نحتفل هذا العام 2025 بيوبيل الرجاء. جاء اختيار البابا فرنسيس لموضوع الرجاء لأسباب أهمها الحالة التي عليها العالم اليوم. يكفي أن ننظر قليلاً إلى الأخبار، أو إلى الإنترنت، أو وسائل التواصل الاجتماعي، لندرك أننا لا نملك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى الرجاء. في كل ركن من أركان العالم، هناك قصص عن الظلم الذي يلحق بالأبرياء، ولكن عندما نغلق أعيننا ونفكر في واقع حياتنا يكفى النظر إلى داخل منازلنا، إلى عائلاتنا، إلى جيراننا لندرك أن فيروس اليأس غالبًا ما يكون مختبئًا على عتبة حياتنا، والمشكلة هي أن له حججًا وجيهة، ولذلك نحن بحاجة إلى شيء يقاوم هذا اليأس، شيء ليس مجرد تعزية سطحية سرعان ما تزول.
يتهمنا البعض بأننا كمؤمنين نلجأ إلى الإيمان لحماية أنفسنا والعيش في واقع افتراضي لا وجود له في الواقع. يدعونا الإيمان للتمسك بالرجاء المسيحي الذي يوجهنا إلى النظر إلى ما بعد هذه الحياة، إلى احتمال الضيقات في العالم بصورة بطولية، لكن هذا الفكر ليس كتابي ولا مسيحي، فالمسيح لم يدعونا إلى تجاهل الواقع والعيش في عالم ينتظر فقط الحياة الأبدية. في لحظة صعوده إلى السماء دعانا إلى الذهاب إلى أقاصي الأرض، للانفتاح على العالم ومآسيه للنشر الرجاء. رجاءً يهزم اليأس. في حادثة الصيد العجائبي فشل التلاميذ فيما سعوا إليه طوال الليل، كانوا عائدين إلى منازلهم ويملء اليأس قلوبهم لأنهم لم يصيبوا شيئًا، ليس هناك سمك لبيعه في الأسواق للصرف على عائلاتهم. ها هو يسوع يساعد هؤلاء الناس الذين لديهم سبب وجيه لليأس، لا يستطيعون إحضار الخبز إلى منازلهم، أعتقد أن هذا سبب وجيه للحزن، للقلق، لفقدان الرجاء، يسوع يدعو هؤلاء التلاميذ الأوائل إلى الإبحار، أي إلى الانفتاح، لا إلى الانغلاق.
لكن ربما من المفيد لنا أن نبدأ بتوضيح أكرره في كل مكان. نحن المسيحيون ربما لا نعرف حقًا ما هي الرجاء، وكثيرًا ما نخلط بين الرجاء وبين سمة من سمات شخصيتنا تسمى التفاؤل، وهناك أشخاص متفائلون بطبيعتهم الإنسانية، ينظرون إلى الأمور دائمًا من الناحية الإيجابية. نعتقد أن الرجاء في الأساس هو أن نكون متفائلين.
لكن التفاؤل مرتبط بالتربية الإيجابية التي حصل عليها البعض. من النشأة في بيئة مسالمة، غير متوترة ولا تعاني من القلق. عكس آخرون نموا في بيئة متوترة وقلقة دومًا فتكون النتيجة في النهاية إنهم يكبرون وهم يشعرون بقلق دائم وتوتر ليلاحظه الجميع.
لكن الرجاء المسيحي لا علاقة له بظروف التربية التي حصل عليها كلٍ منّا. لا علاقة له بطباعنا الشخصية، ولا بتاريخنا. الرجاء المسيحي لا يقوم على شخصيتنا، ولا على ما حدث لنا. الرجاء المسيحي يُسمى فضيلة لاهوتية، أي أنه عطية من الله، هبة تُعطى لكل واحد منا.
عندما أعلن بطرس، قال له يسوع: «فلَيسَ اللَّحمُ والدَّمُ كشَفا لكَ هذا، بل أَبي الَّذي في السَّمَوات» (مت 16: 17). أي أنها ليست شيئًا يأتي من تربيتك، ليست شيئًا يأتي من تاريخك، ليست حدسك، ذكائك، موهبتك، لا، لم يوحِ إليك ذلك لحم ولا دم، بل أبي. هذا يطمئننا، لأننا إذا لم يكن لدينا رجاء، يجب أن نتوقف عن لوم أنفسنا بالقول: ”أنا لا امتلك الرجاء“، لأن لا أحد منا يمكنه أن يمتلك الرجاء المسيحي إلا إذا منحه الله هذه العطية.
عطية الرجاء
الخبر السار هو أن الله يمنح هذه العطية للجميع، أو على الأقل لجميع الذين يريدون أن يفسحوا مجالاً لهذه الهبة. لذا، فإن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان لدينا رجاء أم لا، بل ما إذا كنا مستعدين لقبول هبة الرجاء من عدمه. لقد جعل الرب في متناول كلٍ منّا، ما لا نستطيع أن نمنحه لأنفسنا، أي الإيمان والرجاء والمحبة.
