إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تاريخ الحياة المكرسة (10): الحياة النسكية في الشرق

1٬364

أخذت الحياة النسكية توجّهًا جديدًا في أسيا الصغرى بقيادة القدّيس باسيليوس الكبير. فمن نمط حياةٍ ديريةٍ شعبية متاحة للجميع، “أصبحت مدرسةً لتعلم الروحانية”، متأثّرة تأثّرًا كلامًا بإرث الإسكندرية، وفوق كلّ شيء بأورجينوس. وبسبب مساهمات القديس باسيليوس في اللاهوت وبنية الحياة الديرية، أعلنه الجميع أبًا للحياة الرهبانية في الشرق كله.

  1. القديس باسيليوس الكبير

يُعد القديس باسيليوس هو أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الكنيسة قاطبة، لُقب بالكبير لتأثيره البالغ في التاريخ الكنسي والرهباني في القرون الخمس الأولى. فقد وُلِدَ باسيليوس بكبادوكية[1] على أرجح الآراء ـ سنة 329م، وهو ينتسب إلى أسرة مسيحية كبيرة هربت من اضطهاد مكسيمينوس الثاني، أكبرها أخته ماكرينا التي ستعلب دورًا مهمًا في أخيها الأصغر باسيليوس، وفقا لسيرتها التي دونها شقيقها غريغوريوس أسقف نيص.أسرة ضمت ثلاث أسقافة وهم: باسيليوس (موضوع دراستنا) على قيصرية، وغريغوريوس على نيص، وبطرس على سبسطية.

درس الفلسفة في القسطنطينية، وتعمق في علم التاريخ واللغة اليونانية وآدابها وفلسفتها. استطاع أن يبني في القسطنطينية صداقات عدة، ولكن تبقى صداقته للاهوتي الكبير القديس غريغوريوس النزينزي أعمقها وغدت صداقتهما فصلاً رائعًا في تاريخ الآباء. أرتحلا كليهما، في فترات زمنية متقاربة، إلى أثينا،  مركز الآداب والمعرفة في العالم القديم وقتئذ. إتصل الأثنا بالغنوصية الوثنية اليونانية والهرطقة الآريوسية. فدافع غريغوريوس النزينزي وأخيه غريغوريوس النيصي عن سمو الله وألوهية المسيح ضد الأريوسيين وأدرجا أيضًا المسيحية الغنوصية الأرثوذكسية في الروحانية الرهبانية النسكية.

عند عودته أستاذا تطلع إلى المراكز العالية بفضل سعة علمه وثقافته، إلا إن أخته ماكرينا، وهي امرأة قوية وذكية، ساعدته كثيرًا على العودة إلى حياته الطبيعية  وإلى المثل والقيم التي نمى عليها، وظلت تذكره بالتربية التي تلقاها في بيت والده، ونجحت أخيرًا في عودته إلى صوابه. وعند هذا الارتداد اقتبل القديس باسيليوس سرّ المعمودية.

  • نظام باسيليوس الرهباني

حين كان باسيليوس شابًا، شعر بالدعوة إلى الحياة الزاهدة. فسافر إلى مصر وسورية وبلاد ما بين النهرين، وعاش أسلوب الحياة الرهبانية الديرية لفترةٍ من الزمن. ثم عاد إلى مسقط رأسه، فوزع كلّ أملاكه على الفقراء، وعاش متوحدًا في بقعة البنطس تسمى إيبورا على نهر الإيرس، لما تمتاز به من جمال طبيعي خلاب وهدوء. كان يعشق الطبيعة، وله تأملات كثيرة في المخلوقات التي يصفها كعالم معتكف على دراستها متأملاً حكمة الله في خلقتها بفنٍ وجمال. من خلال الأشياء المنظورة يمكن للإنسان أن يصل إلى غير المنظور. سرعان ما عُرف باسيليوس في حياته الجديدة وذاعت شهرته، فأصبح نواة تجمع حوله نساك البنطس وكبادوكية.

لم يعتبر باسيليوس حياة الترهب شيئًا استثنائيًا أو دعوة خاصة. وتفادي حتى استعمال تعبير “راهب” واعتبر إن المتوحدين والرهبان مسيحيين فقط. فالحياة الرهبانية هي النتيجة المنطقية لما يتعهده المسيحي في معموديته. فليس هناك طبقتان من المسيحيين: طبقة الحياة النسكية التي هي أقرب إلى الكمال، وطبقة المسيحيين العاديّين، فالجميع مدعوين إلى الكمال المسيحي.

من خلال عزلته النائية أكتشف باسيليوس إلى أن الحياة النسكية والانقطاع التام عن العالم للعيش في الزهد والخلوة والتقشف، يساعد النفس كثيرًا على الاتحاد بالله. إلا أن الحياة النسكية المنفردة تعرّض الإنسان للكبرياء والغرور، لأن الفضيلة عند العاملين بها لا تخضع للتجربة وللمقابلة لأن الناسك لا يتعرض فيها للاحتكاك مع الآخرين والدخول في عراك حياة الجماعة، ويقلل من الخبرات والتجارب له. كما إن هذا النمط من الحياة تبعد الناسك عن العيش مع الآخرين الذين قد يفيدونه بأمثلتهم الفاضلة ونصائحهم الرشيدة[2]. أما الحياة الرهبانية الرسولية والجماعية فهي أكثر حركة ونشاطًا وأكثر منفعة للآخرين. لكنها لا تخلو من الانشغال الباطل والانفعالات. فالأديرة الكبيرة العامرة بالرهبان، خصوصًا في الأديرة المصرية كانت كثيرة الضجيج، فالضوضاء كانت ترتفع من آلات الصناعات الكثيرة ومعها صخب الجماعات، فكانت تعكر صفو الوحدة مع الله وتمنع عن الصلاة الهادئة، وتسبب التشتت. ولهذا صمم باسيليوس على استنباط طريقة تجمع بين فوائد كلا النظامين، بين حياة تأملية واختلاء وبين حياة عاملة ناشطة، بين حياة النسك والحياة الجماعية.

عزم القديس باسيليوس على مزج الحياتين معًا، والاستفادة من خصائصهما الإيجابية وخلق حياة نسكية رهبانية جديدة تكون أكثر نضوجًا وفاعلية، معتمدًا على وصية المحبة: “من لا يعرف طبعًا أنّ الإنسان كان ودودٌ واجتماعي وليس منعزلاً أو متوحشًا؟ لا شيء يخص طبيعتنا أكثر من دخول المرء في علاقةٍ مع الآخر، أن يحتاج الواحد إلى الآخر، أن يحب الإنسان الذي من عرقنا. فبعد أن يعطينا الرب هذه البذار التي يلقيها في قلوبنا، يأتي ليطالبنا بثمارها ويقول: “أعطيكم وصيةً جديدة، أحبوا بعضكم بعضًا” (يوحنا 13: 34). ما الذي قاله لهم؟ “إذا أحبَّ بعضكم بعضًا عرف الناس جميعًا أنكم تلاميذي” (يوحنا 13: 35). وقد ألح دومًا على هاتين الوصيتين بحيث جعل نفسه موضوع الأعمال الصالحة التي نقوم بها تجاه قريبنا: “كلما صنعتم شيئًا من ذلك لواحدٍ من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه” (متى 25: 40، 45). وبموجب الوصية الأولى، يمكن حفظ الوصية الثانية، وبموجب الثانية نعود إلى الأولى: “وصيتي هي: أحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم” (يوحنا 15: 12)[3].

لذا أسس باسيليوس أديرةٌ صغيرةٌ، قليلة السكان، بحيث تستطيع الحياة الجماعية أن تعزز اجتماعات الرهبان، ويستطيع الرئيس أن يُقيم علاقة مع رهبانه، وأن يقيم الرهبان علاقةً بعضهم مع بعض على مستوى شخصي أعمق. فالبرنامج اليومي يدعو الجماعة إلى الصلاة خمس مرات في النهار، ودراسة العقيدة المقدسة، والعمل اليدوي الذي يجب أن يكون بسيطًا فلا ينحرف عن غايته فلا يبتعد عن هدفه فيصبح سبيلاً للتجارة والكسب، والزهد المعتدل، والعمل الرسولي الذي يتلائم مع الحياة الرهبانية.

كتب باسيليوس معيارًا تشريعيًا للحياة الرهبانية، والتي سيكون لها عظيم الأثر في رهبان الغرب[4]. تتنوع قوانين باسيليوس ما بين: القوانين الطويلة وهي خمسة وخمسين حديثًا عن الحياة الرهبانية، والقوانين المختصرة تحوي على 313 سؤالاً وجوابًا، وفيها يشرح كل معاني و مشاكل الحياة الرهبانية.  عدت القوانين بمثابة سند روحي للرهبان، وكمرشد لحياة الشركة ولتوضيح الهدف والوسائل والمبادئ والمصاعب والأُطر التي تتحرك فيه الرهبنة. ويغلب على القوانين استخدام شواهد كتابية كثيرة.

    • اختلاف النظام الرهباني بين باسيليوس وباخوميوس

يتشابه كلا النظامين من حيث التركيز على الحياة الجماعية على مثال الجماعة المسيحية الأولى بأورشليم، ورفضهم للحياة النسكية التوحدية. تعد الأخوية التي أسسها القديس باسيليوس بمثابة الخبرة الجماعية الثانية، بعد الكونيونيا الباخومية، التي أثرت بشدة فى تاريخ الحياة المكرسة . تختلف الأخوية الباسيلية عما أسسة القديس باخوميوس فى نواحى شتى. فمكان الأديرة ليس بعد فى الصحراء كما هو الحال فى أديرة القديس باخوميوس وأنما داخل المدن ذاتها  .كما  أن الدير لا يحيط به سور عالٍ يعزله عن العالم الخارجى وليس كبيرًا ولا يشيه القرية الصغيرة كما هو الحال فى الأديرة الباخومية.  تمتاز أديرة باسيليوس بأنها صغيرة من حيث المساحة تضم مجموعة قليلة من الرهبان وليس هناك رئيس مباشر بل هناك حارس لأخوته الرهبان .فالنظام الجيراركي الذي وضعة باخوميوس ألغاه باسيليوس قاصدًا بذلك أن تكون العلاقات التى تربط الرهبان أكثر بساطة وتلقائية فهى علاقات بين إخوة تجمعهم المحبة المتبادلة أكثر من وجوب الخضوع لنظام موحد، كما هو الحال فى الأديرة الباخومية، وكنتيجة لهذا لم يضع باسيليوس قانونًا محددًا لجماعته ينظم به نحركات رهبانه داخل الأديرة كما فعل باخوميوس، بل فضل أن تكون  القاعدة الأساسية هى المحبة البناءة ولهذا سميت جماعة “بالاخوية الباسيلية”.

