من اليأس إلى الرجاء
لو ١/٧: “وما كانَ لَهُما ولَدٌ، لأنَّ أليصاباتَ كانَت عاقِرًا”
في عرف العهد القديم كان الوَلَد بركة من الله للوالدين، لذا يشدّد لوقا على عقر اليصابات وشيخوختها ليجعل من الحبل بيوحنا عملاً إلهيًا عجيبًا. لاليصابات في التوراة مثيلات: سارة، ورفقة، وراحيل، وأم شمشمون، وحنة أم صموئيل.
ْ
هذه الولادة تمّت لامرأة انتظرت طويلاً قبل أن تلد فاعتُبرت عاقرًا. تملكت المرأة مشاعر يأس قاتلة واحباط شديد وهي تنتظر وتنتظر. قديمًا لم تكن هناك الوسائل الطبية المتاحة اليوم التي منها يمكن الاطمئنان عن سبب العقم، ويمكن علاجه. فإذا عُرف السبب، فإن مشاعر اليأس تخفت وتسمح بمساحة من الأمل بعد تمام فترة العلاج، أو التدخل الجراحي. بل على العكس كان اليأس يزداد يومًا بعد يوم مع تقدم السن. عبر زكريا، عن هذا اليأس بكلمات موجزة : “وأنا شَيخِ كَبـيرٌ واَمرأتي عَجوزٌ؟”. كلمات زكريا لا تعكس شكًا، بل تعبر عن اليأس الذي امتلكه وامتلك امرأته بعد أن تقدم العمر.
واليأس يولد الحزن.. فالشيء الذي نطلبه لا نحصل عليه، فنحزن ونشعر إن الله لا يسمعنا، لا يستجب لنا. نشعر إن الله يتعمد بعد الاستجابة، فهو السبب في شقائنا. هل كان يضر الله أن يرزقني بابن، هل يضر الله شيء، وهو خالق السماء والأرض، أن ينزع عاري بين الناس. كلمات الناس خناجر في قلبي، ونظراتهم تقتلني. عندما أرى طفل ترمقني أمه بنظرة تحمل شفقة عليَّ، أنا المحرومة من الأمومة، ونظرة توجس وخوف منى على ولديها. هناك ألم أكبر، فأنا”تقول العاقر في نفسها” مُستبعدة من مخطط الله الخلاصي، أنا مهمشة محتقرة من الله، من المجتمع، من زوجها وإن لم يقلها صراحة، وخاصة من ذاتها.
إن ولادة يوحنا هي إعادة اعتبار لقيمة أليصابات ولدورها في مخطط الله الخلاصي، هي إعلان لها وللناس جميعًا أن الله لا ينسى أحد، لا أحد مُستثنى من مخطط الله الخلاصي وأن الخلاص هو للجميع. هي رسالة رجاء لإليصابات وزكريّا، ولنا كلّنا، فالله يتدخّل ويعمل في حياتنا، حتى عندما نفقد الأمل ونخضع لواقعنا، فالله لا يخضع لبرامجنا، وهو القادر على كلّ شيء
فمشاعر اليأس وقلق الانتظار والحزن التي تملكت اليصابات وزكريا، سارة وإبراهيم هي مشاعرنا اليوم عندما نطلب الله راجين استجابته دون جدوى. غالبًا ما نطلب الى الله بأن يكون حاضرًا لنا وجاهزًا لتلبية حاجاتنا، فقط عندما نريد نحن، هل نحن جاهزون لسماع كلامه وتحقيق ما يريده منّا، عندما يريد هو؟ علينا أن نطلب من الله ليس الشيئ السهل، بل الشيء الذي لا يمكننا تحقيقه. في أحلك ظلمات حياتنا نحن مدعوون أن نؤمن ان المستحيل عند الانسان هو ممكن عند الله. مدعوون أن نؤمن بان عمل الله يبدأ في تاريخنا عندما يزول كل أمل وعندما تُستنفد جميع المحاولات والطرق البشرية المألوفة. المحنة تضع إيماننا على المحك، فهي فرصة يُمتحن فيها إيماننا وتوصلنا الى إدراك عمق سّر الله. وهذا ما نراه ظاهرًا في كل صفحات الكتاب المقدس”فقال لهم: أين إيمانكم؟ عندما يعجز الإنسان وتُوصد أمامه أبواب الأمل لا يجد أمامه إلا الرجاء الإلهي. كما فعل إبراهيم هذا الرجاء ليس محكومًا بالظروف السائدة، ولا بالإمكانات البشرية المُتاحة، ولا يتوقف على ما يمتلكه الإنسان، أو على ما يستطيع القيام به، لكنه يتوقف على مقدار الإيمان. ” وآمَنَ إبراهيمُ راجِيًا حيثُ لا رجاءَ، فَصارَ أبًا لأُممٍ كثيرةٍ” (رو١٨:٤). لم يكن في ظروفه وإمكاناته ما يبرِّر رجاءه في أن تلد له سارة ابنًا في شيخوختهما لكن لأنه آمن بالله فكان له رجاء في مواعيد الله. فعلى خلاف الرجاء الإنساني آمن إبراهيم على الرجاء الإلهي. لنرجو الله واثقين في تدخلاته العجيبة في حياتنا، لنرجو الله عندما نفقد الأمل في شيء ما، عندما نعجز عن حل مشكلة تؤرقنا، عندما تُستنفذ كل امكانيات الحل… هنا الرجاء المملؤء أمل في تدخل الله في حياتنا.