نحن نتلقى تلك الفضائل الثلاث كعطايا مجانية. إذن، عندما يقول الشخص: «ليس لدي إيمان، ليس لدي رجاء، ليس لدي محبة»، أو «إيماني ضعيف، رجائي متزعزع، لا أستطيع أن أحب كما يطلب مني الرب»، ماذا يجب أن نفعل من منظور مسيحي؟ نطلب من الرب ببساطة أن يزيد إيماننا، ويزيد رجاءنا، ويزيد محبتنا، وقدرتنا على الحب. لكن هنا تكمن المشكلة، المشكلة الأولى الكبرى التي يجب ألا ننساها، هي أنه عندما يقدم لك أحدهم هدية مجانية، فإن تلك الهدية تُعرض عليك، ولا تُفرض عليك.
لنتخيل إذا كان أحدنا يعاني من الإنفلونزا أو الزكام، فيشعر بالمرض ويريد أن يشفى، فيذهب إلى الطبيب أو الصيدلي، فيقدم له الصيدلي دواءً. هذا الدواء قد يفيده ويعالج الأعراض التي يشعر بها ويمنحه الشفاء. شخص ما يقدم لك دواءً لكن حياتك لن تتغير تلقائيًأ. لماذا؟ هو يستطيع أن يقدم الدواء لكن عليك أن تتناوله!! أي أنك إذا لم تستخدم حريتك، فإن هذه الهدية تكون عديمة الفائدة. إذن، يمكن لله أن يمنحنا هدية الإيمان بصورة مجانية، والسؤال هو: هل نستخدم الإيمان؟
يمكنه أن يمنحنا هبة الحب، بل لقد منحنا بالفعل هبة الحب والرجاء، والسؤال هو: هل نحن نملك الحرية التي تمكننا من استخدام هذا الرجاء، من استخدام هذا الحب؟ لنصغِ ذلك بشكل أفضل: نحن نرغب في الإيمان، نرغب في الرجاء، نرغب في الحب، لكن لا نريد اختيار العيش وفقًا لتلك العطايا المجانية، لا نريد استخدام حريتنا الشخصية في اختيار العيش وفقًا لتلك العطايا. إذا كنا نعتقد أن الإيمان والرجاء والمحبة هي أمور نشعر بها في لحظات معية، مثلما نشعر بالفرح والحزن، فإننا لم نفهم بعد ما هي تلك العطايا الإلهية. لا تفرض تلك العطايا نفسها علينا بل تُقدم لنا باستمرار كبديل يمكن أن يخرجنا من المستنقع. أنت تجد نفسك في حالة يأس، والرب يقدم لك عرضًا، تقبله أو ترفضه بإرادتك الحرة، بأن يعطيك الرجاء ويقول لك عش حسبما أقول لك، وهذا هو ما يخرجك من حالتك المزرية.
إذا عرفنا كيف نستخدم إرادتنا بصورة صحيحة فإن عطية الله تُغيير حياتنا تمامًا، وتدخلنا في عهد مع الله المانح لتلك العطية. إن الإيمان مثل الرجاء أو المحبة ليس سحرًا. لا نحصدهما إذا قمنا برحلة حج إلى روما أو عبرنا الباب المقدس، وحياتنا لن تتغير. إذا لم نرغب حقًا في التغيير فلا يفيد الحج الديني أو زيارة الأماكن المقدس. ليس الرغبة فقط بل أن نقبل تلك العطايا من الله وأن نترك له المساحة ليقودنا من خلال تفعيلها في الحياة.
أقتبس كثيرًا عبارة جميلة للقديس أغسطينوس يقول فيها: إن الله الذي خلقنا بدوننا لا يخلصنا بدوننا، لذا فمن الجميل أن الرب يمنحنا الرجاء، لكن هذا الرجاء يدعونا إلى أن نكون مشاركين ومتفاعلين مع تلك العطية. أول شيء نفعله إذا كنا لا نملك الرجاء هو عدم لوم أنفسنا، بل نطلبه ونقول للرب: “زدني رجاءً”. أقول ”زدني“ لماذا؟ لأننا تلقينا هذه النعم في يوم معموديتنا، لنستخدم تشبيه بسيط: كلنا نعرف الجمر، وتبدو قطعة الفحم أحيانًا مطفية، تغطيها طبقة رقية من الرماد تجعلها تبدو مطفية. يكفي أن تنفخ على الجمر لتشتعل على الفور، وتشتعل الشعلة على الفور، وتستعيد لونها الأحمر الأكثر حيوية، وتنطلق النار منها.
