شجرة التِّين

مِنَ التِّينَةِ خُذُوا العِبْرة  (مت 21: 32)

إذا قلت لكم الآن، هل تتذكرون مثل الابن الضال؟ ستقولون لي نعم بالطبع نتذكره. هل تتذكرون حدث الصيد العجائبي؟ ستقولون لي نعم نعم نتذكره. هل تتذكرون زيارة المجوس إلى الطفل يسوع؟ نعم نعم الجميع يتذكره. جميعًا نعرف قصص الإنجيل ونحفظها على ظهر قلب. لكن ماذا أحد يسمع الإنجيل وتتحول حياته بالكامل، كالقديس فرنسيس الأسيزي مثلا؟ ولماذا لا نشعر نحن بأن هناك تغيير روحي بالرغم من المواظبة على حضور القداس إسبوعيا؟ بالرغم من سماع الإنجيل لسنوات طويلة في التعليم المسيحي، في القراءات الشخصية ولكن لم يحدث تغيير روحي ملحوظ!

لماذا تميز القديس أنطونيوس البدواني عن الجميع؟ السبب بسيط للغاية وهو إنه قرأ أحداث الإنجيل بصفة شخصية، شعر أن الإنجيل يتحدث إليه، لا يتحدث بشكل عام، بل يخاطبه بصيغة المخاطب. هذه هي نقطة التحول في حياة القديسين. لنسأل أنفسنا السؤال الأهم: هل نقف أمام الإنجيل كما وقف القديس أنطونيوس أو القديس فرنسيس، ونسمح لكلمة الله أن تخاطبنا بصيغة المخاطبة؟ عندما يقرأ الإنجيل فالرب يتحدث إليك: أنت بطرس عندما تقرأ قصة الخيانة، أنت المرأة نازفة الدم، أنت ذلك الشاب الغني، أنت ذلك الأعمى، أنت يسوع المصلوب على الصليب، أنت الذي تشعر بالوحدة، أنت.. أنت. الإنجيل يتحدث إليك، فهو قصتك الشخصية مع الله. وإذا كان يتحدث إليك، فأنت تعلم أنه إذا قال لك شيئًا، فعليّك أن تجيب!

اليوم يقول لك الكتاب: “مِنَ التِّينَةِ خُذُوا العِبْرة”. لماذا التينة بالذات؟ في الكتاب تمثل شجرة التين شعب الله الذي، استجابة لمحبته، يثمر ثمارًا وفيرة، هكذا يقول الكتاب: “ورَأَيتُ آباءَكم كالباكورَةِ في التِّين أَوَّلَ أَوانِها” (هو 9: 10). ويتسخدم سفر الملوك الأول صورة التينة المثمرة دلالة على إزدهار شعب الله: “وأَقامَ يَهوذا وإِسْرائيلُ في أَمان، كُلُّ واحِدٍ تَحتَ كَرمَتِه وتينَتِه، مِن دان إلى بِئرَ سَبعَ، كُلَّ أَيَّامِ سُلَيمان” (1ملو 5: 5).

كان «الجلوس تحت شجرة التين»، هو رمز للسلام المسيحي الذي ينبع من الإخلاص للعهد مع الله. وعندما يغيب السلام، يحل محله الخطيئة والحرب. ولهذا السبب، يُشار إلى عدم الإخلاص للعهد بصورة التين الجاف والعقيم. «لقد رفضوا كلمة الرب… لا عِنَبَ في الكَرمَةِ ولا تينَ في التِّينة والأوَرَاق قد ذَبلت» (راجع إرميا 8: 13).

نفس المفهوم في العهد الجديد، فالمسيح كان جائع يومًا: “فرأَى تِينةً عِندَ الطَّريق فذَهبَ إِلَيها، فلَم يَجِدْ علَيها غَيرَ الوَرَق. فقالَ لَها: «لا يَخرُجَنَّ مِنكِ ثَمرٌ لِلأَبد». فيَبِسَتِ التِّينَةُ مِن وَقْتِها” (مت 21: 19). لنترك كلمة الله تخاطب كل منّا في واقعه وحياته. لنضع أنفسنا مكان هذا الرمز الذي يصف شعب الله قديما: “أنت التينة”.

جاء يسوع الى الشجرة “لعله يجد فيها شيئا ” ( مرقس 11 : 13) ، بالنسبة لشجرة التين بالذت فالاوراق تأتي بعد الثمار. وفي اوائل الربيع قبل ظهور الاوراق كانت شجرة التين تنتج ثمارا خضراء طعمها مستساغ للفلاحين، فاذا لم يكن هناك تين اخضر علي الشجرة عندما يبدأ موسم الاوراق في الربيع فلن يكون هناك محصول في اواخر الصيف: “خُذوا مِنْ شجَرَةِ التِّينِ عِبرةً: إذا لانَت أغصانُها وأوْرَقَت، عَرَفتُم أنَّ الصَّيفَ قَريبٌ” (متى 24: 32).

فالشجرة المورقة كانت اعلانا صامتا بأن بها ثمارا، لآن الثمارفي شجرة التين كانت ، تظهر قبل الأوراق، لكن يسوع وهو يبحث عن ثمار التين الخضراء لم يجد سوى الأوراق. لماذا لعن يسوع إذن الشجرة؟

هكذا يصف مرقس الحدث: “ورأى عَنْ بُعدٍ شجَرَةَ تِـينٍ مُورِقَةً، فقَصَدها راجيًا أنْ يَجِدَ علَيها بَعضَ الثَّمَرِ. فلمَّا وصَلَ إليها، ما وجَدَ علَيها غَيرَ الوَرَقِ، لأنَّ وَقتَ التِـينِ ما حانَ بَعدُ” (مرقس 11: 13). هذا الوقت لم يكن وقت أثمار التين، ولكن أخراج الأوراق كان يعنى أن الشجرة مختلفة عن الأشجار الأخرى، الورق يعني أن الشجرة أخرجت ثمارها الطيبة الشهية. عوقبت الشجرة ليس لأنها بلا ثمر، بل لأنها أعلنت عن طريق أوراقها إن بها ثمر ناضج على غير الحقيقة.

العبرة من شجرة التين، هي مثال للإنسان الذي يتظاهر بأن حياته ممتلئة بالثمار، على غير الحقيقة. أنا شجرة التينة، رمز شعب الله في الكتاب: هل أتظاهر بمحبة الآخرين على خلاف الحقيقة التي بقلبي؟ هل أتظاهر بالصدق وأنا أعلم إني كاذب؟ هل أتظاهر بالفضيلة ولدي حياة سرية بخلاف ذلك؟ هل.. هل

قصة التينة وردت في إناجيل متى ومرقس ولوقا. إلا إن لوقا لا يكتفي بلعن الشجرة، بل يضيف، لأنه إنجيل الرحمة، قال الكرام للسيد الذي وجد تينة مغروسة في كرمه، جاء يطلب ثمرًا عليها ولم يجد. قال للكرام: «ِإنِّي آتي مُنذُ ثَلاثِ سَنَواتٍ إِلى التِّينَةِ هذه أَطُلبُ ثَمَراً علَيها فلا أَجِد، فَاقطَعْها! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض؟»8فأَجابَه: «سيِّدي، دَعْها هذِه السَّنَةَ أَيضاً، حتَّى أَقلِبَ الأَرضَ مِن حَولِها وأُلْقِيَ سَماداً.9فَلُرَّبما تُثمِرُ في العامِ المُقبِل وإِلاَّ فتَقطَعُها» (لو 13: 6- 9). الرب رحيم رؤوف يعطي دائمًا فرصة جديدة.

Comments (0)
Add Comment