إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الخدمة لقاء رجاء مُتجدد

0 334

يظن الكثيرون أن الخدمة هي رسالة ما تُقدم إلى الآخرين، أو عملاً يقوم به خادم ليساعد آخرين في تنمية إيمانهم، لكن حقيقية الأمر إن الخدمة هي لقاء مُتجدد لشخص الخادم بالمسيح القائم.

لقاء تلميذي عماوس بالمسيح القائم

يلتقي يسوع القائم بتلميذي عماوس في رحلة هروبهم من أورشليم. يجب التوقف في البداية عند حقيقة الشخصين الذين كتب عنهم مرقس قائلا: “وظهَرَ يَسوعُ بَعدَ ذلِكَ بِهَيئَةٍ أُخرى لاَثنَينِ مِن التلاميذِ وهُما في الطَّريقِ إلى البرِّيَّةِ. فرَجَعا وأخبرا الآخرينَ (الموجودين في العليّة)، فما صدَّقوهُما” (مرقس 13: 12- 13). في حين يقدم لوقا وصفًا تفصيلاً لهذا اللقاء، لأنه كان أحد التلميذين، وفقا للتقليد الكنسي، وأشار فقط لاسم أحدهما “كليوباس” ولم يّشر إلى نفسه، تواضعًا منه، كما فعل القديس يوحنا في إنجيله. يضع التقليد الكنسي هذان التلميذان ضّمن السبعين رسولاً الذي أرسلهم يسوع في لوقا 10: 1-12.

تلميذي عماوس هما “تلميذان” كسائر التلاميذ الذين دعاهم يسوع الذين اختارهم في حياته الأرضية. دعاهم للخدمة والانطلاق لنقل البشارة إلى الآخرين. فعل التلميذان كل شيء، حملوا البشرى ورجعوا فرحين قائلين: «يا رَبُّ، حتى الشَّياطينُ تَخضَعُ لنا باَسمِكَ». فرحوا بالخدمة والسلطة: “وها أنا أُعطيكُم سُلطانًا تَدوسونَ بِه الأفاعي والعقارِبَ وكُلَ قُوَّةٍ للعَدُوِّ، ولا يضُرُّكُم شيءٌ” (لوقا 10: 19). تخلى التلميذان عن كل شيء وتبعوا يسوع في مسيرته، رأو معجزاته، وسمعوا تعاليمه وارادوا أن ينقلوا خبرة الإيمان تلك إلى آخرين.

  1. فرح وتعزية الخدمة

تبدو الخدمة براقة وشيقة للكثيرين، فهي تمكن الشخص من قيادة الآخرين إلى هدف ما. فرح التلاميذ بالسطان الذي اعطي لهم: “سلطان تدوسون به الأفاعي والعقارب وكل قوة العدو”، سلطان يهزم الخوف من مخلوقات يخشاها الإنسان دوما. فرح التلاميذ بأن الشياطين تخضع لهم، فرحوا بالعمل الذي قاموا به، لكنهم عند عثرة الصليب والألام خافوا وهربوا من أورشليم.

سيطر الاحباط وخيبة الأمل بعد موت المسيح على الصليب ولم يعد هناك رجاء. شعرا التلميذان بحالة من الضياع وخيبة الأمل، بعد صلب المسيح. دفن الصليب كل رجاء لديهما، فيسوع  الذي قد بنيا عليه وجودهما قد مات مهزومًا، حاملًا معه إلى القبر كلّ تطلّعاتهما.

سبق للمسيح أن حذر التلميذين قبل أن يرسلهما إلى الرسالة منوهًا على صعوبة المهمة المُوكلة لهما: “اَذهَبوا، ها أنا أُرسِلُكُم مِثلَ الخِرافِ بَينَ الذِئابِ”. الخراف مهددة بخطر دائم مِن الذئاب. ذئابٌ برية تنهش جسد الإنسان، وهناك ذئابٌ داخلية تنهش قلب الإنسان الغير واثق في إيمانه.

عندما نصادف صعوبات في الخدمة نُشل في أماكنا ونتسائل: “أليس نخدم المسيح ضابط الكل وخالق كل شيء بكلمته” لماذا لا يمنحنا قوة أكبر لنتغلب على المشكلات؟ لماذا لا يقضي على الصعوبات ويسهل الطريق أمامنا؟ كيف أومن بانه خالق كل شيء وهو لا يقدم شيء لي ولمجموعتي. كذلك فعل تلميذي عماوس لم يستطيعا أن يؤمنا بأن المعلم الذي أقام الموتى وشفى المرضى يمكنه أن ينتهي معلّقا على صليب العار. لم يستطعا أن يفهما لماذا لم ينقذه الله القدير من موت كهذا مشين. إن صليب المسيح كان صليب الأفكار التي بنوها حول الله؛ إن موت المسيح كان موتًا لما كانا يتصوران أنه الله. لقد كانا هما بالحقيقة المائتين في قبر محدودية فهمهما (عظة البابا فرنسيس في مصر 29 أبريل 2017).

