وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ
اليوم هو عيد ميلاد النور الأزلي، كما نقول في قانون الميلاد: “إله من إله نورٌ من نورٌ”. نحتفل اليوم بتجسد النور الأزلي واتخاذه جسد بشريتنا. لذلك تتزين الكنائس والشوارع والمنازل بالنور. عندما خلق الله الكون قال “ليكن نورٌ”، سمح بنوره أن يظهر فيغلب الظلمة، وتتحول الفوضى إلى كون بديع. حيث هناك نور، تزهر الحياة، وإذا غاب النور تغيب الحياة. ومن المعروف أن سبب انقراض الديناصورات هو أن كويكبا ضخماً قد اصطدم بالأرض وتسبب بإطلاق سحب من الغبار والحطام إلى الغلاف الجوي مما حجب ضوء الشمس وغير المناخ فانقرضت أغلب المخلوقات. النور هو الحياة، هو الذي يعطي روعة الحياة.
أكثر شيء يشد إنتباهنا في حدث الميلاد هو النور. عندما ظهر ملاك الرب للرعاة يقول الكتاب: “أَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم”، اليوم هو ميلاد النور الحقيقي الآتي إلى العالم، كما أعلنه هو نفسه “أنا نور العالم”. يقول لنا يوحنا واصفًا المسيح: “كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ”. كيف أسمح للنور أن ينير حياتي، إنا الإنسان الذي ولد في هذا العالم وفي هذا الزمان؟ كيف أعيش الميلاد؟
متى نشبه الله؟
نؤمن جميعًا إن الله خلقنا على صورته ومثاله، لكن إذا كان صحيحًا أننا خُلقنا على صورة الله ومثاله، فكيف يمكن أن يكون الله أزليًا؟ ونحن لسنا أزليين، نحن محدودون. الله كامل. نحن لسنا كاملين، نحن ناقصون، نحن هشون للغاية. الله هو كل شيء، ونحن مجرد جزء صغير. الله هو الخالق، ونحن مجرد مخلوقات. إذن، أين هي صورة الله ومثاله؟ لأن أجمل صفات الله، أبدية الله، لانهائية الله، عظمة الله، كمال الله، كل هذه الصفات لا نملكها. نحن نختبر العكس تمامًا نحن ضعفاء ومحدودين وغير كاملين. كيف يمكن أن نكون على صورة الله ومثاله؟
للإجابة على هذا السؤال، علينا أن ننظر إلى حقيقة طبيعة الله. عظمة الله لا تكمن في كونه لانهائيًا. عظمة الله لا تكمن في كونه أبديًا. عظمة الله لا تكمن في كونه يملأ السماوات، لكن عظمة الله تكمن في حقيقة خاصة به، وهي أجمل وصف وأعمق هوية لله أخبرنا عنها يوحنا في رسالته الأولى عندما قال: “الله محبة”.
متى نشبه الله؟ متى نحقق كمال صورته ومثاله فينا؟ كلما أحببنا شخص ما، كلما أحببنا آخرين نشبهه، نكون على صورته ومثاله. لقد أعطانا الله أعظم هدية، أعطانا أغلى ما لديه، لقد جعلنا قادرين مثله على الحب. ولهذا السبب تكون حياتنا حياة كاملة فقط عندما نفتح قلونبا ونحب شخص ما، نحب الآخرين. عندما نحب الآخرين نعيش في النور: “وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ” (1يو 1: 7).
عندما بشر الملاك مريم بالحبل الإلهي، لم تكن هي وحدها، جزيرة معزولة. مريم مرتبطة بيوسف خطيبها، بأقاربها، بجيرانها وأصدقائها دخل الله حياة مريم والمرتبطين معها بعلاقات محبة: يوسف، زكريا وأليصابات.. يدخل الله إلى العالم من خلال دائرة العلاقات، من خلال روابط البشر، يقودنا الله من خلال هذه العلاقات إلى تجربة واختبار وجوده. أننا لا نشبه الله إلا عندما نحب شخصًا ما، أي عندما ندخل في علاقة، لأن الله محبة، ونصبح شبهه فقط عندما نَحِب الآخرين.
لو تأملنا معجزات يسوع في الأناجيل سنلاحظ إن أغلب المعجزات تتعلق بالعلاقات. شفى مَن الأعمي والأبكم والأصم وهي حالات تمنع الإنسان من التواصل مع الآخرين. شفى الأبرص الذي يعيش وحيدًا بسبب مرضه. يشفي نازفة الدم ويتقابل مع السامرية، مع مقعد بيت حسدا، مع أولئك المنعزلين عن الناس. يشفي عندما يكون هناك مرض أو حالة معينة تمنع الإنسان من فرصة تكوين علاقات وروابط مع الآخرين. هل تساءلتم يومًا لماذا لا يشفي يسوع في الإنجيل أي شخص مصاب بالتهاب المرارة؟ لا أعرف، لماذا لا يشفي أي شخص يعاني من مشكلة في التنفس. كانت لديه القدرة على شفاء أي مرض، لكن اكتفت الأناجيل بذكر المعجزات التي ترتبط بقدرتنا على إقامة العلاقات. عندما نصبح قادرين مرة أخرى على الحب والسماح للآخرين بأن يحبوننا سنشبه الله، لأننا عشنا جزء من طبيعته فالله محبة.
هنا سنفهم لماذا أسرعت العذراء مريم لخدمة نسيبتها أليصابات. علاقات المحبة، ليست مشاعر، هي أفعال ملموسة، هي اهتمام وشغف بالآخر ومشاركته لظروفه ومشكلاته. عكس الحب هو اللامبالاة، كما شرحها يسوع في مثل السامري الصالح، اللامبالاة هي أن نعيش حياتنا ونختار ما نريد أن نراه ونتجاهل كل شيء آخر.
إذا كانت لدي مشكلة في العلاقات مع أقرب الناس إلي، يدعونا الميلاد إلى البدء من جديد. إلى المحاولة مرة ثانية وثالثة ومائة. لأنه دون هذه المحاولات لن نصل في أن نكون شبهه، على صورته ومثاله، فجوهر الله هو المحبة. يعلمنا القديس يوسف كيف نحقق كمال صورتنا التي خلقنا عليها الله. فكر في البداية أن يتخلى عن مريم سرًا، لم يشهر بها أمام الناس لئلا ترجم حسب الشريعة. بدلاً من التفكير في نفسه يفكر في إنقاذ مريم وهذا شيء جميل جداً لأنه يعكس جوهر الحب. أنت تحب عندما تعطي الأولوية للشخص الذي تحبه مهما كانت التكلفة. أنت تحب عندما تحمل مسئولية الشخص الذي تحبه أكثر مما تهتم لنفسك.
لنطلب من الله أن ينير قلوبنا، كما صلي فرنسيس الأسيزي أمام المصلوب قائلا: “أنَر ظلمات قلبي” أترك نورك يضيئ ويبدد شيئًا فشيئًا ظلمات القلب. عندما يسقط بصيص من نور المسيح في قلوبنا، “كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ” مصباح صغير قادر أن يبدد ظلمة الليل، لكن سنظل محاطين بالظلام، عدا المسافة القريبة التي يُنيرها المصباح. هنا يقول بطرس: “حتَّى يَطلَعَ الفَجْرُ ويُشرِقَ كَوكَبُ الصُّبحِ في قُلوبِكم”. البداية من شعاع نور يسكن قلبك، وشيئًا فشيئًا يشرق داخلك كوكب الصبح المنير، فتصير شبيها لله وتكتمل صورته فيك.