مثل العذارى
أصعب شيء في الحياة هو الانتظار.. جميعًا مررنا بهذا الاختبار. انتظرنا بفارغ الصبر مرور وقت معين لتحقيق أمنية مثل صدور نتائج الامتحانات، أو خطاب القبول والرفض لوظيفة ما. نشعر أن الوقت يمر بطيئًا ثقيلاً. ولكن أصعب أنواع الانتظار هو انتظار العروس لعريسها المسافر، وهي لا تعرف موعد عودته، خاصة إذا قام بتأجيل مجيئه لعدة مرات. لكن ما هو المطلوب من العروس في مثل هذه الأحوال؟ بالطبع أن تبقى وفيةً لعريسها، وأن تنتظره بصبر وأناة، وأن تتوقع عودته إليها بالرغم من تأخره. وعندما تعلم بقرب مجيئه عليها أن تهيء نفسها، وتزين حالها لاستقبال العريس بشوق ولهفة. لكن إذا أتى العريس ولم يجد عروسه مستعدة لاستقباله، ماذا يكون رد فعله يا ترى؟
لقد شبه المخلص يسوع المسيح انتظار المؤمنين له في مجيئه الثاني بالعروس التي تنتظر عريسها فقال ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس. وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات. أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً. وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن. وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن ( بشارة مّتى٢٥: ١- ٥)
ْ
دعونا نتأمل الآن أعزائي بالقسم الأول من هذا المثل. من الملاحظ هنا أن العشر عذارى خرجن جميعهن للقاء العريس مع مصابيحهن. وبتعبير آخر إن العذارى العشرة جميعاً عليهن اسم المسيح، أو هن مسيحيات. وكمسيحيات نجدهم ينتظرن عودة المخّلص الرب يسوع المسيح في مجيئه الثاني الباهر، لا بل قد خرجن للقائه. لكن المشكلة أن خمساً منهن كن جاهلات وخمساً كن حكيمات.
لعلّ الذي يميز الجاهلات عن الحكيمات، أن الجاهلات لم يأخذن زيتاً في مصابيحهن، بينما أخذت الحكيمات زيتاً في آنيتهن. أي أن الجاهلات لم يكن في مصابيحهن منذ البداية زيتاً، وليس أن الزيت قد نفذ لديهن. فما هو المقصود بالزيت هنا؟ من المعروف أن المصابيح لا تشتعل بدون الزيت، أي تصبح عديمة الفائدة. وهكذا الإنسان المسيحي إذا لم يختبر خلاص الله ويحل الروح القدس في داخله، يكون كالمصباح من دون الزيت. ولقد وصف المخّلص المسيح أولاد الله بأنهم نور للعالم. فكيف بإمكان الشخص المسيحي أن يكون نوراً للعالم، إن لم يكن هو شخصياً يستمد نوره من النور الحقيقي الذي هو الفادي المسيح؟ ألا يكون عندها كالمصباح الذي لا يوجد فيه زيت؟ أي مجرد مصباح لا يعطي ضوءاً البتة وعديم الفائدة. هكذا المسيحي الذي لم يختبر نعمة الله في حياته يكون ميتاً روحياً، ولا يستطيع أن يساعد نفسه فكم بالحري الآخرين.
لكن الأمر الغريب هنا أن العذارى جميعاً الجاهلات منهن والحكيمات نعسن جميعهن ونمن، بسب إبطاء العريس. أي أن الجميع تعبوا من الانتظار وناموا نوماً روحياً. أليس هذا ما حصل؟ وكأن المسيح في مثله هذا تنبأ عما سيحصل للمسيحيين بعد قرون عديدة من صعوده إلى السماء. فقد أتى وقت نسي فيه المسيحيون وعد المسيح لهم أنه سيأتي ثانية، بعد أن طال انتظارهم له. لكن والشكر لله أن هذا النوم لم يستمر طويلاً.
نلاحظ هنا أن جميع العذارى الحكيمات منهن والجاهلات قد استيقظن لدى سماعهن للصراخ في منتصف الليل. صحيح أن المسيحيين ناموا نوماً روحياً لقرون عديدة، لكّنهم استيقظوا وانتعشوا روحياً في القرون الأخيرة، أي أصلحوا مصابيحهم، وهم ينتظرون مجيء المسيح ثانية. لكن هذا لا ينفي أّنهم ما زالوا منقسمين إلى عذارى حكيمات وعذارى جاهلات. لقد حاولت العذارى الجاهلات بالاعتماد على جهودهن إصلاح مصابيحهن، ويبدو أن محاولاتهم باءت بالفشل. إن الإنسان الذي لم يختبر خلاص الله، ولم يصبح من أولاده، من المستحيل عليه كما ذكرنا قبل قليل أن يكون في وضع روحي سليم، أو أن ينجح في حياته الروحية. لذا نجد أن العذارى الجاهلات وقد اكتشفن عجزهن لجأن إلى العذارى الحكيمات طالبين مساعدتهن، لأن مصابيحهن تنطفئ. والحقيقة أن العذارى الحكيمات لا يستطعن إعطاء الزيت للجاهلات، والسبب لأن على كل إنسان أن يختبر شخصياً نعمة الله، وأن يسكن الروح القدس في داخله. ومن المستحيل على أ ي شخص أن يهب هذا الاختبار لأي شخص آخر. فأنا لا أستطيع أن أتوب عن أي شخص آخر أو أؤمن بفداء المسيح لخطاياه، حتى ولو كان أعز الأصدقاء. ولهذا نجد العذارى الحكيمات يعتذرن عن تلبية هذا الطلب المستحيل. أليس هذا ما يحصل أعزائي: فكم من إنسان نراه يلجأ لأحد المؤمنين طالباً منه الصلاة من أجله لكي يقبله الله. لكن هذا الطلب مستحيل لأن لا أحد يستطيع أن يرفع صلاة من أجل غيره لكي يقبله الله. أما قول العذارى الحكيمات
للجاهلات اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن الزيت، فهو دليل على استحالة هذا الطلب لأنه لا يوجد من يستطيع أن يبيع هذا الأمر. إن على كل إنسان أن يتواضع ويتوجه إلى الله طالباً منه الصفح والغفران.
وبينما العذارى الجاهلات في عجلة وحيرة من أمرهن، إذا بالعريس أي المخّلص يسوع المسيح يأتي في مجيئه الثاني الباهر. والعذارى الحكيمات أي كل من اختبر خلاص الله يدخل معه إلى الأمجاد السماوية. وأُغلق الباب أي انتهى زمان التوبة وطلب الغفران. وعندما طالبت العذارى الجاهلات بفتح الباب، أي إعطائه ن الفرصة للتوبة مرة أخرى، جاءهن الجواب الحق أقول لكن إني ما أعرفكن
فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا » : لقد أوضح المخّلص يسوع المسيح قصده من هذا المثل عندما قال في الختام
أما كيفية السهر الحقيقي فتكون بأن يأتي كل واحد مّنا إلى الله بالتوبة والإيمان بشخص .«
الساعة التي يأتي فيها ابن الانسان الفادي يسوع المسيح، وأن يصبح من أولاد الله، ويسكن روحه القدوس في قلبه. هل تود صديقي أن تكون مستعداً لمجيء المسيح ثانية الذي سيأتي بغتة وفي أية لحظة؟ تواضع أمام الله واعترف بحقيقة نفسك الخاطئة، واقبل بالإيمان فداء المسيح لذنوبك. وعندها تصبح من العذارى الحكيمات المستعدات لاستقبال المسيح، وتحيا معه إلى الأبد في الأمجاد السماوية.