الصعوبة التي يصادفها الخادم هي فرصةٌ ثمينة تُتاح له ليتخلى عن فكرته الخاطئة عن الله، كمثل أيوب. وكم مِن مرّة يشلّ الإنسانُ نفسه حين يرفض أن يتخطّى فكرته الخاطئة عن الله، كم من مرّة ييأس الانسان حين يرفض الإيمان بأن قدرة الله ليست قدرة الجبروت والسلطان، بل أنها فقط قدرة المحبّة والمغفرة والحياة!

  1. الانهزام أمام الصعوبات فقدان للرجاء

الخدمة لا تستمر إلا بالرجاء وحده. الرجاء ليس مجرّد تفاؤل عند وجود صعوبات كثيرة في الطريق، صعوبات داخلية وخارجية، صعوبات ترجع إلى الكنيسة وإلى المخدومين، بأن كافة المشكلات ستنتهي. نغرق كثيرًا في الصعوبات التي تحيط بنا والنابعة من عدم إيماننا بثقة في الله، فننهزم أمامها، ونترك الخدمة، وأحيانًا كثيرة نفقد الإيمان.

الرجاء ليس هو القدرة على النظر للأمور وقبولها والمضي إلى الأمام. الرجاء ليس موقفًا إيجابيًّا أمام الصعوبات والمشاكل! والشخص الذي يرجو ليس الشخص الايجابي الذي يقبل كلّ شيء، إنها صفات حسنة ولكنها ليست رجاء! ليس من السهل أن نفهم الرجاء، فهو أكثر الفضائل تواضعًا لأنه يختبئ في يوميّات الحياة. يمكننا أن نشعر بالإيمان وأن نرى أعماله وكذلك المحبة! لكن ما هو الرجاء؟ كيف يكون موقف الإنسان الذي يرجو؟ يمكننا أن نقول قبل كل شيء أن الرجاء هو مخاطرة! إنه، كما يقول القديس بولس، فضيلة “الانتظار بفارغ الصبر لتجلّي ابن الله”، ولذا فهو ليس وهمًا.

  1. الرجاء الحقيقي

الرجاء هو انتظار وشوق لظهور مجد ابن الله وتجليه في حياة الشخص. في خضمّ اليأس، يقترب يسوع من التلميذين ويمشي على دربهما كي يتمكنا من اكتشاف أنه هو “الطريق والحقّ والحياة” (يو 14، 6). يقلب يسوع يأسهما إلى حياة، لأنّه عندما يموت الرجاء البشري، يبزغ نور الرجاء الإلهي: لأن “ما يُعجِزُ النَّاسَ فإِنَّ اللهَ عَليهِ قَدير” (لو 18، 27؛ 1، 37). فعندما يبلغ الإنسان قعر الفشل، وعدم قدرته، عندما يتجرّد من وهم أنه الأفضل، وأنه يكتفي بذاته، وأنه محور العالم، حينئذ يمدّ الله له يده ليحوّل ظلام ليلته إلى فجر، وحزنه إلى فرح، وموته إلى قيامة، وسيره للوراء إلى عودةٍ لأورشليم، أي إلى عودةٍ للحياة، وانتصار الصليب (عظة البابا فرنسيس في مصر 29 أبريل 2017).

إن تلميذيّ عمّاوس، في الحقيقة، بعد أن التقيا بالقائم من بين الأموات، رجعا ممتلئين بالغبطة وبالحماس مستعدين للشهادة. فقد أقامهما القائم من بين الأموات من قبر عدم إيمانهما وكربهما. ووجدا، حين التقيا بالمصلوب/القائم من بين الأموات، تفسيرا وتحقيقا لكلّ الكُتب المقدّسة، والشريعة والأنبياء؛ وجدا المعنى لهزيمة الصليب الظاهرية.

مَنْ لا يمرّ من خبرة الصليب إلى حقيقة القيامة، يحكمُ على نفسه باليأس! ولا يمكننا في الواقع أن نلتقي بالله ما لم نَصلُب أوّلًا أفكارنا المحدودة عن إله يعكس مفهومنا البشري للجبروت وللسُلطة: “لكِنْ لا تَفرَحوا بأنَّ الأرواحَ تَخضَعُ لكُم، بلِ اَفرَحوا بأنَّ أسماءَكُم مكتوبَةِ في السَّماواتِ”

  1. اللقاء بالمسيح القائم رجاء متجدد

توفر الخدمة وصعوباتها فرصة ثمنية للخدام في أن يتلاقوا مع المسيح القائم، في خضم الصعوبات التي يصادفونها في الحياة عموما وفي الرسالة بصفة خاصة. لقد حوّل اللقاءُ بيسوع القائم من الأموات حياةَ هذين التلميذين، لأن اللقاء بالقائم من الموت يحوّل كلّ حياة ويقلب أيّ عقم إلى خصوبة. في الواقع، إن القيامة ليست إيمانًا وُلِد في الكنيسة، بل إن الكنيسة وُلِدَت من الإيمان بالقيامة. يقول القدّيس بولس: “إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ” (1 كور 15، 14).

قد يعجبك ايضا
اترك رد