إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

أَعطى بفرح

1٬165

عاش أحد الرهبان الوعاظ بعيدًا عن المدينة، يسبح الله في الغابة من المدينة ويعظ العصافير ويسكن شجرة من الأشجار. كان الناس يحتشدون لسماع عظاته وتعاليمه. اغتاظ ملك المدينة فمضى وتكلم مع الراهب بأن ينزل ويعظ في كاتدرائية المدينة التي انتهى الملك من بناءها، بدل من الجلوس على التراب في العراء والبرد. فأجاب الراهب: “لكن الله ليس في هيكلك”. غضب الملك وقال: “أتعلم ان عشرين مليون قطعة ذهبية اُنفقت في بناء هذه الكاتدرائية العظيمة، أنظر فقط إلى ذهب الهيكل، والنقوش الرائعة التي رسمها أفضل رسامين زماننا”. أجاب الراهب: “أعلم ذلك، لكن منذ سنة أحترق بيوت الكثيرين من شعبك، ومازالوا يسكنون الخيام وطرقوا بابك ورفضت أن تساعدهم”. قد قال الله: “هذا المخلوق التعيس لا يستطيع ايواء اخوته، ويريد بناء بيتٍ لي!”. غضب الملك وقال له: “اترك بلادي”. فقال الراهب: “إنفني حيث نفيتَ إلهي”.

تلك كلمات طاغور شاعر الهند العظيم والتي يلخص فيها كيف تكون العطية. كل منا يعطي للآخرين، الكثير أو القليل، لكن العبرة ليس في كثرة العطاء، كما اعتقد الملك ببناءه لكاتدرئية فخمة للغاية أنه يعطي لله الشيء الكثير. فقيمة العمل لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التي تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله.

هكذا يجمل بنى سيراخ الأمر فيقول: “مَجِّدِ الرَّبَّ عن قُرَّةِ ِعَين، … كُنْ مُتَهَلِّلَ الوَجْه في كُلِّ عَطيَّة وكَرِّسِ العُشورَ بِفَرَح” (بنى سيراخ 35: 7، 8). لذا مدح الرب الأرملة صاحبة الفلسين، ليس للقيمة التي وضعتها في الخزانة، بل للدافع وراء الفعل. ألقت المسكينة “كل ما تملك” بحب ولم تفكر في العواقب: كيف تعيش بعد أن تعطي كل ما تملك؟ دافع الحب جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلاً فى أعين الآخرين. “ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة” (مر12: 43).

المعيار إذن هو الحب الذي به تساعد الآخرين وليس في القيمة التي تمنحها للمحتاجين ” كُنْ مُتَهَلِّلَ الوَجْه في كُلِّ عَطيَّة وكَرِّسِ العُشورَ بِفَرَح”. يهتم الله بالقلب لا بالعطية، طالبًا الثمر الروحي الداخلي لا العطاء المادي المنظور! قال الرسول بولس: “…الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ” (كورنثوس الثانية 9: 7). لهذا يجب أن يكون العطاء بسرور هو أسلوب حياة المؤمن الذي يدرك معنى نعمة الله.

في الكتاب يطلب الرب أن نجربه إذا وثقنا به وأعطينا مما هو لنا. هكذا يقول الرب بفم ملاخي النبي: “…هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ وَجَرِّبُونِي بِهَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوى السَّمَاوَاتِ وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً لا حَصْرَ لها” (ملاخي 3: 10). إذا وثقنا به، وأشركنا الآخرين فيما وهبه الله لنا، فإنه سيفتح لنا كوى السماء ويفيضُ علينا ببركة لا حد لها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.