تخيلوا إذن أن كل واحد منا في يوم معموديته قد تلقى هذه الجمرات في داخله، الإيمان والرجاء والمحبة، وهناك لحظات في الحياة نحتاج فيها إلى أن ينفخ الرب على تلك الجمرات الموجودة بالفعل داخلنا، لمجرد إحيائها، لذلك لا يجب أن نقول إننا لا نملك الرجاء، بل يجب أن نقول: انفخ في الرجاء الذي أعطيتنا إياه في يوم معموديتنا لأننا نملك هذا الرجاء في داخلنا. كثيرًا ما تأتي ظروف الحياة، كلمات نسمعها، لقاءات نخوضها، كفرصة ينفخ فيها الرب على تلك الجذوة التي وُضعت في داخل كل واحد منا يوم عمادنا، ونحن ندرك أن تلك الأشخاص، وتلك اللقاءات، وتلك المواقف، وتلك الكلمات، هي هبة من الله، ببساطة لأننا بعد أن خضنا تجربة اللقاء زدنا في الإيمان والرجاء والمحبة.
ماذا يفعل الشرير إذن؟ الشرير يعرف أن لدينا جمرات النار في داخلنا، لذا فهو يعلم أنه لا يستطيع أن ينتزع منا تلك العطايا. ولكنه يستطيع أن يشتت انتباهنا عن إدراك أنه لدينا تلك النعم، أو يمكنه أن يقوم بأحد الأعمال التي يقوم بها غالبًا، وهي الفصل بين العطايا الثلاث. على سبيل المثال، قد يكون لدينا الإيمان فقط دون رجاء أو محبة. هذا يجعلنا مثل الشيطان، الذي لديه الإيمان، لكنه لا رجاء له ولا قادر على الحب.
إنه يعرف ويعترف أن يسوع هو ابن الله، لكنه لا يستطيع أن يتجاوز الاعلان عن تلك المعرفة. لكن ما هوالرجاء الذي لا إيمان له؟ إنه رجاء فارغ. أو أي محبة يمكن أن تكون محبة حقًا إذا لم تكن لها أساس ثابت في المسيح؟ تصبح في تلك الحالة عمل إنساني، دافعه الإحسان. محبة المسيح شيء أعظم بكثير من مجرد توزيع بعض العطايا للمحتاجين. علينا أن نفرق بين عطية المحبة وأعمال المحبة. بعض الأعمال هي جديرة بالثناء والمدح، لكن إذا لم يكن لها أساس، تبدأ وتنتهي بتلك اللفتة، لكننا نحتاج إلى شيء أكبر، إلى شيء أكثر ثباتًا.
لذا، في هذه الصورة أود أن أقدم لكم شيئًا يساعدكم على فهم لماذا عندما نتحدث عن الرجاء فإننا نتحدث عن شيء يمكن أن يغير حياتنا حقًا. ما معنى الرجاء في النهاية؟ كثيرون منا حصلوا على رخصة القيادة وكثيرون منا جربوا القيادة برفقة مدرب. الآن، إذا كنت لا تعرف كيف تقود السيارة وبدأت في القيادة، فإنك تشعر بخوف شديد من أن تخطئ، أو أن تتوقف السيارة، أو أن تصدم شخصًا، أو أن تتسبب في حادث.
ما الذي يساعدك على محاولة قيادة السيارة؟ لأن بجانبك شخص تثق به، يعرف كيف يقود السيارة في المقام الأول، يعرف عمله، والأهم من ذلك أنه عادة ما يكون لديه دواسات احتياطية مزدوجة، وبالتالي يمكنه الفرملة عند الضرورة. لكن انتبه، هذه الثقة التي نمنحها للشخص الذي بجانبنا والرجاء في أن يتدخل في لحظات الصعوبة تجعلنا أحرارًا بما يكفي لمحاولة قيادة السيارة. الآن تخيلوا أن الحياة هي أكثر أو أقل مثل هذا.
جميعنا يمكن أن نخطئ، أن نكون غير قادرين على العيش، على فعل ما يجب علينا فعله، ولكن عندما يؤمن شخص ما، فإن هذا الإيمان يجعله في وضع يسمح له بالمخاطرة بحياته. إذا لم يكن لدينا إيمان، فإن حياتنا تكون رهينة الخوف. الخوف من الأحكام، الخوف من الخطأ، الخوف من الفشل، الخوف من إحداث الضرر.
لكن إذا كنت واثقًا من أن هناك شخصًا بجانبي يجعلني أستطيع المخاطرة بحياتي، فعندئذ أستطيع أن أعيش حقًا. إذا كان لدي الرجاء في أن هناك في أوقات الشدة شخصًا أفضل مني، وأكثر قدرة مني، ويمكنه التدخل في أي وقت، فإنني أستمد الشجاعة وأتمكن من المخاطرة بحياتي. ولكن إذا بدأنا نشك في أن الشخص الذي بجانبنا لا يعرف كيف يقود، أو أنه غير قادر على مواجهة الصعوبات، فإن ما كان يجب أن يكون عونًا يصبح جحيمًا.
