في أحد المؤتمرات قدمت أحدى الأمهات شهادة حياة، أعجبتني كثيرًا. قالت: أخبرنا الراعي أنه أتي لزيارتنا لمباركة المنزل. وهي، كأي أم ، كانت حريصة على أن تظهر المنزل في حالة ترتيب ونظافة تليق بالزيارة. ولأنها لم تكن تملك الوقت الكافي لإكمال التنظيف على أكمل وجه، قررت أن تبقي غرفة مغلقة تضع فيها كل الكراكيب والفوضى التي يصنعها الصغار. وصل الكاهن وقال : “افتحوا كل الغرف، أريد أن أبارك البيت كله”. شعرتْ المرأة بالخجل الشديد وبارك الكاهن الغرفة دون أن يتكلم. في تلك اللحظة، أدركتُ -قالت المرأة- أن يسوع أيضاً يريد أن يزور كل شيء فيَّ، بل يريد أن يبدأ من ذلك المكان الممتلئ بالكراكيب والفوضى.
يقول المسيح اليوم للفريسيين في إنجيل اليوم: “طَهِّر أَوَّلاً الداخِلَ، لِيَصيرَ الظَّاهِرُ أَيضاً طاهراً”. المظهر الخارجي مهم، لكن إذا لم نبدأ بتطهير الداخل أولا.
كيف نطهر الداخل؟
لا يوجد إنسان كامل، في حياة كل منا ضعف في شيء ما. أول الخطوات أن نتصالح مع ضعفنا. فالإيمان المسيحي يعتمد على هزيمة الصليب. من الصعب أن تكون حياتنا مثالية، خالية من الضعف، لكن هناك فرصة أنه من خلال هذا الضعف في حياتي تظهر قوة الله ومجده.
لنأخذ مثلا من الكتاب المقدس، موسى النبي. يتركه والداه في سلة من الخوص في النيل. هل نتصور إن أمه التي ربته في بيت فرعون لم تقل له الحقيقة إن عبراني، بالطبع قالت. نشأ موسى في بيت الرجل الذي أراد قتله. هل يمكن أن يشرح أحد لموسى لماذا تركه أهله لهذا المصير؟ تربي في بيت الأعداء، هل ممكن أن نتصور الخوف الذي شعر به على حياته داخل بيت فرعون؟ عاني موسى من أزمات كثيرة ولعل صعوبة الكلام “التهتهة والتعلثم” هي نتيجة مشكلة نفسية داخلية أكثر من كونه مجرد مشكلة في النطق. مشكلة لم تحل، لم يجد أحد يساعده!. ينفجر موسى في مرحلة الشباب ويقتل أحد الأشخاص. يخاف ويهرب سنوات طويلة وهو واثق إن جريمته قد دفنت. لكن الله يدعوه لانقاذ شعبه وهو يحمل داخله هذا الجرح، إنه قاتل، إنه غير قادر على الكلام بصورة طبيعة.
كيف يمكن اختيار قائد غير قادر على الكلام بصورة صحيحة؟ كيف سيصدر الأوامر لشعبه؟ كيف سيتفاوض مع فرعون؟ كيف يمكن الوثوق برجل مثل هذا، برجل قَاتل؟ بهارب بدافع من الخوف أن يواجه خصمه؟ ومع ذلك يختار الله هذا الرجل، يدعوه للعودة لأن لديه خطة لتلك القصة الخاطئة التي هي قصتي وقصتك. لا أحد منّا يمكنه أن يقول: “لا يوجد في حياتي شيء خاطئ”، لا أحد دون نقاط ضعف.
الغريب إن الله لا يعالج ضعف موسى، بل بطريقة ابداعية يطلب منه أن يجعل هارون يتكلم نيابة عنه. المعجزة التي يصنعها الله في حياتنا هي الإبداع يعطينا القدرة على التعايش مع ضعفنا والاستفادة منه. يعطينا القدرة علىى ابتكار شيء في ضعفنا، وليس التحرر منه. . لا ننسى أن علامات المسامير ظلت باقية في جسد المسيح بعد القيامة. لن يجعل الله ضعفاتي تختفي بطريقة سحرية،
أعتقد أنه سيكون من الرائع أن نقول هذا للرب: لا تنزع ضعفني، ولكن اجعلني مبدعاً، اجعلني أخترع شيئاً في ضعفي هذا، اجعلني أجد مخرجاً تظهر فيه قدرتك ومجدك.
عدم التصالح مع الضعف، عدم قبوله هو المشكلة الحقيقية. لم يطلب موسى، الذي أجرى على يده معجزات باهرة مثل الضربات العشر، عبور البحر الأحمر، خروج الماء من الصخرة وغيرها، ان يجرى الرب معه معجزة ويشفى ضعفه، بأن يجعله يتكلم بطلاقة.
الاستسلام يجعلنا غير راضيين عن أنفسنا. علينا أن نتعلم المخاطرة ولدينا الثقة بإننا محبوبون من الله، الذي يمكن أن يعطينا وزنة واحدة فقط، وليس، كباقي الناس، خمس وزنات أو وزنتين. وزنة واحدة ونقاط ضعف كثيرة، لكن على أن أدفنها في الرمال، أحاول وأحاول.
يوما طلب بولس الرسول من الرب أن ينزع عنه شوكة في جسده تزعجه:”جُعِلَ لي شَوكَةٌ في جَسَدي: رَسولٌ لِلشَّيطانِ وُكِلَ إِلَيه بِأَن يَلطِمَني لِئَلاَّ أَتَكبر”. هل نزع الله الشوكة من جسد بولس؟ لا.. بل قال له: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ».
بعد أن طلب بولس أن ينزع عنه ضعفه، ولم يستجيب الرب له. يدرك بولس أن في قبول الضعف قوة إلى الدرجة إنه يصرح بصوت عالٍ: “فإِنِّي بِالأَحرى راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح (2 كور 12: 9- 10). ويعبر في رسالته إلى فيلبي عن كل هذا بقوله: “أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني” (فل 4: 13).