إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

آفة حارتنا النسيان

1٬187

في رواية أولاد حارتنا لخص المبدع نجيب محفوظ أحد أهم مشكلاتنا بقوله: “آفة حارتنا النسيان”. فالنسيان مشكلة لدي الجميع تقريبًا. ومنذ خلق الإنسان وهو يعاني من هذه المشكلة، حتى إن الوحي الإلهي يؤكد على أن الله وضع له شجرة معرفة الخير والشر في وسط الفردوس لتذكير آدم بالوصية: «مِنْ جميعِ شجرِ الجنَّةِ تأكُلُ، وأمَّا شجرَةُ معرِفَةِ الخيرِ والشَّرِّ فلا تأكُل مِنها. فيومَ تأكُلُ مِنها موتًا تموتُ» (تكوين 2: 16- 17). زرع الله الشجرة في “وسط” الجنة، في وسط حياة آدم ليراها في كل مرة ينتقل داخل الجنة، فقد كانت ماثلة أمامه دومًا لتذكره بكلام الرب له، لتذكره بحضور الله الدائم وعليه أن لا ينسى حضور الله ووصاياه.

رغبة الله الدائمة أن يكون في “وسط الحياة” للإنسان تمتلء بها آيات الكتاب بعهديه: “وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ. .. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا” (حزقيال 37، 2كورنثوس 6: 16). عندما ننتبه إلى وجود الله دائمًا في وسط الحياة نتغلب على مشكلة النسيان.

لا شيء يحجب الله عنا ويخرجه من وسط حياتنا كالنسيان. وللنسيان أسبابه، أهمها تعلقنا بمشغوليات الحياة لأنه: “فحَيثُ يكونُ كنزُكُم، يكونُ قلبُكُم” (لوقا 12: 34). ذكر يسوع هذه الآية عندما كان يعلم الجموع عن الثقة في الله وعنايته: “لا يَهُمُّكُم لِحياتِكُم ما تأكُلونَ، ولا لِلجسَدِ ما تَلبَسونَ”. الانشغال الزائد بأمور الدنيا يطرد الله من وسط الحياة.

ليس هناك شيء يجعلنا “نعاين الله” سوى الصوم. فيشدد الكتاب المقدس على أن لقاء الله ومعاينته في وسط الحياة يكون فقط بالصوم. لقد صعد موسى لملاقاة الله، ولهذا صام قبل ذلك، وهكذا إيليا. فالصوم مرتبط مباشرة بلقاء الله، كتهيئة له. فإذا طهرنا قلبنا بالصوم سنعاين ونلمس وجود الله في حياتنا اليومية.

الصوم إذن وسيلة وليس غاية تساعدنا على اليقظة لحضور الله في حياتنا. وسيلة رائعة تجعلنا نعيد ترتيب أولويات الحياة ونعرف موقع الله في قلوبنا: هل الله في الوسط؟

الصوم هو وسيلة لتطهير القلب. ليس هناك معنى من الصوم عن أطعمة معينة، ولا يتغير ولا يتجدد القلب: ” يَا ابْنِي احْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ” (أمثال 4: 23). لا معنى للصوم دون أن نتغير من الداخل، نتغير بتغير عادات خاطئة، قناعات خاطئة ونكتسب عادات وقناعات جيدة تستمر معًا بعد فترة الصوم.

لقد عدد البابا فرنسيس مجموعة من الوصايا تجعل صومنا أكثر فائدة في تجديد قلوبنا تهيئةً للقاء الرب القائم من بين الأموات. أول هذه الوصايا هي: صم عن حكم وإدانة الآخرين وأكتشف المسيح الموجود فيهم”. لا معنى للصوم المادي “إذا كُنتُم تَنهَشونَ وتَأكُلونَ بَعضُكُم بَعضًا” (غلاطية 5: 15). لا معنى الصوم ونحن نركز في عيوب الآخرين ونظهرها على الملء ونشارك في نشرها بالكلام عنها والاشارة إليها. لماذا ننظر القذى في عينى الآخر ولا نرى الخشبة التي في عيوننا.

الصوم الحقيقي أن أركز في حياتي الشخصية لأعاين وجود الله في حياتي، هل الله في “وسط” حياتي، وليس في التركيز في حياة الآخرين وتحليل أفعالهم وتصرفاتهم والمشاركة في اظهار عيوبهم ونقائصهم. هكذا يقول الرب: “لا تَدينوا، فلا تُدانوا. لا تَحكُموا على أحدٍ، فلا يُحكَمُ علَيكُم. اَغفِروا، يُغفرْ لكُم” (لوقا 6: 37).

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.