إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

دعوة للعمق (3): دعوة لترك الشباك

1٬182

دعى المسيح بطرس مرة أولى وأعطاه اسمًا جديدًا، وهوية جديدة. أنت بطرس (petros) أنت الصخر، أنت جزءً مني، أنا الصخرة (petra)، أنت “أداتي المختارة” التي أخترتُها مُنذ البدء لكي تكونَ أيقونتي الحاضرة في العالم والممثلة لي.
دعى المسيح بطرس في مرة ثانية وأعلن له الرسالة التي سيكلفه بها في الحياة: “هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ”، لكن بقى بطرس مضطربًا، حائرًا بين ما يطلبه المسيح وبين إرادته الشخصية. بقى مُشتتًا بين احتاجات اسرته الصغيرة وبين متطلبات الرسالة الجديدة، التي تقتضى التفرغ التام لمرافقة يسوع في تجواله من قريةٍ إلى قرية. فترة سادت فيها العشوائية والتخبط الداخلي بين ارتباطاته الأسرية والتزاماته الحياتية وبين إرادة المسيح في أن يكون صائدًا للناس.
عبر هذا الصراع عن الأزمة التي نعانيها جميعًا بين دعوة الله لنا وبين متطلبات الحياة. فقد اختارنا الله لأجل أن نكون صائدى الناس. اختارنا لأجل أن نكون “تلاميذ – مرسلون” كما عبر البابا فرنسيس في رسالته “فرح الإنجيل”. فكل مكرس هو مرسل وكل مرسل هو تلميذ، كما يقول البابا في الفقرة 266: “المرسل الحقيقي هو الذي يبقى دائما تلميذ” . إلا إننا كثيرًا ما نقع في صراع بين دعوة الله لنا وبين مسلكنا في الحياة. فالخير والصلاح والالتزام الكلي بحياة التكريس التي دعانا إليها الرب تصطدم بإرادتنا الشخصية التي تقودنا أحيانًا إلى شيء مختلف تمامًا. فالصلاح الذي نريده لا نفعله والشر الذي لا نريده إياه نفعل. نحن في حاجة إلى اللوغوس منظم كل الأشياء لينقذنا من هذا الصراع الداخلي.
1. هل نُدرك هويتنا الجديدة؟
نحن في حاجة إلى مزيد من فحص الحياة. أين نضع أقدامنا اليوم؟ هل نُدرك هويتنا الجديدة، انتسابنا إلى عائلة الله ذاته؟ إننا جزء منه؟ كما يقول بولس: “فلَستُم إِذاً بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءَ وَطَنِ القِدِّيسين ومِن أَهْلِ بَيتِ الله” (أفسس 2: 19). هل نعي الرسالة التي اختارنا لأجلها، بأن نتغير على شاكلته ونتشكل على مثاله ونكون حضوره في وسط العالم؟ أم أخذتنا الحياة ورتابتها ومتطلباتها الصعبة بعيدًا عن دعوة الله الأساسية لنا؟
لنعود نتأمل في شخصية بطرس، الذي يعود ويلتقي يسوع مرة ثالثة، كما يروى الحدث الإنجيلي لوقا:
لوقا 5: 1- 11: “وَإِذْ كَانَ الْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ الْبُحَيْرَةِ، وَالصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا الشِّبَاكَ. فَدَخَلَ إِحْدَى السَّفِينَتَيْنِ الَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ الْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ الْجُمُوعَ مِنَ السَّفِينَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ».فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ».وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ الأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا السَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي الْغَرَقِ. فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذَلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ».إِذِ اعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ الَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ السَّمَكِ الَّذِي أَخَذُوهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي اللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لاَ تَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!» وَلَمَّا جَاءُوا بِالسَّفِينَتَيْنِ إِلَى الْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ.
بالرغم من طلب يسوع للتلميذين: “هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ” (متى 4: 20). إلا أن بطرس ورفقائه عادوا إلى الصيد مرة أخرى، مما يدل على حاجاتهم المادية والرغبة في توفير متطلبات عائلاتهم وأطفالهم. تركا الشباك لوقتهم وتبعاه، لكن إلى حين، فقد كانت الحاجات المادية اكثر قوة فعادوا إلى الصيد عسى أن يغطى الصيد المنتظر حاجاتهم المادية.
2. لماذا عاد بطرس إلى الصيد؟
لقد كان يسوع يجول يصنع خيرًا، شفى الكثير من المرضى، حول الماء إلى خمر، صنع معجزات أمام نظر بطرس ورفقاءه، سمعوا تعاليمه، لكنهم عادوا مرة أخرى للصيد. تعاليم المسيح رائعة، والمعجزات مبهرة لكن هناك أسرة لها احتياجات مادية، هنا أطفال جوعى. يجب أن نفكر في توفير الطعام لعائلاتنا، لابد لنا من العمل لكي نبقى على قيد الحياة ونكسب قوتنا اليومي. عاد بطرس ورفقاءه لشباكهم الخاصة.
