل يولد ، سيعيش يسوع فقط إذا اعتنى به شخص ما ، وسيعيش فقط لأنه محبوب. يأتي الله ويصبح فورًا ، مع نفسه ، متسولًا للحب: يضع نفسه بين يديك ، ويعيش إذا كنت تحبه.

متى قبلته في قلبك، سينمو مثل كل طفل يوم بعد يوم داخلك ليغيرك من الداخل “إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ”. في أول صلاة للقديس فرنسيس أمام المصلوب صلي قائلا: “أنر ظلمات قلبي” أترك نورك يضيئ ويبدد شيئًا فشيئًا ظلمات القلب. أجعلني أفتح عيني للنور وفي النهاية وصل القديس فرنسيس لأن يتمثل بشخص يسوع المسيح في كل شيء، وعُدَّ مسيح آخر، حتى حصوله على جروحات الصليب.

لنقف اليوم أمام المغارة كما صورها القديس فرنسيس، خالية من كل الأشخاص، فقط المذود الذي احتفل عليه بالقداس الإلهي. فهم فرنسيس أن كلمة مذود تعني حرفيًّا “معلف”، في حين أن مدينة المذود، بيت لحم، تعني “بيت الخبز”. معلف وبيت الخبز. في توصياته يعلن فرنسيس: “فَها هُوَذا، يَتَواضَعُ كُلَّ يَوْمٍ، مِثْلَما فَعَلَ لَمَّا أَتى مِنَ العُروشِ المَلَكِيَّةِ، إلى حشا العذراء. إِنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ، يَأْتينا في مَظْهَرٍ وَضيعٍ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَنْحَدِرُمِنْ حِضْنِ الآبِ إِلى المَذبَحِ بَيْنَ يَدَي الكاهِن”.

لنقبل الطفل ونعتنى به لتنمو محبته في قلبي يومًا بعد يوم أن يشرق كوكب الصبح داخل قلبي ويراه الآخرين في أعمالي وكلماتي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد