إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

لا تزني (4): التربية على الحب

992

“فلنُطَهِّرْ أنفُسَنا مِنْ كُلِّ ما يُدنِّسُ الجَسَدَ والرُّوحَ، ساعينَ إلى القَداسَةِ الكامِلَةِ في مَخافَةِ الله” )2 كور 7: 1(

أظهرنا في اللقاء السابق أنواع الحب المختلفة، فالزواج لا يقوم دون حب حقيقي. أصدر البابا فرنسيس العام الماضي إرشادً رسوليًا بعنوان “فرح الحب”، ركز فيه على أهميّة الحبّ وضرورته في استمرار نجاح الحياة الزوجيّة والعائليّة، حبٌّ مبنيّ على العاطفة والعقل والاحترام. إنّ علاقة الحبّ تحتاج إلى إدراك حيثيّاتها، من تجاذب وتناغم فكري، السعى الدؤوب إلى البحث عن خير الشريك. فالحب لا ينبع  من عامل الجاذبيّة والعاطفة والرغبة الجنسيّة والإعجاب وحبّ التملّك وحسب، وإنّما تفيض أيضًا من “قرار علاقة” تتمّ، يكتمل فيها إحساس الإفتنان والتعلق والغرام مع  العقل والمنطق والانسجام والاتفاق على تجاوز المعوقات بتنمية الحب بفضل الحوار المستمرّ المبنيّ على أسس واضحة ومتينة. الإصغاء والتحدّث عاملان أساسيّان لاستمراريّة الحبّ. والانسجام الفكريّ والعاطفيّ وربّما الجنسيّ أيضًا أمور تساعد على ترسيخ العلاقة واستمراريّتها. لذا يجب التركيز دائمًا وأوّلاً على النضج العقلانيّ والمستوى الفكريّ وتحمّل المسؤوليّة والاستعداد والقدرة على إنجاح العلاقة.

إنّ هذا التوضيح للمبادئ والمفاهيم والتشديد على الالتزام بها، من خلال الإرشاد الراعويّ، يُظهر جليًّا بأنّ حياة الثنائي والعائلة تتمحور حول الحبّ ونجاحه، من خلال الفرح والبهجة والسعادة. من هنا أتى عنوان الإرشاد “فرح الحب”، ليؤكّد بأنّ الحبّ لا بدّ أن يؤدّي إلى الفرح إذا عرف الثنائي عيشه بكلّ أبعاده. “لا شكّ في أنّ بعض فتيات هذا العصر وفتيانه ينسون أو يتناسون أنّ الحبّ عاطفة مقدّسة تنبثق من أعماق الروح، وتمتلك القلب، وتستولي على حركات الفكر ونظامه، ومشاعر الجسد وانطباعاته، وتغمر العاشق بدهشة الحبّ ونشوة سحريّة أخّاذة، فتجعل الفتى والفتاة مترفّعين عن مغريات الحياة الماديّة، محلّقين فوق الأنانيّة والانزوائيّة، مؤمنين بسطوة العشق وسلطانه الخفيّ”.

إنّ الإرشاد الرسوليّ يساعد على التربية على الحبّ وعلى التعلّق بالقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، فالحبّ فنٌّ نتعلّمه ونُتقنه. فالحبّ المُعاش يُصبح مجالاً يتجلّى فيه حبّ الله، بيسوع المسيح، وفي الروح القدس. وبكثير من الثقة نقول: إنّ بناء “علاقة حبّ بين الشريكة والشريك، يجب أن يكون عملاً دؤوبًا مجهدًا ومتواصلاً، مبنيًّا على العاطفة والعقل، أي على الانسجام والحوار وما إليهما من متطلّبات تُسهم في إنجاح تلك العلاقة، قبل الشروع في بنائها ومعايشتها.”

الحياة الجنسية ضرورية جدًا، فبدونها لا يعد الارتباط زوجًا. متعة اللقاء الجنسي هي بركة الله للزوجين الضرورية لاستمرار الحياة على الأرض والمشاركة في استكمال الخلق. لا يريد الله أن نرفض ا لجسد أو طاقاتنا العاطفية أو الجنسية، لكن يجب علينا أن لا ننسي أن الشيطان يسعى لتخريب كل شيء طيب وخيّر فيستغل ما هو مقدس لخداع الإنسان. يخدع الإنسان بأن يصور له إن اللذة هي غاية في حد ذاتها يتم استغلال الطرف الآخر لإشباعها.

إن المقصد من الاتحاد الجنسي هو أن يكون تعبيرًا وتجسيدًا لرباط الحب الدائم الذي لا ينفصم. إنه تسليم كامل من شخص إلى شخص آخر، ويفسح المجال أمام الشريك للتدخل في سر الإنسان الخاص. هذا الإتحاد يعني عملية إرادية هي الكشف للآخر عن ذاته الجسدية، العاطفية، الفكرية الأكثر حميمية. فعند ما يعرف الرجل والمراة بعضهما البعض بالطريقة الأكثر حميمية، عندها يستطيع الشريكان أن يعلنا أنهما أصبحا جسداً واحداً في كل ما للكلمة من معنى. بالعلاقة الجنسية لا تؤمن بشكل مباشر هذا الإتحاد وهذه الوحدة ولكنها تعبير عن حميمية المشاركة المُثلى والكاملة التي بدأت تنمو وتكبر. العلاقات الجنسية في الزواج تسمح للشريكين أن يتعرفوا على بعضهما البعض بطريقة فريدة.

أمورٌ ضرورية للحفاظ على قداسة الزواج

  1. فهم طبيعة الجنس المختلف بين الزوجين

أن العلاقة الجنسية السليمة هي التي يبلغ فيها الشريكان الى المتعة الكاملة، فعلى الذي يسبق أن يساعد الآخر للوصول اليها. تبتدئ هذه العلاقة بطريقة تدريجية حتى تصل الى الذروة ثم تنتهي بطريقة تدريجية. يجب ان تُراعى فيها الخصائص الجنسية عند الرجل والمرأة اللذين يملك كل منهما ميلا جنسيا متمايزا عن الآخر لا أكثر ولا أقل من الآخر.

فالحياة الجنسية عند الرجل أكثر تموضعا من المرأة، في حين ان المرأة تتميز بحياة جنسية أكثر انتشارا في شخصها ونفسيتها. فهي لا تفصل بين العلاقة الجسدية والحب العاطفي، بل ان الحب العاطفي يجد ذروته في العلاقة الجسدية. لذلك تبدأ العلاقة الجنسية عند المرأة بالشعور انها محبوبة من الرجل. في هذا السياق تحسن ملامسة الروح بالكلمة الجميلة والملاطفة الحنونة قبل ملامسة الجسد.

هناك مشكلة في اختلاف نظرة كل من الرجل و المرأة للجنس. احتياج الرجل الأول هو الجنس في حين أنه الاحتياج الثالث لدي المرأة بعد الحب والأمان. يستطيع الرجل أن يفصل بين المشاكل والضغوط النفسية التي يتعرض لها وبين علاقته الجنسية مع زوجته في حين أن الظروف والاضطرابات وضعوط الحياة تؤثر بصورة مباشرة على الرغبة الجنسية لدي المرأة وتجعلها غير قادرة على ممارسة الجنس، فالمرأة وحدة وكيان واحد لا ينفصل فيه الجنس عن العاطفة. لا يمنعه خلاف حدث صباحاً مع زوجته من ممارسة الجنس معها مساءاً، لأنه يعتبر أن هذه العلاقة هي وسيلة مصالحة لتقريب وجهات النظر مع شريكة الحياة. أما المرأة فعندما عندما يحدث خلاف مع زوجها لا تستطيع أن تمارس الجنس معه لأنها لا تعتبرها وسيلة مصالحة، بل هي علاقة حب، ولحظات رومانسية تجمعها مع زوجها ولا يجب أن يعكرها أي خلاف.

  1. الاحتياج الجنسي لا يرتوي بالزواج

من الوهم أن يظن الشاب (أو الشابة) أن مشكلاته الجنسية وتأجج رغباته سينتهي بالزواج، وحياته الجنسية المضطربة ستنتظم حالما تزوج. ذلك أن الزواج نفسه ممكن أن يكون فخًا. ويظن الكثير من الشباب أن جميع مشاكلهم سوف تنحل بمجرد أن يتزوجوا، لكن في الحقيقة أن الكثير من مشاكلهم لا تبدأ إلا بعد الزواج.

مما لا شك فيه أن الاتحاد الزوجي بين الزوج والزوجة هو نعمة عظيمة. فله أن يعطي تأثيرًا شافيا خصوصًا فيما يتعلق بالتخفيف من حدة “الأنا” أي تخفيف التمركز حول الذات. لكن تأثير الزواج الشافي بحد ذاته لا يشفي شفاء كاملا أبداً. فلا يمكن أبدًا لاي بشر أن يحل مشكلة عذاب ضمير شريكه المثقل بالآثام. إن الشفاء الكامل لا يمكن الحصول عليه إلا بالرب يسوع.

لذلك فإن وثيقة الزواج ليست ضمانًا  لحياة العفاف والنقاء. فكلما فُقِدَتْ العلاقة الحقيقية مع الله، فَقَدَ الجنس بسرعة سموه الحقيقي وكرامته وأصبح هدفا وغاية في حد ذاته. لأنه حتى في الزواج، فإن السطحية في المجال الجنسي تعنى  الدمار لأنها تخرب السر العجيب للرباط بين  الرجل والمرأة.

فمن كانت حياته الجنسية مضطربة قبل الزواج عليه تنظيمها قبل أن يرتبط بشريك الحياة. فالعلاقة الجنسية هي فعل جميل جداً وفعل مشاركة كبير يتولد منه علاقة إتحاد مع إمكانية ولادة حياة جديدة في العالم. فعبارة “يصيران جسداً واحداً” تُظهر كيفية رؤية ومفهوم الله للجنس في قلب الزواج. فهي تُعلن لنا أن الله يعتبر أن الجنس هو وسيلة يستطيع من خلالها الرجل والمرأة أن يُحققوا وحدة حديدة. والملاحظ هنا أن جملة “يصيران جسداً واحداً” لا تُعبّر أو لا تصف أي من العلاقات الأخرى كالأبوة والأمومة والأخوة. “يصيران جسداً واحداً” تعني أن هدف العلاقة الجنسية ليس فقط إنجاب ذرية بل هو عملية إكتفاء نفسي لأنها تُعبّر عن حاجة عاطفية لا يستطيع أحد إشباعها إلا من خلال عملية إتحاد جديدة.

  1. استمرار ممارسة العادة السرية بعد الزواج

إذ كانت الحياة الجنسية للمرء مضطربة قبل الزواج، كمن اعتياد الشخص ممارسة العادة السرية فلا يظن الشخص أن الأمر سوف ينتهي بالزواج فالعقل البشري يعتاد سلوكيات معينة من المتعة نتيجة للعادة السرية لا تختفي بالعلاقة الجسدية في إطار الزواج.

التقيت برجال متزوجين لا يزالون يمارسون العادة السرية على الرغم من أنهم يعيشون حياة جنسية منتظمة مع زوجاتهم. وهذا يدلّ على أن الأمر لا يتعلق بتفريغ التوتر العضوي للشخص. ولكن في حالة التعود على الاستمناء فإن الجماع مع الزوجة لا يكفي، بل أحيانًا لا تحدث لذة جنسية حقيقية إلا عبر ممارسة العادة.

قد أكدت جميع الدراسات الحديثة التي أُجريت في هذا الشأن أن أية ممارسة جنسية غير الجماع الكامل المشبع مع الزوجة يؤدي إلى مشكلات نفسية وجنسية تتدرج من القلق والتوتر، وتصل إلى العجز الجنسي النفسي الكامل أحياناً.  الممارسة البديلة للجنس تعطي شعورًا بالذنب وتأنيب الضمير، حتى حدوث عمية إثارة جنسية جديدة.

