فن الحب والمحبة

فلِأَنَّها أَظهَرَت حُبًّا كثيرًا

تأتي أمراة لبيت سمعان ، توصف بأنها خاطئة (لوقا 7: 36- 50) لتبكي عند قدمي يسوع. أدان سمعان يسوع لأنه لم يعرف حال تلك المرأة وتركها تغسل قدميه بدموعها وتدهنهما بالطيب. ضرب له مثلا ليفهم ثم وصف المرأة بأنها أظهرت حبًا كثيرًا. لنتوقف أمام هذه الكلمة فقط في إنجيل اليوم: “أظهرت”. كيف أظهرت المرأة حبها.

لنتفق في البداية إن الحب ليس فقط مشاعر، لكنه يحتاج إلى يظهر من خلال أفعال ملموسة مثل الاحترام والتقدير والمساندة. يحتاج الحب إلى قرار بأن تصنع أولا الخير لأجل مَن تحب.

المرأة لم تدخل بيت سمعان فجأة، لقد خططت واستعدت وأخذت قرارها: “فجاءَت ومعَها قاروةُ طِيبٍ”. أردت أن تعبر بشكل ملموس عن محبتها، فقدمت له أثمن ما تملك: زجاجة العطر التي تحتفظ بها لزواجها. عندما يروى لنا يوحنا الحدث يقول مَن كانت تلك المرأة هي مريم أخت لعازر. لا نعرف ماذا كانت تحمل في قلبها، لا نعرف الدراما التي كانت تعيشها، لكنها لم تهتم بحكم الناس، لم تهتم بصورتها، ولا بشعرها الذي تلوث بالطين والوحل (التقاليد كانت تطلب أن يوفر صاحب البيت فرصة غسيل أقدام الضيوف كنوع من الإكرام).

لا يوجد حب دون قرار أن تفعل شيء حسن للشخص. يحوطنا جماعة كبيرة من الناس نحبها، في البيت، في العمل، في الكنيسة. نحبهم لأنهم أشخاص رائعون، يعاملوننا جيدًا، يهتمون بنا. لكن في بعض الأحيان، تكون الناس مشغولة بمشكلاتها، بضعوط الحياة، لديهم غضب بسبب شيء. عندما أقرر أن أفعل خير واستمر في تقديم ما هو حسن إليه بالرغم من موقفه فأنا مازلت أحبه. اسمع كثير من الأشخاص الذين يعبرون عن عدم محبتهم لآخرين لكنهم يستمرون في خدمتهم، في تقديم الخير لهم، وهم لا يعرفون أنهم بهذه الطريقة يحبونهم. فالحب ليس مشاعر فقط، لكنه قرار بأن نصنع الخير لشخص ما.

هناك طريقتين لفعل الشر: فعله مباشرة أو التقصير في فعل الخير الممكن. ربما قضى سمعان الفريسي حياته محاولًا تجنب فعل الشر، لكن لم يعلمه أحد أبدًا أن يفعل الخير. هذا هو الفرق بين المسيحي والآخرين. المسيح يطلب منا أن نحب أكثر، أن نفعل الخير حتى مع الأشخاص الذين يكرهوننا. قد يقول البعض إنه ليس عدلا، إنه لا يستحق ذلك. العدال إن أحب من يحبني ويعاملني بصورة جيدة، هذا سيكون عادلاً، لكن من الناحية الإنسانية لن يكون ذلك عادلاً، لكننا مسيحيون وعلينا أن نتجاوز عدالة هذا العالم.

في رائعة الكاتب الكبير فيكتور هوجو، البؤساء. يطلق سراح مجرم بعد 19 سنة قضاها في السجن لأنه سرق خبر لأخته وأطفالها الذين يتضورون جوعًا. بعد خروجه من السجن يستضيفه أسقف، يعامله بكل إحسان، ويأويه في بيته، ويلي ذلك خيانة فالجان للأسقف، حيث يسرق أواني الطعام الفضية من بيت الأسقف، وعندما تقبض عليه الشرطة يُخفي الأسقف حقيقة أن فالجان قد سرق الأواني الفضية، ويقول إنه قد أعطاها لفالجان كهديّة، تقبل الشرطة هذا المبرر، لكن الأسقف يشترط عليه أن يهب حياته ليسوع، وأن يكمل حياته رجلًا صالحً. هذه المحبة أن أقدم خيرًا لشخص، أحيانًا لم يصنع معي الخير، على العكس، قد ظلمني، أضرني، يكرهني.

يحتاج الحب ثانيًا إلى قرار بأن تبارك مَن تحب.

البركة هنا تعني أن تتكلم عنه جيدًا. لقد سكبت المرأة “الناردين الخالص والكثير الثمن”. فامتلاء البيت براحة الطيب. أرادت تكريمه ففي سفر نشيد الأناشيد: “بَينَما المَلِكُ في حاشِيَته أَفاح نارَديني رائِحَتَه” (نش 1: 12). لقد جعلت منه الملك الذي يجلس وسط حاشيته.

عندما نجد أنفسنا أمام أشخاص يتحدثون عنا بالسوء، بشكل سلبي، ماذا نصنع، هل نستمر في محبتهم؟ اظهار المحبة يتطلب أن لا ألعن هؤلاء الأشخاص الذي يرون دائمًا ما هو سلبي في حياتي، ينظرون دائما إلى نصف الكوب الفارغ، لا يرون غير عيوبي ونقائصي. على العكس أن أبارك، أي أقول ما هو جيد عنهم. أحد الأشخاص يتكلم دائما بصورة إيجابية عن الآخرين، فقال له أحد الشباب: “أنت تتحدث بشكل جيد حتى عن الشيطان”، فنظر إليه وقال: “طبعا لأنه كان ملاك”.

يحتاج الحب ثالثًا إلى قرار بأن تغفر لمَن تحب.

ليس هناك حب دون أن أظهر الرحمة لمن أحب، أن أقبل إنه ضعيف ولديه عيوب كثيرة، ولدي أنا مثلها. ليس هناك حب دون غفران للشخص الذي أحبه. شعر سمعان بأنه أفضل من المرأة، لأنه فريسي ملتزم، شعر إنه بار، لكنه نظر إلى عيوب وخطايا المرأة وأعلن إنها خاطئة. هنا تكمن المشكلة إنه لم ينظر إلى نفسه وضعفاته وركز أهتمامه على نقائض وضعفات الآخرين. المحبة تتطلب أن أتعلم فن الغفران للآخر الذي أحبه.

إذا أردنا أن نحب أحد، إذا أردنا عيش المحبة المسيحية لا بد أن نتعلم الغفران.  

Comments (0)
Add Comment