إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

مطحنة الحياة.. نعمة!

358

هروب موسى من وجه فرعون (سفر الخروج: 2: 1- 15أ)

حياة موسى هي حياة إنسان عاش ظروف غير طبيعية وأحداث جسام  مُنذ مولده، بدءً من وضعه في سلة من الخوص في النهر، حتى عثور ابنه فرعون عليه ورعايته من جانب أمه التي عملت كمرضعة له حتى أصبح شاباً في بلاط فرعون. استقر موسى في بلاط فرعون، في قصره، في مستوى مادي واجتماعي أفضل بكثير لو عاش وسط شعبه. لكن تبدل كل شيء في يوم وليلة، أصبح مطارد من فرعون لقتله رجل، هرب إلى البرية خوفًا من مطارديه، ثم قاد الشعب كله للخروج من مصر. لم يعرف موسى الاستقرار سوى في سنوات إقامته في بلاط فرعون.

كثيرًا ما تحمل الحياة لنا مفاجأت كثيرة، تكون الحياة مُستقرة هادئة، ثم يأتي شيء ما غامض يقلب حياتك رأسًا على عقب. تهتز بشدة وتخاف أن تنهار حياتك. عشنا جميعًا ومازلنا نعيش ظروف صعبة من عدم الاستقرار في مصر في أعقاب ثورة يناير 2011 مازلنا نعاني من تبعاتها حتى الآن. فهل الحياة المُستقرة نعمة نصلي للرب أن ينعهم بها علينا؟ أم إن هناك نعم وبركات من حالة عدم الاستقرار؟

كل حالة عدم استقرار تحمل بركة كبيرة علينا أن نفهمها ونكتشفها. لا يسمح الرب بأن تكسرنا المحن والتجارب وإنما هي ضرورية لكي ننمو في معرفته ومحبته. لنقرأ هذه الآيات الرائعة في سفر التثنية الإصحاح 32: “10لقِيَهُم في أرضٍ برِّيَّةٍ، وفي مَتاهةٍ مهجورةٍ بعيدةٍ، فأَحَاطَ بِهِم وَلاحَظَهُم وَصَانَهُم كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. 11وكالنَّسرِ الذي يَغارُ على عِشِّهِ، وعلى فِراخه يَرِفُّ، فيَفرُشُ جناحَيهِ لِيأخذَهُم ويحمِلَهُم على ريشِهِ، 12اَقْتادَهُمُ الرّبُّ بِمُفرَدِهِ، مِنْ دونِ إلهٍ غريبٍ. 13أقامَهُم على مَشارِفِ الأرضِ وأطعَمَهُم مِنْ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ. أرضَعَهُم عسَلاً مِنَ الصَّخرِ، وزيتًا مِنْ حجرِ الصَّوَّانِ“.

في البرية الموحشة تعرض الشعب إلى أقصى تجارب الخوف من المجهول والعطش والجوع وهجوم الحيوانات المفترسة. استمرت الرحلة أربعين عامًا، وهي لا تستغرق إلا أيامًا، عاشوا في متاهة كبيرة ومهجورة، ظنوا إنهم هالكون لا محالة، إلا إن الرب يعلن لهم بوضوح إنه أحاط بهم ولاحظهم وصانهم كحدقة عينه. ثم يستخدم الوحي الإلهي تشبيه النسر الذي يحوم حول عش الصغار وفي وقت معين يضرب العش ليسقط ليُجْبِر صغاره على فرد أجنحتهم الصغيرة في الهواء فيتمكنوا من الطيران لأول مرة. يظل يراقبهم من فوق، وإذا رأي صغيرًا سيسقط على الأرض بسبب تيارات الهواء أو الخوف يُسرع طائرًا ليّبقى أسفله ليضع جناحه كوسادة يسقط عليها الصغير. هكذا صنع الله مع شعبه اقتادهم حتى تحرورا من عبادة الآلهة الغربية، أقتادهم في متاهة خصيصًا ليعدهم ليدخلوا أرض الميعاد مُحررين من أفكارهم البالية. رافقهم في رحلتهم وأطعمهم من ثمار الصحراء وأرضعهم عسلا من الصخر وزيتا من حجر الصوان ليدل على عنايته بهم في وقت ظنوا إنه تخلى عنهم.

عدم الاستقرار في حياة موسى هو مثال لعدم استقرار حياة كل منّا، هي مرحلة الغربلة: “سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ”. (لوقا 22: 32- 33). فلابد أن تهتز بشدة نتيجة الغربلة الشديدة لتتنقى كالحنطة، ينفصل عنك كل ما هو غير ضروري كالقش، وليظهر جوهرك الثمين. هكذا صنع الله مع موسى، مع يوسف مع كافة الأنبياء، معك أنت شخصيًا قارئ هذا التأمل. يقوم الله بغربلتك لتجهيزك كقصده وتنقية قلبك لتكون أهلا أن تكون معه في شركة إلى الأبد، لأن تشارك في حياته الأبدية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.