جميعًا لدينا شباكنا الخاصة التي نستخدمها للبقاء أحياء!!
ما هي الشبكة التي يمكنك أن تصطاد بها لتبقي على قيد الحياة في معركة البقاء على الأرض؟ هل أكتشفت يوما أنك ذكي، فأصبحت تعول على قدراتك الذهنية المميزة لتحيى ولتجد لك مكاناً مميزاً في العالم؟ فيكون ذكائك بمثابة شبكة الصيد التي تستخدمها في البقاء والتفرد في الحياة. هل أكتشف أنك تتمتع بموهبة معينة، فنية، تقنية، رياضية فأصبحت شبكتك التي تعتمد عليها لتحتل مركزًا بين الناس.
هناك طريقة أوجدتها لنفسك لتبقي على قيد الحياة، شيء ما تعتمد عليه، شيء ما تثق به، شيء ما يحقق رضاك عن نفسك ويُشعرك بالاعتزاز والقيمة في الحياة!!
البعض يجد في العمل شبكته الخاصة لتحقيق ذاته والوصول إلى مركز مرموق بين الناس، حتى داخل قطاع المكرسين. هناك البعض الآخر يجد في المال وسيلته للبقاء حيًا، يسعى بصورة محمومة للحصول عليه، ويفنى عمره في اكتنازه لكي يضمن أن تكون له مكانة بين الناس. وحياة التكريس تكون للبعض هي الشبكة التي بها يحقق بها مكانته في الحياة، خاصة عندما الشعور بعدم القيمة وإن الثوب الرهباني يحقق ما يصبون إليه من مكانة اجتماعية، من تقدير للآخرين، من امكانيات مادية أفضل.
كان بطرس في حاجة مادية ملحة فترك يسوع وذهب للصيد. بقي الليل كله يصارع الأمواج ولكن الأمر كان محبطًا جدًا، ليس هناك سمك، ليس هناك مبيعات في صباح الغد، سيبقي الأبناء دون طعام وسيزداد ضغوطات الحياة على بطرس. ” قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً”. رجع بقلب مكسور. لنتصور بطرس وهو يغسل الشباك في الصباح الباكر بعد رحلة فشل طوال الليل في الصيد. يشعر بعمق احتياج اسرته، وفشله في سداد تلك الاحتياجات، وقلقه من نظرات الزوجة المنتظرة عودته حاملا الطعام للأطفال، وبكاء الأطفال الجوعى.
اعتمد بطرس على خبرته كصياد وعلى شباكه الخاصة لكي يبقى على قيد الحياة.
على أي شيء تعتمد في الحياة؟ ما هي شباكك الخاصة التي تعتقد إنها تمنحك الحياة؟
3. لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي
في الوصية الأولى التي تركها الله للبشرية يقول الوحي الإلهي (خروج 20: 2- 5):-
“أَنا الرَّبُّ إِلهُكَ… لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي. لا تَصنَعْ لَكَ مَنْحوتاً ولا صورةَ شَيءٍ مِمَّا في السَّماءِ مِن فَوقُ، ولا مِمَّا في الأَرضِ من أَسفَلُ، ولا مِمَّا في المِياهِ مِن تَحتِ الأَرض. لا تَسجُدْ لَها ولا تَعبُدْها”
ما هي الآلهة الأخرى التي تقف أمام الرب؟ هل المقصود عبادة الشمس والقمر والمنحوتات؟
قناعتي الشخصية إنه ليس هناك ملحدين، فأنا اتفق مع ديفيد والاس في قوله: “ليس هناك إلحاد، ليس هناك أحد لا يعبد، الكل يعبد، الاختيار الوحيد الذي نملكه هو مالذي نعبد”. من لا يؤمن بيسوع المسيح ليس ملحدًا، فلا يوجد ملحدين، بل عبدة أوثان غريبة.
الإله من هو؟ الإله في اللغة هو “المعبود”، الكائن الذي منه تستمد الحياة وسبب الوجود، القادر على خلاصك ومساعدتك، هو المتعالى عنك الذي لا تستطيع أن تصل إليه، فقط أن تطلب منه الحياة.
“لا تَصنَعْ لَكَ مَنْحوتاً ولا صورةَ شَيءٍ…” المنحوت هي مادة، كالخشب أو الحجر أو البرونز أو النحاس، تم نحتها وتشكيلها لتصبح على الهيئة المطلوبة. هي تمثال لشيء ما. يقول الرب لا تصنع لك منحوتًا، لا تصنع لك لشيء مادي، شيء ملموس. لا تصنع لك صورةً! لكن ما هي الصورة؟ ليست المقصود بالصورة الوحة الفنية، لكن تلك الصورة التي تنطبع في ذهنك، شيئاً ما ترسمه وتكون شكله وتخزنه في عقلك. لا تصنع لك منحوتاً أو صورة لشيء ما في السموات والأرض، أي لا شيء إطلاقاً.. لماذا؟
لأن مكان الله في حياة الإنسان لا يمكن استبداله بشيء أخر على الاطلاق.. لا منحوتاً من مادة من المواد، ولا صورة من الصورة لأي شيء كان. لذا يحذر الكتاب من عبادة الآلهة الكاذبة لأنه ليس هناك إله إلا الله الخالق: “أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ سِوَايَ” (إشعياء 45: 5)، “قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ” (إشعياء 43: 10).
يقول الرب: “لا تصنع منحوتاً أو صورة”، ويُكمل: “لا تسجد لها… لا تعبدها”. والكلمة الأخيرة يجب أن تفهم بمعانا الحرفي تماما.. لا تكون عبداً لشيء مادي أو صورة من الصورة التي في ذهنك.
في جميع الديانات القديمة كانت عبادة الإلهة تمر بثلاث مراحل: 1) يُصنع المنحوت (التمثال)؛ 2) يُسجد له (تقدم له الذبائح والصلوات)؛ 3) يصبح البشر عبيداً له (تقدم له فروض العبادة والطاعة).
يصنع الإنسان إله كاذب يعتمد عليه عندما يضع في ذهنه صورة من الصور، فكرة من الأفكار، ويعتقد إنها وحدها القادرة على إعطائه الحياة. عندما يزرع إنسانٌ فكرة داخله فإنه يصنع صورة إله يتعبد إليها، إلى الدرجة التي يُصبح فيها غير متحكم في ذاته، فتفرض الفكرة إرادتها عليه، لا يري في حياته شيء سوى تحقيق تلك الفكرة المسيطرة عليه، يبذل الكثير من الجهد والتضحية بذاته وبالآخرين في سبيل الوصول إليها.
عبادة الأوثان التي لم تندثر من العالم ولكنها أخذت أشكال جديدة. الشيء المخيف أن الأشكال الجديدة هي أشياء جيدة للإنسان ولكنها تصبح آلهة متى تحولت إلى الشيء الأعظم والأسمى بالنسبة له. ما هو الشيء في حياتك الذي لا يمكن أن تستغنى عنه أبدًا؟ الشيء الذي إذا فقدته تشعر إن فقدت الرغبة في الحياة؟ إلهك هو الشي الذي تطلبه بكل جوارك وترغب فيه بشدة. عبادة الأوثان هي أشياء مخلوقة حلت بدل من الخالق!!
4. الإنسان هو صانع للآلهة
“الإنسان هو صانع للآلهة” كما يقول مارتن بوبر. فالإلهة هي تلك الأشياء التي تحتل مركز حياة الإنسان وتشغل تفكيره، الحقيقة ليس هناك ملحدين، ولا غير مؤمنين أبدًا، هناك مؤمنين بآلهة معتقدين إنها ستجلب لهم السعادة، لكن للأسف لا تحمل الآلهة سعادة للإنسان بل تدخله في دائرة مفرغة من القلق والتعاسة. هكذا ختم ديفيد والاس تحليله: “أن أي شيء تعبده سيقضي عليك حيًا، إن تعبد المال – وكنت تجد فيها المعنى الحقيقي للحياة- لن تحصل على ما يرضيك ولن تشعر أنك مكتف، إنها الحقيقة. إن تعبد جسدك وجمالك وجاذبيتك الجنسية، ستشعر دائما أنك دميم، ومتى يمر العمر ستموت ملايين الموتات قبل أن تفنى”. عندما تتصور إن هناك إله، شيء قادر على إعطائك الحياة والسعادة فأنت في وهم كبير.
لنأخذ مثلا بيعقوب: أحب راحيل طلبها من لابان والدها وعمل 7 سنوات، كأجير وبصورة مذلة جدًا، لأجل أن يحصل عليها. يقول الكتاب: ” فخَدَمَه يَعْقوبُ براحيلَ سَبْعَ سِنين، وكانَت في عَينَيه كأَيَّامٍ قَليلة مِن مَحبَّتِه لَها” (تكوين 29: 19). مرت السنوات السبع، وجاء اليوم المنتظر ليتزوج بمحبوبته راحيل، لكن خدعه خاله لابان وزوجه لَيئَة، ابنته الكبرى. ثم طلب منه أن يخدمه سبع سنين آخر، لكي يظفر بمحبوبته. يقول هوشع النبي: “هَرَبَ يَعْقوبُ إِلى حَقْلِ أَرام وخَدَمَ إِسْرائيلُ لِأَجلِ آمرَأَةٍ ولِأَجلِ آمرَأَةٍ، رَعى القَطيع” (هوشع 12: 13). بعد زواجه المنتظر طيلة 14 عام، تحولت الحياة إلى جحيم بسبب طلبها الأولاد: “غارَت مِن أُخْتِها وقالَت لِيَعْقوب: «هَبْ لي بَنين، وإِلاَّ فإِنِّي أَموت».2 فغَضِبَ يَعْقوبُ على راحيلَ وقال: «أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ اللهِ الَّذي مَنَعَ عَنكِ ثَمَرَةَ البَطْن؟» (تكوين 30: 1- 3).
هكذا تفعل الآلهة تُدخلنا في أوهام كثيرة وترفع من قيمة الأشياء (الجيدة في حد ذاتها) لتحتل مكان الله في قلب الإنسان. تتكون صورة في الذهن إن “حياتي ستكون سعيدة وستتغير تمامًا عند حصولي على…” “حياتي بدون هذا الشيء لا قيمة لها”. يبدأ الشخص في تكوين الفكرة والإيمان بها والسجود لها، فيخصص كل وقته للتفكير فيها، ويقدم ذبائح لأجل الوصول إلى هذا الهدف، بدءًا من نفسه، مرورًا بعلاقاته مع الآخرين، لأنه يعتقد إنها تعطيه الحياة. لكن الحلم أفضل من الحقيقية، والخيال أفضل من الواقع وكل شيء يُفقد بالامتلاك. لقد صارت رحيل إلهًا ثم اكتشف الوهم.
لا تجعل آلهك مخلوق أو شيء لأنه غير قادر على أن يملء فراغ حياتك، القديس أغسطينوس: “خلقتنا لك يا رب وقلبنا لن يرتاح حتى يستقر فيك” (كتاب الاعترافات). الفراغ فينا أكبر من يملئه المخلوق. لا ينفع أن تكون العلاقة مع شخص يغيب، زائل، فأنت مدعو لكي تكون مع علاقة مع الأبدي. الذي لا ظرف يغيره، ولا شر يغيره. أخيرًا حُلت المشكلة ورزقت راحيل بيوسف (ترتيبهم عند لقاءه من عيسو). لكن كان أول شخص يفقده يعقوب كانت رحيل ثم يوسف. المخلوق غير دائم، الله هو الذي لا يتغير ولا يغيب هو الذي يملء كل شيء، كما يقول بولس: ” فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (فيلبي 4: 19).
5. إله الذي ارتبط به بطرس
ما هو الإله الذي سيطر على حياة بطرس؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال! هل كان بطرس متعلقًا بزوجته، كيعقوب، حتى إنها كانت ترافقه رحلاته الرسولية بعد القيامة، كما يشهد بذلك بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: “أَما لنا حَقٌّ أَن نَستَصحِبَ امرَأَةً مُؤمِنةً كَسائِرِ الرُّسُلِ وإِخوَةِ الرَّبِّ وصَخْر؟ (1 كورنثوس 9: 5). لقد كانت زوجته معه حتى في أسفاره الطويلة.
أم كان مهمومًا بأسرته الصغيرة وتوفير متطلبات الحياة الطبيعة لهم، فعاد مرة أخرى للصيد لكي يوفر هذه الاحتياجات. فوجده المسيح في الصباح الباكر والجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله، في حين كان بطرس مهمومًا وهو يغسل الشباك بعد ليلة تعب فيها كثيرًا ولكنه فشل في توفير احتاجات أسرته الضرورية.
لنلاحظ تبدل في موقف بطرس تمامًا بعد حادثة الصيد العجائبي، فعند رسو سفينته على الشاطئ، ترك الصيد الثمين وقاربه رأس المال الذي يملكه ويعتمد عليه في توفير احتياجات اسرته وتبع يسوع بصورة جذرية ولم يعود مرة أخرى إلى الصيد إلا بعد صلب المسيح وقيامته. هذا المشهد الرائع الذي يصف الصدمة التي تعرض لها التلاميذ بعد حادثة الصلب. فيكرر الوحي الإلهي قصة الصيد وطلب المسيح من بطرس بأن يرعى خرافه.
ما هي آلهتك اليوم؟ ماهي الأشياء التي تطلبها يوميا لكي تكون سعيد؟
ما هو الشيء في حياتك الذي لا يمكن أن تستغنى عنه أبدًا؟ الشيء الذي إذا فقدته تشعر إن فقدت الرغبة في الحياة؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.