    • الفكر الرهباني في قوانين باسيليوس

استفاد باسيليوس كثيرًا من دراسته للفسلفة في  تخطيطه للحياة الرهبانية. أن الإنسان، الذي خُلق على صورة الله ومثاله يلتزم بالسعي إلى الله التزامًا عامًا ثابتًا لان الله هو الخير الذي يفوق كل خير، وكل الخيرات هي زائلة وباطلة. للوصول إلى هذا الهدف على الإنسان استثمار كل ما حباه الله من ملكات ومقومات ومؤهلات حتى يصل إلى الهدف المنشود، خاصة العقل الذي يبين له الأصول والمؤشرات الضرورية لكي لا يقع في الضلال، ولا يتيه في الغرور. ثم الإرادة التي تمكن الإنسان من شد عزيمته وشحذ همته وحمله على مغالبة العقبات التي تعترض مسرته، خاصة الخطيئة وهموم الحياة والآلام، التي لا تفارق الإنسان منذ مولده حتى موته. وأخيرًا عليه أن يلجأ إلى الضمير الذي يدل الإنسان على الخير ليعمل به، وعلى الشر ليحذر منه. أن الله لم يترك الإنسان وحيدًا في المسيرة، فقد وهبه كثيرًا من الامكانيات والمقومات ووثق به وبقدرته على السير قُدُمًا إليه.

لا بد للإنسان، حسب باسيليوس، من معرفة عميقة للنفس والاطلاع على مواطن الضعف فيها واستكشاف المواهب التي بثها الله في الإنسان. فهذه المعرفة هي رأس الحكمة، وهي الأساس الذي يقوم عليه كل بناء الحياة الروحية والرهبانية. ثم بعد هذا النزول إلى الأعماق يبدأ الإنسان باستئصال بذور الشر وجذور الخطيئة فيه، واصلاح ما فيه من خطأ وضعف. وفي النهاية يصل الإنسان مرحلة يلتزم فيها بممارسة العمل الصالح، ليكون إيجابيًا في نهج العمل.

بعد هذه المرحلة التي سلكها الإنسان للوصول إلى الكمال يصل إلى مفترق طريقين. فهو أما أن يتابع المسيرة في العالم الحافل بالخير والشر معا فيقوم بكل واجباته المسيحية، ويلتزم بالمُثل العليا التي طلبها الإنجيل من كل إنسان يريد أن يوثق علاقته بالله، أما أن يذهب بعيدا فيسلك طريقا آخر للكمال. طريق صعب لأنه يستلزم من الإنسان بذلاً يصل إلى التضحية بطاقات هائلة، حسنة وخيرة، زرعها الله في نفس الإنسان ليبلغ به إلى السعادة. عليه التضحية بطاقة الزواج واختيار البتولية، طاقة العائلة والسعادة البيتية واختيار شظف العيش بشجاعة وفرح.

لمساعدة السالكين في طريق الرهبنة، أتاحت قوانين باسيليوس التردد على مرشد حكيم، يسهر على حياة الطالب، وينصحه في الصعاب ويراقبه لئلا يقع في الهوس والغرور ويحث خطواته للسير بثبات، ودون ملل او فتور. وشددت القوانين على الصمت والالتزام بالخلوة والهدوء. ليس الصمت الخارجي فقط، بل الداخلي أيضًا، فمن الضروري لملمة النفس لحواسها وأمورها، وطرح الهموم الدينوية، والبعد عن الارتباك والانشغال والتمحور حول الذات. والوحدة “هي دواء للأهواء والشهوات لأنها تهدئها وتقربنا لله وخاصة عندما تكون مقرونة بالصلوات والترانيم”. وهذه يجب أن ترافقنا دائمًا لأنها “تثبت النفس في الفرح وتخرجها من الأحزان” {رسالة2}.

شددت القوانين أيضًا على التجرد عن كل شيء واخماد رغبة التملك، ونسيان الذات واهمال كل شيء يعيق العلاقة مع الله. ويأتي العمل كوسيلة للاماتة، فيركز باسيليوس على الابتعاد عن كل عمل يشغل البال كثيرًا، ويستلزم جهدًا كبيرًا للحصول على المواد الأولية وتصريف المحصول. يعطي العمل لكل راهب وفقا لامكانياته ومؤهلاته، وليس ما يطلبه هو.

والصلاة المقبولة هي التي تطبع في النفس فكرة واضحة عن الله، وهذا هو معنى تسبيح الله، أي أن نجعل، بالذكرى، الله قائمًا فينا. وهكذا عندما لا تقطع الهموم الدنيوية هذه الذكرى نصبح هيكلاً لله. فمن يحب الله يبقى بالقرب منه ويقتل في نفسه كل رغبة تقوده إلى الرذيلة ويلتزم حياة الفضيلة {رسالة2}.

هكذا لكي نسلك طريق القداسة، لا يكفي أن نبتعد عن الرذائل بل أن نلتزم بالمحبة في معاملتنا مع الناس: نفتقد المرضى والمسجونين، نروي العطشان، نكسو العريان ونُطعِم الجائع… وهذه الأفعال جميعها أساسها الكتاب المقدس الذي يروي لنا سيرة القديسين ويدعونا للإقتداء بها. فمن يوسف نتعلم العِفة ومن أيوب الصبر والشجاعة.

  1. الآباء الكبادوكيّون
    • غريغوريوس النزينزي

أشرنا إلى رباط الصداقة الذي جمع باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي. إلا كل منهما كان لديه فكر مختلف عن الحياة النسكية. فعندما كانا معًا في أثينا تحدثا عن مشروع نسكي مشترك وتعاهدا على الزهد بالخيرات الزمنية لأنها عابرة. إلا أن الرسائل المتبادلة بينهما تكشف عن فكر كل منهما عن الحياة النسكية، فالنزينزي كان يميل إلى حياة العزلة والنسك والدارسة، على الرغم من براعته في الخطابة التي ظهرت في التزامه بالمهام الرعوية. في حين كان باسيليوس رجلاً عمليًا، أمن بحياة رهبانية غير منفصلة تمامًا عن العالم تهدف إلى خدمة الفقراء والمحتاجين.

عاش غريغوريوس النزينزي حياته بين الحياة التأملية والوظيفة الكهنوتية. فبعد أن قضي فترةً وهو راهب، تمنى أن يظلَ، إلا إن إلحاح المؤمنين دفعه لقبول السيامة الكهنوتية. ولاحقًا رسمه باسيليوس أسقفًا على القسطنطينة. وبعد سنتين ذاعت شهرته فيها بأنّه واعظ مفوَّه، ترك القسطنطينية وعاد إلى إبرشيتّه الأولى في نزينزا، وبقي فيها سنتين فقط. وقضى السنوات الخمس أو الست الباقية قبل موته في العام 389 أو 390 في الدراسة والتأمل والعيش النسكي.

إنّ كتابات القديس غريغوريوس النزينزي هي عظاته الكثيرة، وقصائده الأربعمئة تقريبًا (حوالي 18 ألف بيت شعر!)، ورسائله، وسيرته الذاتية. وأظهر غريغوريوس نفسه في أعماله متصوفًا بارزًا ومتأملاً. علّم بأن كمال الحياة المسيحية في المشاهدة التأملية. وهدف الروحانية المسيحية هو الاقتداء الكامل بالمسيح قدر المستطاع. ولبلوغ ذلك، على المرء أن يزيل كل شيءٍ يمكنه أن يكون عائقًا أمام الأتحاد بالمسيح لذلك يقول: “عليَّ أن أُدفن مع المسيح، أن أقوم معه، أن أرث السماء معه، أن أصير ابن الله، أن أصير إلها. هذا هو أعظم سرً لنا، هذا هو الله المتجسد في نظرنا. لقد أتي ليجعلنا واحدًا تمامًا في المسيح، وفي المسيح الذي أتي تمامًا إلينا، ليحعل فينا كل كيانه. فلم يعد هناك رجلٌ أو امرأة، ” ولا أَعجَمِيٌّ أَو إِسْكوتيّ، ولا عَبْدٌ أَو حُرّ، بلِ المسيحُ الَّذي هو كُلُّ شيَءٍ وفي كُلِّ شيَء” (كولوسي 3: 11)، وهذا ما يميز الجسد. هناك فقط الصورة الإلهية التي سنحملها كلنا فينا، والتي بموجبها خُلِقنا، وعليها أن تتكون فينا وتنطبع فينا”[5].

يمكن للإنسان إزاله ما يعوقه أمام الاتحاد بالمسيح متى نجح في ضبط حواسه تجاه الانطباعات الخارجية، وأن يهرب من الجسد والعالم، وأن يدخل ثانيةً إلى ذاته، ويمتنع عن الاتصال بأيّ كائنٍ بشريٍّ إلا للضرورة القصوى، ويتحدث مع نفسه ومع الله، ويعيش متخطيًا الأشياء المرئية، ويحمل في داخله الصور المقدسة النقية دومًا التي لم يمسها أيّ امتزاجٍ مع أشكال أهواء هذه الأرض، فصار حقًّا، ويصير في كل يومٍ أكثر، مرآة لا عيب فيها للألوهة وللأمور الإلهية، فينال نورها في نوره، ويهاء بريقها في بصيص نوره، وقد جمع في رجائه ثمار الحياة الأخرى، فيعيش برفقة الملائكة، فيكون على هذه الأرض ولكنه خارجها، ومحمولاً إلى أعلى مناطق الروح[6]. “ولذا يحرض النزينزي قائلاً: “فلنسع لنكون كالمسيح، لأن المسيح نفسه صار مثلنا: لنسع أن نصير آلهة بواسطته، لأنه هو صار بواسطتنا إنسانًا. لقد أخذ الأسوأ على عاتقه لكي يمنحنا الأفضل” .

