يَعسُرُ على الغَنِيِّ أَن يَدخُلَ مَلكوتَ السَّمَوات
يأتي كلام يسوع اليوم بعد رواية الشاب الغني الذي عاد حزينًا بالرغم من إنه شاب تقي يتبع الوصايا منذ صغره. فيحتار التلاميذ ويندهشوا: كيف لشخص يتبع الوصايا، ويرغب بصدق في معرفة الله والحياة الأبدية لا يقدر أن يخلص.
يَعسُرُ على الغَنِيِّ أَن يَدخُلَ مَلكوتَ السَّمَوات: هل الغنى شر؟ لماذا يَصعب على الأغنياء أن يدخلوا الملكوت؟ هم بشر يستحقون ملكوت السموات كغيرهم. كيف نفهم كلمات يسوع الصعبة؟
في البداية حكي لي صديق منذ أيام عن رجل أعمال غنى يمتلك بعض العقارات في انحاء متفرقة من القاهرة الجديدة والتجمع والشيخ زايد وفيلا كبيرة بالساحل الشمالي. لديه عمارة قديمة بمنطقة شبرا مصر، متهالكة وآيلة للسقوط يرغب في إزالها وبناء مجمع سكني كبير. بجوار هذه العمارة هناك منزل من دور واحد قديم جدًا، لرجل وحيد فقير لا يملك إلا دكان بقالة متواضع للغاية. حاول إغراء الرجل بكل الوسائل للاستيلاء على منزله لأجل ضمه إلى المجمع السكني الذي يفكر في بناءه، لكن الرجل رفض لأنه ليس له مكان آخر. عاد يومًا حزينًا وحكي ما يعانيه لزوجته التي دبرت أوراق بيع مزورة لمنزل المسكين فحصلت عليه وطرد الرجل من منزله إلى الشارع.
هذه القصة التي أحكيها لحضراتكم التي وضعتها في الزمن الحاضر موجودة في سفر الملوك الأول. هي قصة الملك آحاب الملك الأغني بين ملوك أسرائيل، الذي بنى قصره من العاج (ملو 1: 22: 39). طمع الملك في كرم نابوت اليزرعيلي المجاور لقصره ودبرت زوجته، الملكة إيزابيل، تهمة التجديف لنابوت فتم رجمه. فأعلن إيليا النبي العقاب: “في المَكان الَّذي لَحِسَت فيه الكلابُ دَم نابوت، تَلحَسُ الكِلابُ دَمَكَ أنت ايضًا”.
هذه مشكلة الغني، المال ليس شرًا، المال خير في حد ذاته، لكن عندما أظلم الآخرين بسبب المال فإني خاضع لسيطرة إله المال. إذا كنت أحب عملي جدًا وأسعى لزيادة دخلي فأعمل طول اليوم إلى درجة أن أهمل أولادي، أو أسرتي في الحالة ده يسيطر عليّ إله المال. هل يكمن أن يتساوى زيادة رصيدي في البنك مثلا، أو اكتنازي للمال لأجل شراء سيارة جديدة أو منزل أوسع في مكان أرقى، مع قيمة الوقت الذي أقضيه مع أولادي أو مع الدفء العاطفي الذي يمكن أن أشعر به؟ جميعنا يعرف قصة الغني ولعازر، عندما شرح الرب يسوع المثل، لم يقل أبدًا إن المشكلة هي غنى الرجل، بل لأنه أهمل ولم ينتبه إلى احتياج لعازر. المشكلة إني أكون مهموم بزيادة دخلي ولا اهتم بالآخرين، ومن الممكن أن يكون الآخرين هم أقرب الناس إليّ، أهل بيتي!
منذ سنوات كنت بصدد تنظيم ندوة لأولياء الأمور عن الحوار مع الأبناء. فتم عمل استمارة استبيان طبقت على الصف الرابع الابتدائي لمعرفة المحاور التي يمكن أن تساعدنا في تنظيم فاعليات الندوة. تضمن الاستبيان مجموعة كبيرة من الأسئلة مثل: مَن الذي تشعر معه بالأمان؟ أو عند وجود مشكلة مَن الشخص الذي تتكلم معه؟ كانت المفاجأة في 10 تلاميذ من 100 قالوا: لا أحد. 10% من التلاميذ تعاني من اهمال الوالدين، بالرغم من إنهم في مدرسة بمصروفات مرتفعة من المؤكد إن الآباء قد تعبوا كثيرًا لأجل توفير تلك المصروفات لأبناءهم. المال هنا لن يعوض أبدًا كلمة: “لا أحد يهتم بي.. لا أحد يُشعرني بالأمان!”.
يقول القديس بولس إلى تلميذه تيموثاوس: “لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.” (1 تي 6: 10). ليس المال شر، ليس الغني شر، لكن محبته إلى درجة ظلم الآخرين، عندما يسيطر على الشخص فإنه يطعن نفسه أولا. فمحبة المال تجعل الإنسان يعاني من اختياراته في الحياة.
في سفر الرؤيا يقول الملاك إلى كنيسة اللاذقية: “(تقول) أنك غَنِيٌّ وقدِ اغتَنَيتُ فما أَحْتاجُ إِلى شَيء، المال يجعلنا نشعر إننا عندنا كل شيء ولا نحتاج إلى أي شيء آخر. “لأَنَّكَ لا تَعلَمُ أَنَّكَ شَقِيٌّ بائِسٌ فَقيرٌ أَعْمى عُرْيان”. هذه هي المشكلة في استخدام المال فيسيطر عليّ فلا أرى احتياج الآخر.
استخدام المال يمكن أن يبعد الإنسان عن الله، يجعله يشعر أن كل ممتلكاته هي ناتج لمجهوده وتعبه. تجعله ينسى أن الله هو معطي جميع الخيرات، ونحن فقط مؤتمين فقط على استخدام الخيرات، لأن المالك الوحيد للخيرات هو الله.
المال نعمة وخير وعلينا أن نُحْسن استخدامه ونوّازن بين عملنا وعائلتنا. التوازن مهم، عملي مهم وسعي للمال مهم وتوفير احتياجات اسرتي مهم. احرص أن لا تظلم أحدًا، خاصة أهل بيتك.