المشكلة في ممارسة “العادة السرية” تظهر في آثارها على المدى المتوسط والبعيد، فهي تسكين مؤقت وخادع للشهوة، وهي في الوقت ذاته تدريب مستمر ومنظم على الإشباع الجنسي غير المنشود، وغير المشبع بالجماع الكامل. إذن العادة السرية تخلق مشكلة من حيث تريد أن تقدم حلا!

من الأفضل أن يعالج الشاب هذه المشكلة قبل الزواج، من خلال:

  • التخلص من كافة محفزات الرذيلة، خاصة المواد الإباحية المتلفزة لأنها، كما يؤكد الأخصائي النفسي فيكتور كلين: “الذكريات التي تنتج عن خبرات حدثت في أوقات بها استثارة عاطفية (بما فيها الاستثارة الجنسية) تنطبع في العقل بواسطة إحد الهرمونات المصاحبة للأدرينال هو إبينيفرين، وهذه الذكريات من الصعب جداً إزالتها” وهذا يؤدي إلى سهولة إدمان الإباحية والتي لا يستطيع الفرد التخلص منها بسهولة دون تدريب وبمساعدة شريك الحياة في أن يتحول هو إلى موضع الإستثارة الجنسية وليس المواد المتلفزة.

خطورة المعلومات المغلوطة عن الجنس هي تكوين صورة ذهنية دائمة تلاحق الإنسان فيصبح الجنس هدف في حد ذاته وتفضيل الصورة على الأشخاص وللخيال عن الواقع، بل يصبح الزواج هدفا لإشباع رغبته في الجنس. الرغبة في تنفيذ المشاهد الجنسية التي سبق أن رآها على الفضائيات في إطار الزواج، فتتحطم قدسية العلاقة.

لذا هناك مأساة حقيقية حيث أن الكثيرين في إطار الزواج يسعون إلى مشاهدة أفلام البورنو الخليعة لإعتقادهم إنها تضمن “إبقاء علاقة حبهما حية” كما يزعمان. ولا يريا أي شيء خطأ في ذلك. ويكون تبرريهما “ألا يريد الله للزوجين أن يُمَتع أحدهما الآخر”. تصير العلاقة رخيصة، ومحاولة استبدال حياتهما بحياة الآخرين، ولم تؤدي إلى اشتعال عدم قناعتهما أحدهما بالآخر.

  • استخدام جيد لوقت الفراغ وتنمية المهارات والسعى الدؤوب للنجاح. وإذا سقط مرة فلا يفقد العزيمة ولا ييأس أبدًا، بل يسعى إلى تجديد ونقاوة القلب، فالقلب غير العفيف لا يشبع ولا يتحرر.

كلما سمحنا للجنس الدنس أن يدنس نفوسنا، فتحنا الباب لقوى شيطانية لها القدرة على بسط سيطرتها على جميع المجالات في حياتنا. وليس على المجال الجنسي فقط. فيمكن للنجاسة اتخاذ أشكالا مختلفة؛ مثل استخدام شخص آخر لمجرد إشباع الغزيزة. إنه يستخدم كائن بشرى آخر، على إنه مجرد شيء، ومجرد وسيلة لإرضاء الذات وبفعلته هذه فإنه يقترف جريمة بحق الشخص الآخر، بل بحق نفسه كما يقول الإنجيل، “الزّاني يذِنبُ إلى جَسَدِهِ” (1 كورنثوس 6: 15- 20).

من الضروري جدًا لسلامة الزواج أن نرفض أي شيء ينتمي إلى الفحشاء، بل نسعى ليكون قلوبنا نقية: “أمَّا الزِّنى والفِسْقُ والفجورُ على أنواعِها فلا يَليقُ بالقِدِّيسينَ حتى ذِكرُ أسمائِها. لا سَفاهَةَ ولا سَخافَةَ ولا هَزلَ، فهذا لا يَليقُ بِكُم، بَلِ التَّسبيحُ بِحَمدِ الله” (افسس 5: 3- 4).

