عيش… حرية… كرامة إنسانية
كثيرًا ما سمعت عزيزي القارئ هذا المثل: « تروح فين يا صعلوك بين الملوك »!! فهل تعرف مدلوله؟ يرتبط هذا المثل بحادثة تاريخية تركت أثارها على تاريخ مصر. الصعلوك المقصود فى المثل هو “زعلوك” الذى كان موظف حسابات لدى أحد مماليك ضحايا مذبحة القلعة 1811 ، لسوء حظ “زعلوك” أنه وقت وقوع المذبحة كان مصاحبا لصاحب عمله المملوك ولقى مصير المملوك حيث قتل خطأ فى المذبحة.
بعد إنتهاء المعركة وإبادة 470 مملوك فى القلعة قام أمير لجنة حصر القتلى بتدوين أسماء الضحايا ليفاجئ بجثمان زعلوك بينهم … رفع الأمر إلى محمد على الذى منح على الفور لورثة الشيخ “زعلوك” آلاف المواشى ومئات الأفدنة ناحية دسوق تعويضا لمصابهم فى الشيخ … ردد الاهالى قصته بمقولة “تروح فين يا زعلوك بين الملوك” ثم حرفت إلى “تروح فين يا صعلوك بين الملوك”.
يتصور البعض إنهم أفضل من الناس جميعًا بسبب الشكل والمستوى المادي والثقافي، أو بسبب الدين أو الطائفة التي ينتموا إليها، فيلجأون إلى التقليل من الآخرين والحط من شأنهم واهدار كرامتهم بأساليب شتى: “فيتصورون أنهم ملوك والآخرين المختلفين عنهم صعاليك”. في حين إن لكل إنسان كرامة مصانة قبل أن يُولد، فالله خلق الجميع، بتنوع مُدهش، لكنهم متساوون. للجميع كرامة إنسانية واحدة ومستحقة لكونه إنسانًا.
في وقت ثورة يناير رفعنا شعار: «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية». دعوني أتوقف أمام الطلب الثالث: «كرامة إنسانية»!! ما معنى الكرامة الإنسانية؟ لماذا نرى إننا نستحق كرامة إنسانية؟ هناك 162 دولة في العالم ينص دستورها على الكرامة كأساس للحقوق الإنسان التي تكفلها الدول، لماذا هذا الاجماع على ضرورة أن نعيش بكرامة؟
السبب الوحيد هو خَلّقُ الإنسان على صورة الله ومثاله. كرامتنا تأتي من الداخل وليست تمنح من الخارج. لنا كرامة لأننا مخلوقين على صورة الله. هذا ما جعل داود يقف في ذهول متأملاً في أحوال الإنسان فيقول: “جَعَلْتهُ أَدْنَى قَلِيلاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلَى حِينٍ، ثُمَّ كَلَّلْتَهُ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَعْطَيْتَهُ السُّلْطَةَ عَلَى كُلِّ مَا صَنَعَتْهُ يَداكَ. أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ” (مزمور8: 5-7).
كلما تتطابقت حياة الإنسان مع الشكل الأصلي الذي خُلق عليه، كلما عاش إنسانيته. يُصبح الإنسان إنسانًا بحق وله كل كرامة متى تطابق مع المخطط الإلهي مُنذ البدء كما ورد في الوحي الإلهي: “نعملُ الإنسان على صورتنا وشبهنا”. الإنسان ليس تطور لما هو أدني، بل انعكاس لما هو أعلى. الإنسان ليس أرضي، بل أتي كتجسيد أرضي للكائن الأعلى السماوي، إنه “شخص” يتمتع بنفس الكرامة الإلهية، لذا علينا أن نصون هذه الأمانة.
ليس بيننا “صعاليك وسط ملوك” جميعًا واحد، رجل أو امرأة، أبيض أو أسمر البشرة، متعلم أو غير… الجميع واحد مستحق كل كرامة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.