يعلمنا غريغوريوس فوق كل شيء أهمية وضرورة الصلاة. يصرح قائلاً: “أن نذكر الله هو أمر ضروري أكثر من التنفس[7]. لأن الصلاة هي لقاء عطش الله بعطشنا. الله يعطش إلى عطشنا إليه. في الصلاة، علينا أن نوجه قلبنا إلى الله لكي نقرب أنفسنا كتقدمة يجب تنقيتها وتحويلها. في الصلاة نرى كل شيء على ضوء المسيح، نسقط أقنعتنا ونغوص في الحقيقة وفي الإصغاء إلى الله، مغذين هكذا نار الحب.

في إحدى قصائده التي هي في الوقت عينه تأمل حول غاية الحياة ودعاء ضُمني إلى الله، يكتب غريغوريوس: “عليك واجب، يا نفسي، واجب كبير، إذا شئتِ. افحصي نفسك جيدًا، كيانك ومصيرك؛ من أين تأتين وأين يجب أن ترتاحي؛ حاولي أن تسبري هل ما تعيشينه الآن هو الحياة أم هل هنالك أكثر من هذا. عليك واجب، يا نفسي، لذا نقي حياتك: ألا رجوتك، تفكّري بالله وبأسراره، تفحصي ما الذي كان قبل هذا الكون وما هو بالنسبة لك، من أين أتى، وما سيكون مصيره. هذا هو واجبك، يا نفسي، لذا، نقي حياتك”.

  1. غرغوريوس النيصيّ

ولد حوالي عام 335، واكتسب تنشئته المسيحية على يد شقيقه باسيليوس، الذي أطلق عليه اسم “الأب والمعلم”، وعلى يد شقيقته مكرينا. أكمل دروسه معطياً اهتماماً خاصاً الى الفلسفة وعلم البيان. كرس حياته في بادىء الأمر الى التعليم وتزوج. ثم تبع خطى شقيقه وشقيقته وكرّس ذاته بالكامل لحياة التأمل. وفي العام 371 سُيمَ أسقفًا لنيص، ولكنه اتُّهم بعد خمس سنوات بالإهمال المالي، ونحاه المجمع العام في 376. وحين توفي الإمبراطور الآريسي ﭬالانسيوس في العام 378، عاد غريغوريوس إلى نيصس. وحين توفي أخوه باسيليوس في العام 379، كرّس نفسه للشئون الكنسية[8]، وصارًا قائدًا عظيمًا للكنيسة في كبادوكية.

ألف غريغوريوس غالبية كتاباته في الفترة التي تمتدّ من العام 382 إلى 393. وقد توجهت أعماله العقائدية نحو رفض تعاليم أريوس، وأفكار أبوليناريوس الكريستولوجية، وكان ركيزة أساسية في مجمع القسطنطينية عام 381، الذي أقر ألوهية الروح القدس. أوكله الامبراطور تيودوسوس مهاماً كثيرة، ثم انصرف الى كتابة الاعمال اللاهوتية. شارك عام 394 في سينودوس القسطنطينية، وبقي تاريخ وفاته مجهولاً.

كان الخلق بالنسبة اليه موضوعاً أساسياً. فقد رأى في الخليقة انعكاساً لصورة الخالق وفيها وجد الطريق الى الله. كتب كتاباً مهماً عن حياة موسى، أظهر فيه موسى كرجل في مسيرة نحو الله: هذا الصعود نحو جبل سيناء كان بالنسبة اليه صورة لصعودنا في الحياة الإنسانية نحو الحياة الحقيقية، نحو اللقاء بالله. كتب كثيرًا عن أوجه الكمال المسيحي المُعاش. كما كتب أيضًا عن الصلاة الربية وعن التطوبيات وكتاب المزامير، وسفر الجامعة، ونشيد الأناشيد.

خَّص الحياة النسكية بالكثير من هذه الكتابات مثل كتابه عن العذرية، التي ألفها قبل أن يُصبح أسقفًا، عن حياة أخته، مكرينا، وهي أروع نموذج مبكّر لسير القديسين. وكتابه الأشهر “في المؤسسة المسيحية” الذي كُتب خصيصًا للرهبان ويعالج قضية الكمال المسيحي. وقد تم مؤخرًا فقط تقدير القديس غريغوريوس، ويعود الفضل لدراسات[9] هانس أورس ﭬون بالتازار Hans Urs van Balthasar وجان دانييلو  Jean Daniélou ووِرنِر جايغِر Warner Jaeger ووالتِر ﭬولكِر Walther Völker. وتُظهر كتابات غريغوريوس النيصيّ تأثره الشديد بالعلامة أوريجنوس الذي ربما فهمه أفضل من أي شخصٍ آخر، ولكنه يستعمله بحرية. استعمل الفلسفة اليونانية بكثرة إلى درجة تَّشبه كتاباته بكتابات الرواقيّين وأفلوطين.

