إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

رفرفة جناح الفراشة

1٬017

ظهرت نظرية في الفيزياء في السنوات الأخيرة تتحدث عن أن حدث بسيط في البداية يمكن أن يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية التي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع. عبرت النظرية بشكل تمثيلي عنها بهذا التشبيه: أن “رفرفة جناح فراشة في غابات البرازيل قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا أو أوروبا أو أفريقيا”.
الحدث الذي يبدو صغير يمكن أن تكون له نتائج كبيرة وغير متوقعه. لعل البعض يتذكر روز باركس، الخياطة السوداء التي رفضت أن تترك مقعدها في الباص لأحد الرجال البيض كما كانت تقضى قوانيين الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. موقف بسيط شجاع من سيدة رفضت الظلم، إلا كان للحدث تأثير كبير جدًا فقد غيرت مستقبل العالم من بعده. فقد تم القبض عليها، واستمرت محاكمتها 381 يوم وانتشرت أخبار القضية في كل مكان، وقاطع السود المواصلات العامة لمدة سنة كاملة. في النهاية تغيرت القوانين التي تفرق بين الإنسان وأخيه بسبب لون بشرته، وامتدت موجة التغيير إلى كل بلاد العالم.
رفرفة جناحي فراشة في مكان قادر على أحداث تغييرات في العالم كله. هكذا وصف المسيح الملكوت، فهو يبدأ صغير: “كَمَثَلِ حَبَّةِ خَردَلٍ أَخَذَها رَجُلٌ وَأَلقاها في بُستانِهِ، فَنَمَت وَصارَت شَجَرَةً تُعَشِّشُ طُيورُ ٱلسَّماءِ في أَغصانِها” (لوقا 13: 19).
نفهم الملكوت خطأ بسبب الثقافة السائدة حولنا! هو ليس مكافأة نهاية لحياتنا وخدمتنا على الأرض! الملكوت إذن ليس مكافأة لنهاية حياتنا وخدمتنا على الأرض! ليس مكافأة لإلتزامتنا الدينية والروحية. ليس مكافأة “شخصية” للمثابرة والصبر تكون بخلاصنا نحن وحدنا كمؤمنين ملتزمين مواظبين على فروض الإيمان. إذا فكرنا في “خلاصنا” الشخصي جعلنا ملكوت الله عقيمًا وغير مثمرًا.
الملكوت هي أن تسعى لأن تكون أداة الله وسط الآخرين، أن تنشر المحبة والسلام والخير والعدل والرجاء وسط الآخرين. أن تكون مسيحيًا حقيقيًا، حاملاً لحضوره، قائمًا بأفعاله، معلنًا كلمته بين الناس. يكون حضوره مثل الخميرة المختفية في العجين، وبالرغم من ضآلتها، قادرة على تخمير العجين كله. فالعمل البسيط والمتواضع الذي تصنعه اليوم لخير الناس، لأجل أن تصل محبة الله للآخرين، لأجل أن يسود الله على العالم هو استكمال للملكوت الذي دشنه يسوع بمجيئه على الأرض.
خطأنا هو في الاندفاع والاستعجال، نرغب في أن تكون أعمالنا كبيرة زاعقة أمام أنفسنا والناس: “لقد غيرنا العالم”! لم يترك المسيح نفسه لأغراء السرعة، كان ينقش في قلوب الناس الحجرية، ويعمل على تغيرهم من الداخل، دون أن يتعب أو يستسلم أبدًا، ولم يفقد شجاعته وصبره. هكذا خلق الله العالم، في ستة أيام (أو ست مليارت سنة) بدءً من الأصغر إلى أن وصل لخلق صورته ومثاله.
كل شيء يحتاج إلى وقت لكي يكتمل ويثمر. العامل لأجل الملكوت يجب أن يكون صبورًا، قنوعًا بأن عمل صغير يمكن أن يكون البداية. هو يلقي البذور كالمزارع، لكن الثمار لا تعتمد عليه. كل شجرة تحتاج إلى وقتها، والكارز بملكوت الله عليه أن يصبر، لأنه بالصبر والحكمة يمكن بناء الملكوت. عليه أن يخدم بدون انقطاع ولا كلل ولا ملل، دون نوم. عليه أن يزرع ويؤمن بأن الثمار من الممكن أن لا يراها في حياته.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.