في كثير من الأحيان، تبدأ حياتنا المسيحية في الانهيار عندما نفقد الثقة في الرب. الثقة في حضوره وعمله في حياتنا. على سبيل المثال، قد يكون لدينا إيمان يجعلنا نقول إن الله محبة، وأن الله يحب، ولكن انظروا ماذا يحدث؟ نحن مقتنعون ونعترف أن الله يحب الآخرين. لكن لا أشعر أنني محبوب! لذلك أنا مقتنع أن الله هو محبة وأنه يحب، لكنه يحب الآخرين، وليس أنا. ما معنى أن يكون عندي رجاء؟ الرجاء لا يعني ببساطة أن أؤمن أن الله يحب، بل أن تلك المحبة هي لي أنا أولاً، أنها ليست محبة للآخرين فحسب، بل محبة تلامس حياتي، وتخاطبني بصيغة المخاطب. هذه القناعة تغير وجودي.
الآن، طالما أننا لا نربط خيوط هذه المواهب الثلاث (الإيمان والرجاء والمحبة)، لا يمكننا أن نفهم القوة التي تنبعث من كل واحدة منها. لماذا الناس يائسون؟ لماذا نحن في كثير من الأحيان يائسون؟ لأننا نشعر، على سبيل المثال، أن حياتنا لا معنى لها. لا نستطيع أن نرى معنى لما حدث لنا في الماضي، لما يحدث لنا في الحاضر، لما ينتظرنا في المستقبل.
ببساطة لأن الأمور لا تسير كما نرغب. عندئذ، في تلك اللحظة، يسيطر عدم المعنى وانعدام الثقة على حياتنا ونبدأ في الشعور بالسوء لأننا لم نعد نشعر بأي معنى. حسنًا، أود أن أشارككم ببساطة عن مجالات الرجاء في حياتنا المسيحية:
المجال الأول: هويتي الشخصية
“من أنا”، هذه الكلمة، مليئة بالرجاء. عندما أشعر أنني محبوب سأتوقف عن الشعور بأني مخطئ. سأشعر بأن لحياتي معنى، حتى عندما تكون هناك بعض الأمور التي لا أفهمها. لأن ما يجعل الحياة محتملة ليس فهم التفاصيل، ليس وجود منطق واضح يربط بين جميع أحداث حياتنا، لأن حياتنا غالبًا ما تخبئ لنا أشياء غامضة، سواء كانت جيدة أو سيئة، ولكن ما يجعل حياتنا قابلة للعيش هو أن نكون محبوبين.
في تلك اللحظة، تكون حياتي مليئة بالرجاء لأنني أشعر أن هناك معنى لحياتي حتى عندما لا أفهم هذا المعنى. إذن، أنا لست مخطئًا ويمكنني أن أكون على طبيعتي لأن الناس غالبًا ما يشعرون بأنهم مخطئون (هناك شيء خطأ) عندما يكتشفون أنهم مختلفون. عندما أدرك أنني فريد، أشعر بالسوء، لماذا؟ لأنني أريد أن أكون مثل الآخرين، لأنني إذا قبلت أن أكون فريدًا، أشعر بالوحدة، أشعر أنني مثل البطة السوداء القبيحة التي تم استبعادها لمجرد أنني لستُ مثل الآخرين، لكن المشكلة هي أن كل شخص فريد. حتى عندما يتشبه الناس ببعضهم البعض، فإنهم يخفون تفردهم، ولكن أجمل شيء في الحياة هو عندما يكتشف الشخص أنه مختلف، أي أنه فريد، وتذكروا أن التفرد يتجلى في شيء يختلف عن المعتاد. نحن جميعًا لدينا شيء ما، وهذا هو التنوع، وهذا هو تفردنا.
عندما أدرك هذه التفرد، أعتقد أنني مخطئ، ولكن إذا كنت أعلم أنني محبوب، يمكنني أن أكون على طبيعتي تمامًا. هذا يمنح حياتي الرجاء لأنني أدرك أن حياتي لها معنى وأنني واجب أن أحقق معنى حياتي بطريقة فريدة لا يمكن لأحد أن يحققها بدلاً مني، وبالتالي أكتشف أنني مليء بالرجاء إذا كنت أؤمن أساسًا أن الله يحبني كما أنا. لكن هذا سؤال جميل، هل قبلنا أنفسنا يومًا؟ هل قبلنا تنوعنا يومًا؟ هل قبلنا يومًا تفردنا؟ تعلمون أن هناك طريقتين تدلان على أننا لم نقبل اختلافنا.
- الأولى هي التباهي باختلافنا. هذه طريقة واضحة تدل على أننا لم نقبل اختلافنا. إذا كنا بحاجة إلى التباهي بتفردنا، فهذا يعني أننا بحاجة إلى القبول، وبالتالي يعني أننا لم نقبل أنفسنا.
- والطريقة الأخرى هي محو تفردنا وبالتالي التماثل مع الآخرين. إنها طريقة ”كما تريدني أن أكون“، أليس كذلك؟ كيف تريدني عائلتي أن أكون؟ حسناً، سأكون كذلك. أنا غير سعيد، لكنني بالضبط كما تريد عائلتي أن أكون. بنفس الطريقة أكون كما تريدني الكنيسة؟ سأتبع جميع الوصايا التي تقّرها الكنيسة لكني غير سعيد. نحن بحاجة إلى اكتشاف المقصود بالقداسة.
ما هي القداسة؟ القداسة هي أن نأخذ تنوعنا على محمل الجد لدرجة أن نقول: أريد أن أكون قديسًا بتنوعي وفرادتي. أريد أن أكون قديسًا كما أنا. إذا أخذتم حياة القديسين، ستدركون أن لا أحد يشبه الآخر.
كل واحد فريد من نوعه، لا يمكن تكراره، وستقولون كلما قابلتم قديسًا إنه على حق. ثم ستقابلون فيليبو نيري وتقولون إنه على حق. ثم في لحظة ما ستقابلون إغناطيوس دي لويولا وستقولون إنه على حق.ثم في لحظة ما ستقولون لا، عفواً، القديس فرنسيس هو الذي على حق.
لكنهم جميعاً مختلفون، يفعلون أشياء مختلفة. أحياناً يفعلون عكس بعضهم البعض. أحدهم يقول يجب أن نصلي كثيرًا، والآخر يقول يجب أن نذهب لمساعدة جميع فقراء هذه المدينة. يفعلون أشياء متناقضة. لماذا؟ لأننا لا نستطيع أن نستخرج قواعد عامة من قصص خاصة لهؤلاء القديسين تجعلنا قديسين!. علينا أن نفهم أن هؤلاء القديسين كانوا على حق، لكل واحد قصته، كل واحد تعلم أن يكون على طبيعته كما هو.
كل منّا يمكن أن يكون قديس، لأنه فريد تماما عن أي شخص آخر، وقداسته هي خاصة به وحده. فقط يكون كل منّا على طبيعته. لكن إذا اكتفيت بمجرد أن أكون على طبيعتي، إذا اكتفيت بمجرد التباهي بفريدة من نوعي، فإن هذا لا يجعلني قديسًا، بل يجعلني نرجسيًا في عالم مليء بالنرجسيين. لذلك أحتاج إلى أن يكون لديّ ذلك الرجاء الذي يجعلني أتصالح مع نفسي. فقط عندما أؤمن أن الله يحبني ويحبني، فقط في تلك اللحظة التي فيها أتجاوب مع محبته بطريقة تناسبني وتتفق مع طبيعتي.
المجال الثاني: ما أفعله في الحياة
الرجاء فيما أفعله. إن كل ما أفعله في الحياة يجب أن نفعله بصورة أبدية! عندما نُحب شخص ما، على سبيل المثال، فإننا نحبه بصورة أبدية. أن الأشياء تكون خالدة عندما نفعلها بحب، لأن الحب هو الذي يضفي على الأشياء طابع الخلود. عندما تحب ما تفعله، فإن تلك الأشياء تكون خالدة.
قديمًا كانت الحضارات تميل إلى كتابة قصص الملوك على الجدران لأجل أن تبقى خالدة. ولكن الخلود هو شيء له علاقة بالحب، ونحن نعيش في عالم اعتدنا فيه على فعل أشياء كثيرة ولكن بدون حب، أي أننا نفعل الأشياء بدون أي شغف. عندما تحب شخصًا ما، فإنك تضيف فئة الخلود، ولا حتى الموت يمكن أن يفصلك عن هذا الشخص.
نجد الكثير من الأشخاص الأكفاء ولكنهم لم يعودوا يحبون ما يفعلونه. نجد الكثير من الأشخاص الذين يحاولون إقامة علاقات، والعيش بطريقة ناضجة من أجل مصلحتهم، ولكنهم لم يفهموا أن الشيء الوحيد الذي يتغير هو العلاقة. عندما يكون هناك حب في تلك العلاقة، فإن الحب هو الذي يدخل فئة الخلود في الأشياء التي نفعلها.
الطبيب الذي يمارس عمله بحب، فإنه يصنع أشياء خالدة. ومن يبني قصراً بحب، فإنه يصنع شيئاً خالداً. وإذا أحببت شخصاً، فإنني أضع الخلود في ذلك الشخص.
شيء صغير، صغير جدًا، صغير جدًا، غير مرئي لعين هذا العالم، إذا تم فعله بحب فهو أبدي. ماذا يعني أبدي؟ لا ينتهي، لا ينتهي. حتى لو ظهر إنه ينتهي لكننا قد أدخلنا شيئًا لا يفسد أبدًا عندما فعلناه بحب.
ماذا يجب أن يرى الناس في المسيحيين؟ أناس متحمسون في أعمالهم؟ لا، ليسوا متحمسين بل شغوفين، يحبون ما يفعلونه، ويعرفون أنهم يمكن أن يصبحوا قديسين في ما يفعلونه.
ما يطلبه الرب أن تُحب ما تفعله، وهنا يكمن الرجاء لأن ما تفعله باقيٍ إلى الأبد. عندما تفعل شيئًا ما بحب، فإن هناك كمالًا في ذلك الشيء، وهناك طعم مختلف، وهناك نكهة مختلفة، وهناك ضوء مختلف، وهناك التزام مختلف. إذا فحصنا أنفسنا نجد إننا نفعل أشياء لأننا نريد مقابل، نعمل لأجل أن أحصل على راتبي. أتزوج شخصًا لأنني أخاف أن أبقى وحيدًا، أنجب أطفالًا لأن الجميع ينجبون أطفالًا، أفعل هذا الشيء لأن الكثيرين يفعلونه. باختصار، هناك فائدة تافهة، لا يوجد حب أو شغف في ما نفعله. لكن إذا أردنا أن نفعل كل شيء بروح الخلود لأننا نفعل كل شيء بحب.
يحاول الشرير هنا أن يصور لنا أن كل شيء سينتهي، فلماذا تلتزم؟ أنت كاهن، لقد فعلت أشياء جميلة كثيرة، يأتي خليفتك ويمحو كل ما فعلت، هل يستحق ذلك العناء؟ لا! إذن لنعيش يومنا دون التزام، دون أحلام، دون رغبات، دون أن نضع الحب في ما نفعله. أنت تحب شخص ما ثم يخونك، أولادك يعاملونك بجفاء أو بجحود. بما أن كل شيء ينتهي، فلا يستحق العناء، لكن ماذا يقول لنا الرجاء؟ إذا كنت تحب الأشياء، فهي أبدية حتى عندما تنتهي، فيها شيء من الأبدية حتى عندما تنتهي. السؤال هو: هل نؤمن بذلك؟ هل نؤمن أن شهادتنا هي أن نعيش بشغف ما هو موجود، وليس ما كان أو ما سيكون، بل ما هو موجود الآن؟
المجال الثالث: المعاناة
الرجاء له علاقة بالمعاناة. لكننا نعلم إن المعاناة لن تستمر لأن المسيح قد انتصر. لقد انتصر يسوع، لذا نحن نعلم منذ البداية أن كل هذه القصة لها نهاية، ونعلم كيف تنتهي. العلم بنهاية القصة، يمكن يجعلنا نعيش حياتنا في إطمئنان لأننا قد خَلُصنا بالفعل، ولا نحتاج ننتظر يوم ليتم فيه خلاصنا.
نحن نعرف من الآن أنه قد سبق وخلصنا، وهذا هو اللي يغير موقفنا تمامًا. فالمعاناة التي يمكن أن أعانيها في الحياة تختلف عمن يعاني بدون سبب. أتفهمون؟ إني قد أواجه صليبًا في حياتي، أو مرضًا في حياتي، أو مصيبة في حياتي، أو أمرًا فظيعًا في حياتي، ولكن تلك المعاناة أعيشها وأنا أعلم كيف ستنتهي القصة. أستطيع أن أموت وأنا أعلم أنه قد غلب الموت وانتصر وإننا نشارك في قيامته ومجده.
هذا يعطي كرامة مختلفة لطريقة معاناتي. المسيحي يصعد على الصليب برجاء، ليس لأنه أشجع من الآخرين، بل لأنه يؤمن أن يسوع قد انتصر بالفعل. لذلك نحن لا نخاف من أن نكون مثل يسوع على الصليب، لأننا نعلم أن لديه القدرة على أن يخرجنا من ذلك الصليب كما سبق له أن انتصر.
في إنجيل يوحنا، يقول يسوع هذه العبارة الجميلة التي غالبًا ما نقرأها بسرعة لأنها من تلك القصص التي يحاول فيها يسوع بكل طريقة إقناع تلاميذه ألا يخافوا، وأن يغيروا موقفهم. اسمعوا: “قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».” (يو 16: 33).
الإنسان المسيحي لا يختلف عن الآخرين، يمر بضيقات كثيرة، ويعيش المعاناة وصعوبات الحياة، لكنه يمتلك الرجاء. هو يعرف إنه يستطيع تحمل تلك المعاناة لأنه، على عكس الآخرين، يعرف كيف تنتهي القصة، هو يثق في مَن غلب العالم. لذا يمكن أن ينتصر على موت شخص يحبه، على مرضٍ يعصف به، عذاب يقاسيه. بالرغم من كل شيء لديه سلام غريب جدًا، لا يستطيع تفسيره، مصدره يسوع المسيح القائم. نعم يمّر بأوقات لا يجد إجابات، يشعر بالكرب والألم، ومع ذلك هناك قوة غامضة تساعده على المضي قدماً حتى لو لم يكن لديه دافع. هذه هي ثمار الرجاء المسيحي: “أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي.” (مز 23: 4).
لقد عاش المسيح معاناته بثقة في أبيه. طلب ظل أمينًا حتى النهاية واضعًا رجاءه في أبيه السماوي: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لو 22: 42). لقد تخلى عنه الأصدقاء، وعلى الصليب ذاق مرارة أن يشعر إن الآب تركه، لكن بثقة هائلة في أبيه تغلب على الأصوات التي تطالبه بأن ينزل عن الصليب، أن يستسلم وبترك رجاءه!
ما الذي يفعله الشر؟ عندما تظهر المعاناة، فإنه على الفور يضعنا في أزمة بشأن يقيننا أن الله يحبنا: “إذا كان الله يحبك لماذا يجعلك تعاني؟” هل يسمح أب بأن يعاني ابنه كل هذه الألام؟ لا! أترون؟ يجب أن يضع ثقتنا في حب الله في موضع شك. إن ما يصدره إلى العالم هو المعاناة ليست جزءًا من الحياة.
أصدقائي، المعاناة جزء من الحياة. نأتي إلى العالم، وأول شيء نفعله لنتنفس، نبكي. إنها جزء من الحياة! مثلما نبتسم، نبكي، إنها جزء من الحياة. والآن، القول بأننا إذا كنا نحب في الحياة الابتسامات فقط ونرغب في إزالة الدموع يعني أننا نريد أن نزيل شيئًا من هذه الحياة.
المجال الرابع: الفرح
المجال الرابع هو الفرح. كما إن المعاناة هي جزء اصيل من الحياة لا يمكن إزالته، هناك أيضًا الفرح، فهو الجزء الإيجابي والأصيل من الحياة. يبشر الرجاء بالفرح المدعوين له في هذه الحياة ويجد كماله في حياة أبدية.
كل اللحظات الممتعة في الحياة: متعة الطعام مع مَن تحب، متعة العلاقات، متعة الصداقة، متعة الاتحاد الجسدي، متعة غروب الشمس، متعة الموسيقى، متعة الفن، متعة قراءة كتاب شيق، متعة مشاهدة فيم مشوق، متعة السماء المرصعة بالنجوم، متعة النظرة إلى طفل يبتسم في وجهك. كل هذه المتع تمنحنا لمحات من السعادة والفرح في الحياة.
ماذا يعني أن يكون لدينا رجاء؟ إن كان شيء كهذا يجعل قلبي يخفق بشدة هو مجرد ظل لما يدعونا الرب إليه. هذا ما لخصه بولس الرسول إلى أهل كولوسي: “فلا يَحكُمَنَّ علَيكم أَحَدٌ في المَأكولِ والمَشروب أَو في الأَعيادِ والأَهِلَّةِ والسُّبوت، فما هذه إِلاَّ ظِلُّ الأُمورِ المُستَقبَلة، أَمَّا الحَقيقَةُ فهي جَسَدُ المسيح” (كول 2: 16- 17). كل متع الحياة لها هدف أبدي، تذكرني بمصيري، وما أنا مدعو إليه. عندما أنظر إلى منظر بديع في الطبيعة مثلا أتذكر ما يقوله الكتاب: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (1 كو 2: 9).
ماذا يصنع الشر، إنه يجعلك أسير للمتعة وحدها دون هدفها النهائي. يصور لك إن المتعة هي الغاية المطلوبة والنهائية. يجعلك تفضل المتعة وتسعى وراءها دون أن تفكر إنها ظل لفرح أكبر ودائم إلى الأبد. إن أول عمل قام به المسيح، حسب إنجيل يوحنا، هو المشاركة في فرح قانا. السعادة والفرح جزء من الحياة وهو علامة للحياة الأبدية المدعوين إليها، كعلامة على احتفال لا ينتهي أبدًا.
من يعيش فرح هذه الحياة، ملذات هذه الحياة وفي قلبه نظرة للأبدية، أقول لكم، سيكون قلبه ممتلئ دائمًا بالامتنان. يشكر الرب على كل هذه النعم والفرح الذي يذكره إلى أين هو ذاهب. إذا كان لابني القدرة على أن يجعل قلبي ينفجر من الفرح، فماذا سيكون عندما أجد نفسي أمامك يا رب؟ إذا كانت لتلك المرأة القدرة على أن تجعل قلبي ينبض بقوة، فماذا سيكون عندما أجد نفسي أمامك يا رب؟ إذا كان ذلك السماء المرصعة بالنجوم لديها القدرة على أن تثير مشاعري، فماذا سيكون عندما أكون أمامك يا رب؟ إذا كانت أمسية بين الأصدقاء تجعلني أخلد إلى النوم سعيدًا، فماذا سيكون يا رب عندما أفتح عيني أمامك؟ كم هذا جميل، أليس كذلك؟ لا يجب أن يكون لدينا رجاء فقط عندما نعاني، بل يجب أن يكون لنا رجاء أيضًا عندما نفرح، لأننا يمكن أن نكون يائسين في المعاناة، ولكن المشكلة أن نكون يائسين أيضًا في الفرح.
