عيد ارتفاع الصليب

ماذا يعني عيد تمجيد أو ارتفاع الصليب الذي تحتفل به الكنيسة اليوم؟

استخدام كلمة تمجيد بجانب كلمة صليب تجعلنا نعتقد خطأ إننا نمجد المعاناة، أو نتلذذ بالألم. نستخدم للأسف عبارات خطأ في تعبيراتنا اليومية فنقول: “هذا صليبي” للتعبير عن مشكلة دائمة نعانيها. وعندما نريد أن نشارك ألم قريب لنا نقول: “الحياة مليئة بالصلبان، وَمن منّا لا يحمل صليب” وهكذا!

هل نحن كمسيحيين نمجد حقًا الألم ونقدس المعاناة؟ الإجابة هي لا.. طبعًا! لا نحتفل اليوم بتمجيد صليب من خشبٍ أو نقدس المسامير والحربة التي طعن بها يسوع! نحن نمجد الفعل والسبب الذي لأجله قبل المسيح أن يُصلب ويموت على الصليب. هو نفسه أشار إليه بكل وضوح: “لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه. 14فَإِن عَمِلتُم بِما أُوصيكم بِه كُنتُم أَحِبَّائي” (يو 15: 13). نحن نمجد ذلك الحب الذي دفع يسوع لأن يبذل حياته من أجلنا. نحن نقدس ذلك الحب الذي خصّنا به ابن الله الوحيد بأن يتحمل كل تلك الألام لأجل خلاصنا. هكذا ما أجمله بولس في خبرة دعوته التي كتبها في رسالته إلى الغلاطيين: “وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي” (غلا 2: 20). يرى بولس أن المسيح قد بذل ذاته وجاد بنفسه من أجل محبته هو وحده فقط، فيستخدم ياء الملكية “أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي”.

إن تمجيد الصليب هو دعوة لأن ننظر إلى كل شيء في حياتنا بنظرة مختلفة، الأوقات الصعبة تُصبح نورًا وقوة لنا متى كان دافعها الحب. في الشهر الماضي نقلت لنا وسائل التواصل غرق أحد الممثلين المعروفين وهو يحاول أن ينقذ ابنه المراهق من الغرق. دفع حياته ثمن لانقاذ ابنه. كيف يشعر الابن اليوم، بالطبع حزين لفقدان أبيه، لكنه فخور بحب ابيه الذي دفعه للمغامرة بحياته من أجل إنقاذه. هذا هو المعنى من تمجيد الصليب، نمجد ونفختر بذلك الحب الذي دفع يسوع لقبول الصليب.

يمنحنا هذا العيد نظرة مختلفة لألامنا، فهي ليس مصدر يأس أو إحباط. عندما ظهر يسوع القائم من الموت للتلاميذ حرص أن يروا أثار المسامير على يديه ورجليه، وأثار الحربة في جنبه. لماذا هذا الحرص على إظهار آثار المسامير والحربة بعد القيامة؟ المسيح أراد أن يؤكد لنا كل الصعوبات التي نتعرض لها في مسيرة الحياة هي جزء من الحياة، لكن علينا أن ننظر إليها نظرة مختلفة، إنه بجراحة شفينا، إننا قمنا معه من الموت، لكن مثله، نحتفظ بعيوبنا، نواقصنا، تناقضاتنا، مشكلاتنا، لكن حياتنا لن تكون يائسة بعد الآن، لأن نور القيامة يمر عبر تلك الجروح.

عندما تعرض الشعب لدغات الحيات في البرية، طلب الرب من موسى أن يصنع حية نحاسية ويرفعها على سارية. كان من الممكن أن يطلب من موسى أن يصنع اي شيء آخر، لكن الحكمة الإلهية ترى أن نفس المشكلة التي تعاني منها يمكن أن تراها بنظرة جديدة ومختلفة، إنها جزء من خطة أكبر، لا نعلم تفاصيلها.

ما يصلبنا في حياتنا قد يكون الفرصة التي المناسبة لنا لكي نسلم أنفسنا بين يدي الله. الصلبان التي تزورنا هي تلك الأماكن التي نقرر فيها في أعماقنا ما إذا كان الله موجودًا أم لا، نقرر في أعماقنا ما إذا كان الله هو الذي نثق به أم لا. التسليم بين يديه تمامًا كما فعل ربنا يسوع المسيح يعني وضع أنفسنا في وضع يمكنه من تشكيلنا، وغالبًا ما يكون الصليب هو إزميل الله الذي يحولنا إلى أناس جدد. من خلال الصعوبة يمكن أن نقرر أن ننظر إليه مرة أخرى وهو معلق على الصليب لأنه يحبنا وبذل ذاته من أجلنا. من خلال الصعوبة يمكن أن نتذكر حبه لنا، فلماذا نخاف ونجزع وهو معنا دائما. لقد سبق أن مّر بكل معاناتنا وحمل على كتفيه كل مشكلاتنا: “فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة” (يو 3: 16).

Comments (0)
Add Comment