في كتابه “المؤسسة المسيحية” يحدد غريغوريوس إن الكمال المسيحي هو هدف الحياة، ويمكن بلوغه بفضل معرفة الحقيقة التي يمنحها الله لمن يرغبونها. يتوصل الإنسان إلى المعرفة بالتأمل الحقيقي في النصوص المقدسة الذي يُعطى فقط لمن يعملون بتأثير الروح القدس وإرشاداته. فكيف ينبغي للراهب أن يحضَّر نفسه لينال الروح القدس؟ تبدأ المسيرة الروحية بعبادة نقيّة لله، مسترشدًا بما علمه القديسين في الكتب المقدسة، ساعيًا وراء الفضيلة من خلال الطاعة الكاملة للوصايا، ويحرر نفسه تمامًا من سلاسل الحياة الأرضية ومن كافة أشكال العبودية. عندئذ يمكنه أن يعرف الله معرفة حقيقية، ويملك قوة المسيح التي تحرره من سيطرة الشر والموت.

في تعليقه على خلق الإنسان، يركز غريغوريوس على أن الله، “الفنان الأسمى، يصوغ طبيعتنا بطريقة تجعلها أهلاً للملوكية. فمن خلال تفوق النفس، وبواسطة الجسد، يجعل الإنسان أهلاً للسلطة الملكية. ولكننا نرى كيف أن الإنسان، بوقوعه في شباك الخطيئة، يسيء الى الخليقة، ولا يمارس الملوكية الحقيقية. ولذلك، لكي يعي الإنسان المسؤولية الحقيقية تجاه الخليقة، عليه أن يفتح قلبه لله وأن يعيش في نوره.

إن الإنسان، في الواقع صورة عن الجمال الحقيقي الذي هو الله: “كل ما خلق الله كان حسناً”. ويضيف غريغوريوس: “دليل على ذلك رواية الخليقة. فمن بين الاشياء الحسنة كان أيضاً الإنسان، مزداناً بجمال يفوق جمال كل الأشياء الحسنة. لقد رفع الله الإنسان فوق كل خليقة: “فليست السماء على صورة الله، ولا القمر، ولا الشمس، ولا جمال النجوم ولا أية خليقة أخرى. وحدها النفس البشرية، على صورة الطبيعة التي تفوق كل عقل، على مثال الجمال الفائق، وصمة الألوهية الحقيقية، وعاء الحياة الطوباوية وصورة النور الحقيقي الذي من خلال النظر اليه تصبح النفس مثله، لأنه من خلال النور الذي يغمرها فإنها تتشبه بالذي يشع من خلالها. فلا شيء في الوجود يوازي العظمة التي أعطيت لها. فلنتأمل عظمة الإنسان، ولننظر في الوقت عينه إلى تدهور الإنسان بسبب الخطيئة، ولنحاول العودة الى العظمة الأساسية: فقط بحضور الله، يبلغ الإنسان العظمة.

الإنسان إذن، يحمل في داخله انعكاس النور الإلهي: فمن خلال تنقية قلبه، يعود الى ما كان عليه في البدء، صورة صافية لله، الجمال المثالي. وهكذا من خلال تطهير ذاته، يمكن للإنسان أن يرى الله، كأنقياء القلوب: “إذا غسلت قلبك، سيشع في داخلك الجمال الإلهي… ومن خلال تأملك لذاتك، ترى في داخلك من هو رغبة قلبك، فتصبح من أهل الطوبى”. فلنغسل إذن قلبنا لنجد نور الله في داخلنا.

إنّ غاية الإنسان، يقول الأسقف القديس، هي أن يجعل نفسه مُشابهًا لله، وهو يصل إلى هذه الغاية قبل كلّ شيء بواسطة المحبّة والمعرفة ومُمارسة الفضائل، التي هي”إشعاعات مُضيئة تنحدر من الطبيعة الإلهيّة”[10]، في حركة مستمرّة في الالتحام بالخير، كالعدّاء الذي يندفع إلى الأمام. يستعمل غريغوريوس، لِهذا الموضوع، صورة مُعبّرة، نجدها سابقًا في رسالة بولس إلى أهل فيلبّي (3: 13) أي “أَندفع إلى الأمام” نحو ما هو أعظم، نحو الحقّ والمحبّة. تُشير هذه العبارة المعبّرة إلى واقعٍ عميق: الكمال الذي نودّ أن نجده ليس شيئًا نستحوذ عليه إلى الأبد؛ الكمال هو هذا البقاء على الدرب، إنها جهوزيّة مستمرّة لِلتقدّم، لأننا لا نصل أبدًا إلى التشابه التّام مع الله؛ نحن دومًا على الدرب.  إنَّ تاريخ كلّ نفس هو تاريخ محبَّة تُفاض كلّ مرّة، ومنفتحة في الوقت نفسه على آفاق جديدة، لأنَّ الله يوسّع دومًا إمكانيات النفس، لِيجعلها قادرة على خيرات أعظم دومًا. الله نفسه، الذي غرس فينا بذور الخير، والذي منه تنطلق كلّ مبادرة قداسة، “يصوغ الكُتلة… وفي صقله وتنظيفه لروحنا، يُشكِّل فينا المسيح

