إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رياضة روحية لطلبة اللاهوت بالمعادي-التهيئة

0 897

الموضوع فصول الحياة الروحية الأربعة
الرياضة الروحيّة
مقدمة:
“وكانَتِ الأَرضُ خاوِيةً خالِية وعلى وَجهِ الغَمْرِ ظَلام”…

أول آيات الكتاب تكشف لنا عن الفوضى التي كانت تّعم الكون.. وعمل الله تم في وسط هذه الفوضى..

الفوضى ليست شر، ولا شيء سيء، هي حالة من عدم النظام تحتاج إلى ترتيب وتنظيم. عمل الله من خلال الفوضى فخرج نظام بديع للخليفة والكون وكان كل شيء حسنٌ، بل حسنٌ جداً.

ربما تسير حياتنا، رغم تنوع التزاماتها، في هذه الحالة من الفوضى التي تحتاج إلى إعادة ترتيب، إلى خلق جديد، تحتاج إلى “وقفة” ندعوه فيها الله إلى استكمال عمله، بالتنظيم والخلق الجديد.

وربما تسير حياتنا، وفقا لإيقاعات مختلفة ومناسبات متـنوّعة، كما الحال في الطبيعة، هناك فصول، وليل ونهار، وجفاف وخصوبة.. فصول فنقول ربيع العمر، خريف العمر وهكذا. تسير حياتنا الروحية على نفس القاعدة فهناك، ليل ونهار، جفاف وخصوبة، فصول للمسيرة الروحية كل واحد منا.

سنخصص هذه الرياضة للكلام على الفصول الروحية الأربعة

فصل الربيع: زمن اليقظة
فصل الصيف: زمن الاهتداء
فصل الخريف: زمن الانتصار على الخوف
فصل الشتاء: زمن المثابرة

الرياضة الروحية هي الزمن السنوي الفريد للمسيحي الملتزم، يبغي من خلاله تكسير الرتابة، بإعطائه رؤية جديدة، أو متجدّدة، لواقع حياته، إعادة تنظيم وتجديد التزامه بنداءات ملكوت الله، الذي حلّ فيه منذ معموديته، والتزمَ عيشه بشكل كامل ومجاني ومكثّف من خلال التزامه وجديّته في الالتزام.

غاية:
الغاية الأساسية من الرياضة هي الاختبار الشخصي في اللقاء بالرب، لكي نتمكّن من “التقدّم في حبه، وفي اتّباعه” (رياضات القديس اغناطيوس/ ١٠٤). خطوات وأدوات:

– التأهّب:
عليّ في بداية الرياضة “أن أضع الآن جانباً مشاكلي الحياتية، لا عن عدم مبالاة أو عن تهرّب، بل عن يقين وإيمان بأني، إن دخلتُ في اتحاد ثابت بالله، أضاءني نوره وطهّرني، وعمل الله عمله في صميم كياني، وأرشدني إلى العمل بمشيئته”.

لذلك، قبل أي فعل، أدخلُ إلى قلبي وأنتظر، فالرب سيزورني، الآن، من خلال الرياضة المقدسة. الرب يدعوني إلى اللقاء معه!.. الرب، الذي يحبني، يدعوني أن يختلي بي، كالحبيب الذي يرغب لقاء من يحب في البرّية (هوشع٢/١٦).. الرياضة هي لقاء البرّية.. لا بل لقاء “ما وراء البرية” (خروج٣/١). وأنا بدوري أيضاً أريد لقاء الرب. أُفرّغ ذاتي لأجل “من أحبَّته نفسي” (نشيد٣/١)، “فأنا له وهو لي” (نشيد٢/١٦).

أسألُ نفسي أولاً: هل أريد حقاً أن ألتقي الرب في الرياضة؟.. هل أنا متأهّب لهذا اللقاء؟… أم أن هناك دوافع أخرى جعلتني آتي إلى الرياضة!! الواجب مثلاً، أو الاستجمام والراحة،.. عليّ في بداية الرياضة أن أقوم بتنقية دوافعي (مت٢٠/٢٠-٣٤).. ماذا أريد من الرياضة؟..

إن الاستعداد الشخصي للرياضة والرغبة فيها أهم عنصران لتحقيق رياضة مفيدة.

٢ – اللقاء مع الذات:
الرياضة تالياً لقاء مع الذات.. مراجعة حياة.. تجديد للمواهب الروحيّة والإنسانيّة، والبحث عن المواهب التي لا تزال كامنة فيّ كالكنز الثمين، وما أكثرها!.. طالما أن المعطي هو الله..

الرياضة مصالحة جديدة مع الذات بكل ما تحمل من أمجاد وكبوات، دون غرور أو انكسار.. فهي رؤية أو “إعادة رؤية”: إنَّ يونغ (الكبير في علم التحليل النفسي) يضيف على فضائل القديس بولس الرسول: “الإيمان والرجاء والمحبة” (١كور١٣/١٣)، فضيلة رابعة هي: “الرؤية” أو “التبصّر”. أي أن معاني الحياة والوجود والعلاقات تأخذ عمقها من خلال نظرتنا لها (أنظر: مت٦/٢٢). «سِراجُ الجَسَدِ هو العَين. فإِن كانَت عَينُكَ سَليمة، كانَ جَسدُكَ كُلُّه نَيِّراً. وإِن كانت عَينُكَ مَريضة، كانَ جَسدُكَ كُلُّه مُظلِماً. فإِذا كانَ النُّورُ الَّذي فيكَ ظَلاماً، فَيا لَه مِن ظَلام!”. ربما، نحن بحاجة، في زمن الرياضة المقدس، إلى رؤى جديدة، أو إلى “إعادة رؤية” لما نحن من حياة ووجود وعلاقات والتزامات على ضوء علاقتنا بالرب (لو٢٤/ ١٣-تلميذي عماوس).

الرياضة حركة توبة عميقة. والتوبة، بحسب تفسير الآباء للفظتها اليونانية Metanoia، تشمل تجديد الكيان كلّه بنور الروح القدس، وهي تليق “بالبار والخاطئ على السواء”.

٣ – التمرّس على كلمة الله:
أقرأ النصوص كأنّي أتذوّقها للمرة الأولى، ولديّ الإيمان أن ما كُتب هو من أجلي ولأجل خلاصي وفائدتي. فأختار ما يناسبني منها لكي أتأمّـل فيه. ابدأ تأملي في النصوص بتمارين قصيرة للاسترخاء وللتخلص من التوتر، ثم أقرا النص بعناية وأسال نفسي ثلاث أسئلة أساسية:

• ما هي المعلومات المفقودة بالنص والتي يمكن لي إدراجها دون الاخلال بالنص

• ما هو الشيء الشيق الذي كنت أود أن أعرفه ولم يذكره النص.. مثلا كنت أتمنى أن يقول النص كذا

• اترك لنفسي فرصة الاحساس بالمؤثرات الطبيعية الموجودة بالنص، رياح عاصفة، ترحال، ظلال..الخ

– تجديد لروح الصلاة والتأمل والمشاركة التي تميّز حياتي الملتزمة..

خاتمة
إن برنامج الرياضة وموضوعها، مع المرشد، والدير، والطبيعة، والصمت، ما هي سوى عناصر مساعدة لتفعيل تجاوبك مع عمل الروح القدس في الرياضة المقدّسة، ويبقى الرب وأنت الأساسين فيها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد