إيمان الشيطان

أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله” (لو 4: 31- 37)

هل الشيطان مؤمن؟ سؤال غريب بالطبع، لكنه حقيقي. ما قاله اليوم للمسيح هو خلاصة قانون إيماننا المسيحي. المسيح هو إلهُ من إله، نورٌ من نور، إلهٍ حق من إلهٍ حق. يؤكد لوقا الإنجيلي على هذه الحقيقة إن الشياطين عرفت إن المسيح فيقول في العدد 41 من نفس الإصحاح: “وكانَتِ الشَّيَاطينُ أَيضاً تَخرُجُ مِن أُناسٍ كَثيرينَ وهِي تَصيح: «أَنتَ ابنُ الله!». يبقى السؤال الأهم: هل تؤمن الشياطين؟

قبل الإجابة أتذكر موقف حدث لأحد الكهنة في أحد قرى الصعيد منذ سنوات بعيدة. في ذلك الوقت كانت الناس تتغلب على حرارة الصيف بالنوم على “مصاطب” خارج الدار، وفي الشتاء توقد بعض الحطب والأغصان الجاف طلبًا للدفء. يكونون حلقة حول النار، يتسامرون لقضاء الوقت. مّر الكاهن العجوز متكأً على عصاه قرب مجموعة متحلقة حول النار. جلس معهم ثم سأل رب البيت: “لم أعد أراك في الكنيسة، لعل المانع خيرًا”. أجاب الرجل: “أنت تعرف يا أبونا موسم الحصاد، مشغول حبتين”. استخدم الكاهن العجوز عصاه لتحريك غصن مشتعل عن باقي النار، وأكمل حواره مع الرجل. بعد قليل كادت النار تنطفئ في الغصن، واسرع الراعي ليدفعه مجددًا في النار فإشتعلت النار من جديد. قال الكاهن هذا ما يحدث لنا عندما نبتعد عن مصدر الحياة، عن الله.

بالطبع القصة ليست حقيقية، هي مستوحاه من رائعة باولو كويلهو “الجمرة المشتعلة” في كتابه “النهر الذي يجري”، لكنني أرويها بتصرف لواقعنا المُعاش.

نتلقى ثلاث جمرات، الفضائل الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة، كعطايا مجانية يوم عمادنا. لا يمكن لإنسان مُعمد أن يقول: «ليس لدي إيمان، ليس لدي رجاء، ليس لدي محبة»! الأفضل أن يقول: «إيماني ضعيف، رجائي متزعزع، لا أستطيع أن أحب كما يطلب مني الرب»، لأن تلك العطايا باقية في الإنسان ولا يمكن لأحد أن ينزعها منه. هكذا قال التلاميذ للمسيح: «زِدْنا إِيماناً»، لم يقولوا «أعطنا إِيمان»، بل زدنا إيمان، لأننا سبق أن حصلنا على تلك العطايا يوم عمادنا. لنستخدم تشبيه قصة “الجمرة المشتعلة” لباولو كويلهو: قد تبدو حياتنا، متى لم نستخدم فيها تلك العطايا، كما لو قد أنطفئت داخلنا. إيماننا ضعيف، ليس لنا رجاء في الحياة الأبدية بسبب ضعفاتنا اليومية، غير قادرين على المحبة. قد تبدو قطعة الفحم أحيانًا مطفية، تغطيها طبقة رقية من الرماد تجعلها تبدو منطفئة.  يكفي أن تنفخ على الجمر لتشتعل على الفور، وتشتعل الشعلة على الفور، وتستعيد لونها الأحمر الأكثر حيوية، وتنطلق النار منها.

نحتاج أن ينفخ الله بروحه القدوس في تلك الجمرات داخلنا لتسعيد حيويتها، لتشتعل النار فيها من جديد. لنطلب من الرب دائما أن يرسل روحه ليجدد الحياة في تلك العطايا الممنوحة لنا. كثيرًا ما تأتي ظروف الحياة، كلمات نسمعها، لقاءات نخوضها، كفرصة ينفخ فيها الرب على تلك الجذوة التي وُضعت في داخل كل واحد منا يوم عمادنا، ونحن ندرك أن تلك الأشخاص، وتلك اللقاءات، وتلك المواقف، وتلك الكلمات، هي هبة من الله، ببساطة لأننا بعد أن خضنا تجربة اللقاء زدنا في الإيمان والرجاء والمحبة.

ماذا يفعل الشرير إذن؟ الشرير يعرف أن لدينا جمرات النار في داخلنا، لذا فهو يعلم أنه لا يستطيع أن ينتزع منا تلك العطايا. ولكنه يستطيع أن يشتت انتباهنا عن إدراك أنه لدينا تلك النعم، أو يمكنه أن يقوم بأحد الأعمال التي يقوم بها غالبًا، وهي الفصل بين العطايا الثلاث. على سبيل المثال، قد يكون لدينا الإيمان فقط دون رجاء أو محبة. هذا يجعلنا مثل الشيطان، الذي لديه الإيمان، لكنه لا رجاء له ولا قادر على الحب.

إنه يعرف ويعترف أن يسوع هو ابن الله، لكنه لا يستطيع أن يتجاوز الاعلان عن تلك المعرفة. لكن ما هوالرجاء الذي لا إيمان له؟ إنه رجاء فارغ. أو أي محبة يمكن أن تكون محبة حقًا إذا لم تكن لها أساس ثابت في المسيح؟ تصبح في تلك الحالة عمل إنساني، دافعه الإحسان. محبة المسيح شيء أعظم بكثير من مجرد توزيع بعض العطايا للمحتاجين. علينا أن نفرق بين عطية المحبة وأعمال المحبة. بعض الأعمال هي جديرة بالثناء والمدح، لكن إذا لم يكن لها أساس، تبدأ وتنتهي بتلك اللفتة، لكننا نحتاج إلى شيء أكبر، إلى شيء أكثر ثباتًا.

Comments (0)
Add Comment