بالنسبة إلى القديس غريغوريوس المعمودية هي عربون عمل الروح القدس في الإنسان والإفخارستيّا هي غذاؤه. ولكن المسيحي لا يبلغ ملء قامة المسيح إلا إذا اجتهد في زيادة جهده في الحياة الزاهدة. وهناك ثلاث مراحل تصل بالإنسان إلى ملء قامة المسيح والاندماج المتبادل بين الله والنفس، الله يدخل في النفس، وكيان النفس يتحول بالله. هي ثلاث مراحل مُستمدة من كشف الله لنفسه لموسى: الأولى في نور العليقة المشتعلة، ثم في غمام الخروج، وأخيرًا في الظلام الحالك. كذلك تجد النفس الله أولاً في الأشياء المرئيّة من الخليقة. وحيث إن النفس تتقدم، يكون العقل لها بمثابة الغمام يغطي كل ما يقع تحت الحواس بحيث تتحضر النفس لتتأمل ما هو محجوب. وحين تهجر النفس كل الأشياء الأرضية بأقصى ما تستطيعه الطبيعة البشرية، تدخل في هيكل معرفة الله والظلمة الإلهية تغلفها بكاملها. إنها اختبار الله في الظلمة، ويسميها القديس غريغوريوس المعرفة الإلهية (Theognosis) الحقّة[11].

    • إيـﭭـاجريوس

يُعد إيـﭭـاجريوس أحد أهم الأسماء في تاريخ الروحانية النسكية التي أحدثت تغييرًا روحيًا حقيقيًا. تأثّر إيـﭭـاجريوس البنطي (توفى 339) تأثرًا شديدًا بتعاليم أوريجنوس، وطور لاهوتًا للحياة الروحية أثر في كثيرٍ من الكتاب اللاحقين، خصوصًا كسيانوس. ومع ذلك، لم يفلت من الانتقاد بأنه فلسفيًا أكثر من اللازم، وقد أدانه مجمع القسطنطينية، عام 553، مع أوريجينوس، كما أدانته ثلاثة مجامع متتالية.

ولد إيـﭭـاجريوس البنطي في منتصف القرن الرابع (حوالي عام 345) في مدينة إيبورا على شاطئ البنطس في آسيا الصغرى. شبّ في ظلّ القديسين الكبادوكيين وصادقهم: رسمه باسيليوس الكبير قارئًا، وغريغوريوس النيصيّ شماسًا، وكان له غريغوريوس النزينزي معلمًا، ثم صار لخلفه نكتوريوس عام 381، رئيس شمامسة في القسطنطينية. اختار الحياة الرهبانية بعد فترة صراع، فذهب إلى مصر وبدأ حياته الجديدة على يد مكاريوس الاسقيطي. رافق كبار الرهبان أمثال مكاريوس الإسكندري والأخوين أمونيوس. وبقي في مصر حتى ماته عام 399.

له مؤلفات كثيرة هي في الإجمال قصيرة ولكنها كثيفة وصلنا معظمها في الترجمة السريانية، ولكن بعضها وصلت إلينا في النص اليوناني الأصلي منسوبة للقديس نيلوس السينائي. لقد حاول إيـﭭـاجريوس أن يوجز عقيدة الحياة الروحية في مقالاتٍ من أجل منفعة الرهبان عمليًّا. فكتاب الممارسة يحوي التعليم الزهدي لإيـﭭـاجريوس. وأشهر مؤلفاته رأس المعرفة، طُبع بإشراف آ. غويمون في باريس 1958. ومن الأعمال الأخرى المنسوبة إلى إيـﭭـاجريوس نذكر فقط مقالاً في الحياة التوحدية، وآخر موجه إلى الراهبات، نقاشات للأفكار الشريرة والأرواح الخبيثة السبعة، ومؤلف في الصلاة.

يمكن أن نختصر المساهمة الإيجابية التي ساهم بها إيـﭭـاجريوس كما يلي: لقد حدد مراحل في الحياة الروحية. وحاول أن يبين الروابط بين الفضائل، ابتداءً من الإيمان وانتهاءً بالمحبة. وشرح لاهوت الصلاة الذي يبلغ كماله في “اللاهوت التصوفي”. وعدد الخطايا المميتة الثماني وشرحها. وحاول تهذيب العقيدة الرواقية في الفرائض وربطها بالمحبة.