  1. الاستخدام الغير شرعي أو غير أخلاقي للجنس

يشكل الجنس جزءاً لا يتجزأ من الدعوة إلى الزواج التي يجب القيام بها بمحبة سامية. إن الدعوة إلى الزواج بممارسة نشاط جنسي سليم وصحيح وعادي هي طريق مباشرة نحو قداسة الزوجين. لنتذكر هنا احترام الجسد إذ يجب أن يكون هيكلاً للروح القدس، على حد قول القديس بولس. يتساءل كل زوجين: هل يسيران بأفعالهما الجنسية في هذا الاتجاه؟ أم أن أفعالهما الجنسية تلامس على العكس الابتذال، الفحش أو عدم الأمانة كنتيجة فهم خاطئ للحب أو الحرية؟

هكذا تعلم الكنيسة الكاثوليكية (تعليم الكنيسة 2363): ” يستبعد الاستخدام الشرعي للجنس الممارسات الجنسية الأخرى التي لا تمت بأي صلة إلى نقل الحياة“. إذا كان زوجان متزوجان يقيمان علاقة جنسية بشكل غير صحيح وغير نزيه، فلا بد لهما بالاعتراف من دون التطرق إلى التفاصيل الكثيرة. من المؤكد أنه ينبغي على الأفعال البشرية أن تُبنى على الحرية، لكن الكائن البشري في زماننا جعل من الحرية التي هي أداة فقط، غايةً لنفسه؛ وهكذا، يختبر ما بات يُعرف: أن الحرية لا تحرر، بل الحقيقة هي التي تحرر.

هناك بعض الذين يريدون باسم فكرة خاطئة عن الحب والحرية أو عبر تشويه حكم الضمير، أن يزيلوا المعايير الأخلاقية التي تنظم الشاط الجنسي لكي يرضوا ذاتهم من الناحية الجنسية أو يطلقوا العنان لغرائزهم. فيلجأون إلى بعض الممارسات الغير أخلاقية وفي هذا تدنيس للجنس المقدس في إطار الزواج.

وفقا لتعليم الكنيسة الكاثوليكية فإن الجنس في سياق الزواج يكون باحترام وكرامة ونضج بشري وحشمة وبمراعاة معايير معينة. “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِس … “(عبرانيين13: 4)

الجنس هو أمر جِدّي جداً يجب عدم جعله مبتذلاً أو التلاعب به أو تشويهه. ولا يشكل فرصة للتلاعب بالشخص الآخر، ولن يكون أبداً هواية. يقدّم الجنس متعة، لكن يجب عدم التوصل إلى هذه المتعة بأي ثمن. والمتعة التي يقدمها الله كحافز للإنجاز النزيه والمستقيم للواجب الزوجي الأساسي هي شرعية وجيدة، ومقدّسة من قِبل يسوع المسيح الذي أعطى كرامة للزواج برفعه واعتباره سراً.

هذا يعني أن المتعة تكون جيدة عندما نختبرها ضمن الغاية التي أرادها الله للكائن البشري؛ لكنها سيئة وغير نزيهة ولاأخلاقية عندما نبتعد عن مشيئة الله خلال سعينا إليها. في ظل غياب الخطيئة، يجب ألا يعتبر الزوجان أفعال حياتهما الزوجية عائقاً أمام تناول القربان المقدس.

إذا كان غرض الجنس هو المتعة سيفقد الإنسان حريته لأنه كائن مُعرض لإدمان المتعة، سيتحول الجنس إلى إله يعبده الشخص وتصبح كل الممارسات الجنسية صحيحة، فيجوز ممارسة الجنس مع القاصرين والقاصرات وحتى مع الرُضع والزوجة المتوفية، يجوز ممارسته مع الحيوانات، أو الممارسات الشاذة كالجنس الفموي، إو إذلال المرأة جنسيًا. إذا كان غرض الجنس المتعة لصارت كل الممارسات الجنسية صحيحة ما دامت تحقق المتعة للشخص.

غرض الجنس هو اتحاد الزوجين إنسانيا. ليس اتحاد جسدين لكي تحدث لحظة انفجار المتعة، بل هو لغة للتعبير عن الحب والانفتاح على نعمة الحياة الآتية من الله. الجنس هو اتحاد على مستوى طبيعتنا كبشر، اتحاد إنساني، طبيعتين بشريتين يتوحدا معًا، لهذا لا توجد علاقة جنسية تترك الإنسان كما كنت قبل ممارسة الحب مع شريكة الحياة. كل عملية جنسية تترك أثرًا في الطرفين، توحدهما أكثر معا، يُصبح كل شخص حاضر في الآخر.

لنتذكر أن التمتع بإفراط باللذة الجنسية يسمى شهوة. والشهوة هي خطيئة مميتة لأنها تولّد خطايا أخرى أكثر أو أقل خطورة. حالياً، غالباً تقدّم وسائل الاتصالات بعض السلوكيات الجنسية على أنها عادية بمعنى أنها غير شاذة؛ لكن هذا لا يعني أنها أخلاقية أو مطابقة لمبادئ الكنيسة.

إن الممارسات الجنسية الغير عادية لا تنجسنا أبدًا من الخارج. ولا يسعنا مسحها وإزالتها سطحيًا وقتما نشاء. فتأصلها يكون في مخيلتنا فهي تنطلق من داخلنا مثل القرحة، كما قال يسوع المسيح:

“أأنتُم حتى الآنَ لا تَفْهَمونَ؟ ألا تَعرِفونَ أنَّ ما يَدخُلُ فمَ الإنسانِ يَنْزِلُ إلى الجوفِ، ومِنهُ إلى خارجِ الجسَدِ؟ وأمّا ما يَخرُجُ مِنَ الفَمِ، فمِنَ القلبِ يَخرُجُ، وهوَ يُنجَّسُ الإنسانَ. لأنَّ مِنَ القَلبِ تَخرُجُ الأفكارُ الشَّرّيرةُ: القَتلُ والزَّنى والفِسقُ والسَّرقَةُ وشَهادَةُ الزٌّورِ والنَّميمةُ، وهيَ التي تُنَجَّسُ الإنسانَ. أمّا الأكلُ بأيدٍ غيرِ مَغسولةٍ، فلا يُنجَّسُ الإنسانَ” (متى 15: 16- 20).

إن النفس غير الطاهرة وغير العفيفة لا تشبع أبدا ولا تشفى أبدًا: فهي دائمًا تريد سرقة شيء ما لنفسها وحتى بعد ذلك تظل تشتهي المزيد. والنجاسة تلطخ النفس وتفسد الضمير، وتحطم تماسك الحياة، وأخيرًا تقود إلى الموت الروحي.

إن تقليص الحب إلى مشاعر متعة هو إذلاله، لأنه لدى الحب بُعد روحي يفوق جميع تقنيات التلاعب بالأعضاء.
الأعضاء التناسلية هي أحد جوانب النشاط الجنسي لدى الزوجين، لكنها ليست الأكثر أهمية ولا الأكثر إلحاحية، وليست الأولية. الحب هو أكثر من ذلك بكثير. هذا ما يعكسه الأجداد الذين يستمرون في إظهار الحب لبعضهم البعض من دون ممارسة الجنس؛ إنه حب أكثر نقاوة وسمواً، أكثر واقعية وأصالة.

لقد تحوّل الجنس إلى سلعة للاستهلاك حتى ضمن الزواج، وكثيراً ما يُعاش الجنس من دون الحب. وماذا تكون نتيجة ذلك؟ نفور يؤدي إلى فراغ داخلي. ينبغي على المجتمع وأعضاء الكنيسة أن يبذلوا جهداً لكي يستعيد الجنس المكانة التي يستحقها نظراً إلى أهميته. لكن هذه المهمة تبدو مستحيلة بما أن الناس يسعون إلى تجارب مختلفة، إلى أحاسيس جديدة تتخطى العقلانية.

لا يعني هذا وضع قيود جبرية للشهوة الجنسية، بل توجيهها بشكل تتحقق فيه الغاية التي يريدها الله. فالأمور الموجهة مفيدة، وأما الفائضة فهي كارثية. إن الغريزة الجنسية الفائضة في الممارسات الجنسية الغريبة تستعبد الإنسان، وتحوله إلى حيوان، وتقوده إلى الانحرافات الجنسية الأكثر وحشية وإذلالاً.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.