اليائسون بالرغم من أفراح الحياة هم، للأسف، مدمنون على المتعة، أما أولئك الذين حوّلوا أفرحهم إلى نظرة أبدية فهم شاكرون للرب الذي منحهم هذه المتعة في الحياة.
الخلاصة:
هناك رجاء في كل شيء: في شخصي، فيما أفعل في الحياة، في أوقات المعاناة وأوقات الفرح. لقد خلقني الله كابن “فريد” و “وحيد”. في حدث العماد أشارك المسيح، الذي أخذ طبيعتي البشرية، في الاستماع إلى كلام الآب: ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت”. كل منّا أصبح ابنًا وحيدًا في عيني الله. الابن الذي يّسر قلب الله. هذا سبب أول للرجاء. حياتك لها معنى، مميزاتك وعيوبك لها معنى، أنت فريد، بغض النظر عن الخطايا التي ارتكبتها، والصفات التي تتمتع بها، يمكنك أن تصبح قديسًا عندما تؤمن أنك محط أنظار الله.
هناك رجاء فيما نقوم به من أعمال في الحياة. كل شيء نفعله بحب يعيش إلى الأبد. عمل شيء بحب وشغف، فأنت تعطيها صفة الخلود إلى الأبد. المحبة أقوى من الموت، وتقديم شيء بحب للآخرين باقٍ للحياة الأبدية. عندما تقدم كأس ماء للآخر، أحرص على أن يكون باردًا، ولاسيما في قيظ الصيف. أنت لا تقدم خدمة فقط، بل تقدم أهتمام وحب ورغبة في التخفيف عن الآخر الشعور بلهيب الحرارة. أنت تقول للشخص: “أحبك، ويهمني التخفيف عنك بعض المعاناة”، هذا العمل باقٍ للأبد.
هناك رجاء في المعاناة. أستطيع أن أسمح لنفسي بالمعاناة، أستطيع أن أسمح لنفسي بالتشبه بيسوع على الصليب لأنني أعلم أنه انتصر ، انتصر على الموت. إن ذكرى انتصاره هي التي تسمح لي بالمعاناة دون أن أقع في اليأس أو الإحباط. نعم، إنه أمر شاق، لكنني لست يائسًا لأنه انتصر وهذا الصليب لا يدوم إلى الأبد.
هناك رجاء في الفرح. لقد ملأ الرب حياتي بالأفراح الصغيرة، وبالمتع الصغيرة التي تذكرني بمصيري، ولكن إذا نسيت مصيري، فإن تلك المتعة تصبح سجني، فخاً، وأصبح مدمن للمتعة، مسجونًا، يائسًا لا أعرف الفرح الحقيقي الذي يُشعرني بالسعادة والسلام الداخلي.
أعتقد أن اليوبيل هذا العام يضع على عاتقنا مسؤولية كبيرة وهي أن ننطلق في الطريق، أن نصبح حقًا حجاجًا للرجاء حتى يتمكن كل واحد منا من إحياء عطية الرجاء التي حصل عليها مجانًا في يوم عماده.
لقد مثل كاتب الرسالة إلى العبرانيين الرجاء بالمرساة. هو تشبيه بليغ للغاية لأن المرساة هي تلك الأداة المعدنية الثقيلة، التي تُلقى في الماء لتثبيت السفينة في قاع البحر ومنعها من الانجراف بفعل الرياح أو التيارات المائية. لكن هذه المرساة لم تلقى في الماء، بل هي ممتدة إلى السماء وتخترق الحجاب الذي لا نراه الفاصل بين الزمن واللازمن والأبدي حيث يجلس يسوع المسيح عن يمين الآب: “وهو لَنا مِثْلُ مِرساةٍ لِلنَّفْسِ أَمينَةٍ مَتينَةٍ تَختَرِقُ الحِجاب 20إِلى حَيثُ دَخَلَ يسوعُ مِن أَجْلِنا سابِقًا لَنا وصارَ عَظيمَ كَهَنَةٍ لِلأَبَدِ على رُتْبَةِ مَلكيصادَق” (عبر 6: 19).
لدينا مرساة في السماء تجعلنا ثابتين، تجعلنا جديرين بالثقة في عيون هذا العالم. أعتقد أننا جميعًا نتحمل مسؤولية أخذ هذه الهبة على محمل الجد، وعلينا جميعاً مسؤولية إظهارها في حياتنا.