إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

شفاعة مريم في قانا

1٬052

هذِهِ أُولى آياتِ يَسوعَ، صنَعَها في قانا الجَليلِ. فأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بِه تلاميذُهُ.

يقول يوحنا إن ما حدث في عُرس قانا كان أول “آيات” يسوع في بداية خدمته العلنية التي آظهر من خلالها مجده. إذا كان هناك شخصٌ يريد أن يقدم نفسه للناس فإنه سيولي عناية فائقة للخطوة العلنية الأولى التي سيقدمها للناس. لماذا اختار يسوع أن تكون الآية التي تمثله وتعبر عن هويته هي فقط المحافظة على استمرارية الحفل؟ لماذا استخدم قوة لاهوته لتوفير كمية من الخمر ليستمر الاحتفال؟

حفلات الزواج كانت قديمًا أكبر من ارتباط زوجين، بل هو ارتباط عائلات وتنشئة الأطفال. كان الغرض من الزواج هو المصلحة العامة للجماعة، فكلما زاد عدد أفراد العائلة وزادت قوتها تحسن الحالة المعيشية وزاد أمنها العسكري. لذا كانت حفلات الزواج تمتد اسبوعًا تنشر فيه الولائم.

تبدأ الرواية بكارثة كبرى، فربما بعد يوم أو يومين من بداية الأفراح فرغت الخمر، الأمر الذي يعنى نهاية الأحتفالات وبالتالي مأساة اجتماعية ونفسية للعائلة والعشيرة.

لننتبه إلى الآية 8 والتي فيها يطلب المسيح من الخدم أن “اَستَقوا الآنَ وناوِلوا رَئيسَ الوَليمَةِ”. كان رئيس الوليمة هو الذي يدعو الناس للاحتفال ويشرف على إتمام الحفل ويجعله رائعًا قدر الإمكان. عندما يحول المسيح الخمر يعطي رسالة إنه هو “رئيس الوليمة” الجديد. هو رب الاحتفال الحقيقي.

يستخدم يوحنا كلمة “عُرس” بذات المعنى الذي تناوله أنبياء العهد القديم “الزفاف السماوي” أي اقتران الله بشعبه، وحيث الله هو العريس، والشعب هو العروس (أشعيا 54 و61؛ إرميا 2؛ حزقيال 16؛…). يُعلن يوحنا في بداية إنجيله عن تدشين عهد جديد، ويضعه في إطار وليمة عرس يفتتحها المسيح بتجسّده : فلا يكتمل فرح هذه الوليمة إلا بحضور أمّه وسهرها الأمين.

مريم هي التي لاحظت “نفاد الخمر” والتي نبّهت يسوع عنه. كما نراها تتصرّف بحريّة وتخاطب الخدم… إنّها تمثّل الشفيعة المثاليّة التي تنتبه إلى الأزمة أو النقص الذي يعاني منه الشعب، فتتوسّل إلى ابنها ليتدخّل. موقف مريم يلقي الضوء على دورها في عائلة الملكوت الجديدة، في عُرس أورشليم الذي يدشنه يسوع بتجسده والذي يتطلب أن يقدم ذاته فداء عن شعبه: “أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (متى 20: 28). من هنا نفهم سبب مخاطبة يسوع لأمه بهذا الأسلوب الذي يبدو جارحًا: “ما لي ولكِ أيَّتُها المرأة ؟ لم تَأْتِ ساعَتي بعد”. أتعرفين يا أمي أن عليَّ أن أموت على الصليب لأجل أن أدشن الملكوت، أن ساعتي متى جاءت سأكون معلقًا على الصليب فداءً لشعبي. آه يا أمي ستتألمين كثيرًا وسيجوز سيفٌ في نفسك. تطلبين مني أن أبدًا تدشين العهد الجديد، لكن مشواري سيصطدم بالصليب. سأكون رب الأحتفال الذي يعطي الخمر الجيدة (”الخمر“ – في مفهوم الكتاب المقدّس – يرمز دائمًا إلى الفرح والصداقة مع الله). نفد الفرح والحبّ من قلب الشعب، فهو بحاجة إلى تجدّد وتوبة. وأصبح قلبه مثل الأجران الفارغة: من حجر“، وبحاجة إلى ”تطهير“.

آه يا أمي لو تعلمين؟

تتصرف الأم بثقة كاملة في ابنها بأن يبدد الظلمة فهو النور الحقيقي الآتي إلى العالم. لم تنسى مريم قط كلام الملاك: “فالقدّوسُ الذي يولَدُ مِنكِ يُدعى اَبنَ اللهِ”. تحركت مريم لتنبه المسيح لأزمة البشرية الحاصِلة وتضع ثقتها الكاملة به ليعالجها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.