إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تدريبات التأمل 8

0 980

التدريب السابع: فائدة الفراغ

في البداية يجب أن نفرق بين كلمتي “الصلاة” و “التأمل”. نستخدم كلمة الصلاة عادة لوصف الاتصال بالله باستخدام الكلمات والأفكار البشرية. أما كلمة تأمل فتستخدم لوصف الاتصال بالله ولكن بأقل الكلمات الممكنة أو من الأفضل بدون العبارات البشرية. وتلك الأخيرة التي يقصدها القديس يوحنا الصليبي في كتابة “ليل الظلمات”.

هنا يظهر السؤال: عندما أمارس تدريبا من التدريبات السابقة للتحكم في الشعور بالجسد أو لضبط التنفس هي أَتصل بالله؟ الإجابة هي نعم …! فأغلب المتصوفين في الديانات المختلفة أجمعوا على أن العقل والقلب البشريين قادرين على الاتصال بالله دون الحاجة إلى استخدام الكلمات. ولكننا تعودنا على الاتصال به بصورة غير مباشرة عن طريق الكلمات والأفكار والتصورات البشرية والتي تظل دائما قاصرة على الاتصال به لأنه روح قدوس. وإذا استطعنا تجاوز تلك الكلمات والأفكار واستخدمنا قدرتنا “الروحية” كنا قادرين على الاتصال به. سنطلق على تلك القدرة لفظة “القلب”، وهي ليس القلب اللحمي الذي نعرفه، أو المرتبط بالمشاعر والحياة العاطفية، بل روح الإنسان.

وللاتصال بالله يلزم تنمية قدراتنا “الروحية” تلك. وشرط النمو الأول هو تنقية الذهن من كل قوالب الأفكار والعبارات والتصورات البشرية التي تحول بينا وبين الله، من حيث كونه روح لا يحتاج إلى تلك الوسائل البشرية أثناء اتصالنا به. الكلمات تعيق الاتصال أكثر ما تيسره. فالصمت عن الكلمات والأفكار يمكن أن يصبح أكثر وسائل الاتصال فاعلية، خاصة عندما يجمع الحب بين قلبين. فالمحب يمكن له أن ينقل رسائل كثيرة لمحبوبته من خلال نظرات العينين دون الحاجة إلى الكلام. ولكن إذا كان هذا هو حال العشاق، فتكفي نظرة واحدة لتعبر عن يكنه كل شخص للأخر، فكيف لنا أن نتواصل مع الله الذي لا نراه؟ كيف نتصل بالغير مرئي دون كلمات أو أفكار؟

ينصح المتصوفون بأن يركز الإنسان في اتصاله بالله بهذا “الفراغ” الغير منظور، الذي يبدو صعبا للوهلة الأولي ولكنه غير ذلك عندما يختبره الإنسان. وبالطبع لا يستطيع الإنسان التواصل مع هذا “الفراغ” ما لم يكن عقله خاليا من التشويش والأفكار. ويخشى الكثير من المبتدئين إنه في اللحظات الأولى للصلاة بهذه الطريقة لا يشعرون بشيء، ولا يفعلون شيء، بل يضيعون الوقت في شيء غير مفيد، فما الفائدة أن أبقي عقلا فارغا من الأفكار والكلمات؟ وما الفائدة من الدخول في مرحلة “الفراغ” تلك؟ وللهروب من القلق الذي يسببه البقاء مفرغين من الأفكار، يلجأ الإنسان إلى التفكير والكلام مع الله في الصلاة، وهذا هو الشيء الوحيد الغير مرغوب في تلك المرحلة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد