عيش وملح
ذهب أحد الرهبان الأجانب إلى إيطاليًا بغرض الدراسة، فنزل في دير كبير يحتله متحف مفتوح في الدور الأرض ليشاهد الزائرون روعة اللوحات الفنية المنقوشة على جدران الدير والتي ترجع إلى القرن 12 الميلادي. في يوم مزدحم شاهد أحد الأشخاص في طرقة الدير العلوي فألقى عليه السلام، وتكلم معه في حوار قصير، اشتكي فيه الضيف من أنه في انتظار أحد الرهبان وقد جاء من مسافة بعيدة ويشعر بالإرهاق والجوع. فما كان من الراهب الشاب أن اصطحبه إلى كافتريا الدير وقام بتحضير وجبة سريعة، فشرب الضيف ثم انصرف. جاء الرهبان بعد ساعات وأكتشف الجميع سرقة أموال وجهازي لاب توب وبعض الأشياء الخفيفة الأخرى، فلم يكن الضيف إلا لص انتهز فرصة الإزدحام وصعد إلى الطابع العلوي المخصص للرهبان وقام بسرقته.
لم تمر سوى ثلاثة شهور، وجاء شخص يطلب مقابلة رئيس الدير، وقدم له جهازي الكمبيوتر لكنه أعتذر عن المبلغ المالي لأنه لم يستطيع أن يرده لضيق حاله، فهو عاطل عن العمل منذ شهور. لقد كان اللص
الحضور المسيحي مختلف، هكذا يقول المسيح: “أنتم ملحُ الأرض ، فإذا فسُد الملح ، فبماذا يُملّح …. ؟” (متى 5 : 13). لماذا الملح؟ لأن الملح هو ضمانة الديمومة والاستمرار فهي يحفظ المأكولات لأكثر فترة ممكنة. لقد كان المصريين القدماء هو ملوك “التمليح للحفظ” فحفظوا مختلف الأطعمة كالأسماك (الفسيخ) واللحوم والجبن. فالحاجة هي أم الاختراع، ففي وقت الفيضان كانت تحدث مجاعات تغلب عليها المصريون بحفظ الأطعة بالملح.
الملح يحفظ الطعام من الفساد، لذا على المسيحي أن يكون مثل الملح في الأرض له مهمة أساسية هي أن يحفظ المجتمع من الفساد، لا أن يشارك فيه. في عالم ساد فيه الكذب والغش يطالب المسيحي بأن يمنع انتشار الفساد ويعمل على حفظ القيم الإنسانية الأساسية في الحياة، فيكون عنوانًا للصدق و الأمانة. فلا يصح مثلاً أن يشارك في مظاهر الفساد كالرشوة والمحسوبية والغش.
لكن ماذا لو فسد الملح؟ ماذا لو فسد المسيحي كالآخرين؟ هكذا يعلم المسيح: “أنتُم مِلحُ الأرضِ، فإذا فسَدَ المِلحُ، فَماذا يُمَلَّحُهُ؟ لا يَصلُحُ إلاَّ لأَنْ يُرمَى في الخارِجِ فيدوسَهُ النَّاسُ” (متى 5: 13). ففي وقت المسيح كانوا يجمعون الملح من على شاطئ البحر الميت، لكن البودرة البيضاء كانت تحتوي على “كلوريد الصوديوم” وعلى مواد أخرى كثيرة، ولم يكن لديهم وسائل للتنقية، فكانوا يغسلون البودرة فيذوب الملح ولا يبقى إلا شوائب تشبه الملح. لكي يكون المسيحي مؤثرًا عليه أن يحتفظ “بملوحته” بروحه المسيحية دون أن يتأثر بالمجتمع حتى إذا كان التأثير طاغيًا.
إن كل تصرف حتى لو بسيطًا يمكن أن يغير إنسانًا، يمكن أن يساعده في مراجعة حياته، فيشرق النور في قلبه ولحياته، كما حدث للص، تصرف بسيط نم على محبة وتقدير لقوله أنه مُتعب ومُنهك وجائع غير من الشخص وجعلته يندم على فعلته.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.