ويمكن إجمال آراء إيـﭭـاجريوس في الصلاة:-

  • تحديد الصلاة: هي محادثة الذهن لله، وعمله الخاص بطبيعته وغذاؤه، وأفضل طرق استخدامه. ولكن المحبة هي الدافع لها، وفي الصلاة نزداد محبة بإطراد. لأن محبتنا لله وحدها تجتذب الذهن وتجعله “يهجر” هذه الأرض.
  • شروط الصلاة: إنها تفترض الندامة المتوجعة والشعور المنسحق بالخطيئة. وتتطلب الانتباه والحزم والثبات. وتشترط المحبة الأخوية. ويحذر إيـﭭـاجريوس من الرتابة والسطحية والثرثرة.
  • درجات الصلاة: الصلاة صعود الذهن نحو الله، ولهنا درجات ثلاث يسميها إيـﭭـاجريوس: الحياة العملية، والتأمل الأدنى، واللاهوت أو تأمل الله.
    • في طور “الحياة العملية” نكتسب الفضائل، أي نتحرر من الأهواء. لأن الأهواء تثير في الذاكرة الذكريات والأفكار الأهوائية التي تمنع الذهن من الإلتصاق بالله وتجعله يشرد. فيجب بالتالي إنكار الجسد والنفس، أي إنكار الذات وقبول كل محنة. وتفضيل مشيئة الله على مصلحتنا الذاتية.
    • في طور “التأمل الأدنى“، بعد التطهر من الأهواء واقتناء الفضائل والبلوغ إلى حالة اللاهوى، نصل إلى تأمل الخلائق أو معاني الكائنات. ولكن على الذهن أن لا يتوقف هنا بل أن يتحرر أيضًا من الأفكار البسيطة ويتجاوز كل شكل وصورة ليبلغ إلى الله اللاهيولي.
    • في طور اللاهوت أو “التأمل الأعلى” نتأمل الله وليس الخلائق، وهذه هي الصلاة الحقيقية الخالية من التشتت، أو الصلاة النقية التي تتخلى عن الأفكار. إن إيـﭭـاجريوس يدعو هذه الحالة مغبوطة لأنها تفوق كل فرح آخر. إن مثل هذه الصلاة نعمة وهبة من الله يمنحها للأنقياء. ولكن قد يزورنا الروح القدس أحيانًا ونحن غير كاملي التطهير، تعطفًا منه على ضعفنا، إذا وجدنا نصلي راغبين في الصلاة الحقيقية.

[1] تقع كبادوكية في شرق هضبة الأناضول، في وسط تركيا المعاصرة، على ارتفاع كبير على سطح البحر.

[2] “إن الحياة المتوحدة تهدف إلى فائدة الشخص. وهي لا تفسح المجال للمارسة المحبة وتجسيدها بأعمال مفيدة للقريب؛ وأيضًا لا تفسح مجالاً للفرح مع الفرحين والبكاء مع الباكين، وبهذا تتعطل فضائل كثيرة كان بالإمكان ممارستها. أن المسيح غسل أرجل التلاميذ وأنت يا من يعيش وحده في النسك، أرجل من تغسل يا ترى؟ لمن تقدم خدمة ونصحًا؟ كيف يمكنك أن تمارس التواضع، وأنت تفتقد الناس فلا ترى أحدًا؛ إلى من تحسن وأنت تعيش في عزلة، كيف تصبر وإرادتك هي الحاكمة؟ أن صاحب المزامير هتف ما ألذ وما أجمل أني يعيش الأخوة معًا، فيدل بهذا على أن الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، يحبذ العبشة المشتركة ويفضلها على العيسة التوحدية”. القوانين المختصرة 38، 39.

[3] Bouyer L., The Spirituality of the New Testament and the Fathers, New York 1960, pp. 336-337.

[4] انتشر نهج القديس باسيليوس في كبادوكية، وانحاء سوريا وفلسطين وحتى في مصر بفضل روفينوس الذي زار تلك الأديرة وترجم كتابات باسيليوس، خاصة القوانين المطولة والمختصرة في كتاب واحد ضمت 300 سؤال وجواب. تلك الترجمة التي عرفها القديس بندكتوس ورهبان الغرب واعتمدها لسنّ قوانينه. واستعان بها رؤساء أديرة فرنسا في القرن الخامس والسادس لاصلاح بعض جوانب الحياة الرهبانية في ذلك الحين. ان البابوات أنفسهم: ليباريوس، داماس والقديس لاون ثبتوا وباركوا قوانين القديس باسيليوس وشجعوا على العمل بنهجها.

[5] Oratio 7, PG 35, p. 785.

[6] Oratio 2, 7, PG 35, p. 788.

[7] Oratio 27,4: PG 250,78.

[8] جوردان أومان، دليل إلى قراءة تاريخ الرُّوحانية….، ص 63.

[9]  J. Quasten, Patrology, vol 3, pp. 267- 310.

[10]  De beatitudinibus 6: PG44,1272C

[11] جوردان أومان، دليل إلى قراءة تاريخ الرُّوحانية….، ص 66- 67.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.