سوبرمان من رماد
في فترة السبعينات كان فتى أحلامنا كصغار هو الممثل الأمريكي كريستوفر رييف، الذي جسد أدوار سوبرمان الطائر والقادر على القضاء على الأشرار. وحزنت كغيرى لاصابته بشلل رباعي بعد سقوطه من ظهر حصان خلال مسابقة للفروسية بعد اصابة بالغة في الرقبة. ظل لبقية حياته مقعدًا في كرسي متحرك وبحاجة إلى مساعدة ليتنفس بعد إصابته في النخاع الشوكي. نهاية مأسوية لبطل جسد في أذهان المراهقين صورة الإنسان الخارق، القوي، القادر على فعل أشياء خارقة كالطيران مثلا.
بالفعل الإنسان تراب ورماد، هكذا يقول الوحي “كُلُّ بَشَرٍ كَالعُشبِ وكُلُّ مَجدهِ كَزَهرِ العُشبِ. العُشبُ يَيبَسُ وزَهرُهُ يَسقُطُ” (1 بطرس 1: 24؛ مزمور 103: 15). لذا في بداية الصوم الأربعيني تُنظم الكنيسة طقس الرماد والتي من خلاله تُذكر الإنسان بهشاشته وضعفه، فهو أمام الله وعظمته هو غبار ورماد. عندما توسط إبراهيم لصالح مدينة سادوم قال: “ما بالي أُكَلِّمُ سيّدي هذا الكلامَ وأنا تُرابٌ ورماد” (تكوين 18: 27). كذلك لبس ملك نينوى المسوح وجلس على الرماد والتراب كعلامة توبة لله حتى لا يقع قضاء الله بتدمير مدينتهم (يونان 3: 5- 9). لبس المسوح ورش الرأس بالرماد هي ممارسات شائعة في الكتاب المقدس تعبر عن التوبة فنقرأ عن يهوديت: “وسَقَطَت يَهوديتُ على وَجهِها وأَلْقَت رَماداً على رأسِها وخَلَعتِ المِسْحَ الَّذي كانَت تَرتَديه، … وصَرَخَت يَهوديتُ صُراخاً عَظيماً إِلى الرَّبِّ” (يهوديت 9، 1). .
رش الرماد، إذن، هو فعل يرمز إلى إدراك الإنسان لحالته كضعيف أمام الله وفي نفس الوقت هو علامة خارجية للتوبة والرغبة في تغيير الحياة والعودة لأن يكون الله هو مركز ومحور الحياة.
يعلمنا طقس وضع الرماد على الرأس أن التواضع هو نقطة الانطلاق: أمام ضعفنا وهشاشتنا نحن بحاجة إلى الله. لقد علم الابن المدلل بهشاشته بعد أن ابتعد عن الله وقتها قرر أن يعود إلى ابيه طالبًا الصفح عن فعلته (ر لوقا 15). وتتكون رحلة العودة، رحلة التوبة إلى الآب السماوي من ثلاث خطوات أساسية تتعلق بعلاقاتك مع نفسك والآخر والله:
الخطوة الأولى: تبدأ بالآخر الذي نكتشفه من خلال فعل الصدقة الذي نقدمه في الخفاء. هدف الصدقة هو الشعور بمعاناة الآخر، وفي ذات الوقت النمو في ثقتي في عناية الله فلا أخاف على ممتلكاتي، بل أشارك الآخرين بها. فما أملكه من مالٍ لا يخصني وحدي، بل أنا مدعو لاشراك الآخرين فيه، لا سيما الأقرب لي، عائلتي. والصدقة أيضًا يمكن أن تكون وقت أخصصه للآخرين، تضامن، احتواء لمن هم في حاجة إلى ذلك، لأني عندما أكتشف ضعفي أدرك ضعف الآخرين أيضًا.
الخطوة الثانية هي الصلاة، إذا بدأت في الشعور بالآخرين سأكتشف إني بحاجة إلى اجابات أعمق. سأكتشف عجزي وضعف امكانياتي لمساعدة المتألمين والمحتاجين. أحتاجُ إلى قوة أكبر مني، ونعمة لا أملكها، هنا تأتي الصلاة. في ضوء الصلاة يكتشف الإنسان إنه يرغب في الملء وإنه ضعيف يحتاج إلى ابيه السماوي ليعضده على صنع الخير.
سيكتشف الإنسان أخيرًا إنه ليس بالخبز وحده يحيا بل بكلمة الله الخارجة من فمه. سيتوقف عن اشباع كل الرغبات الحسية في سبيل التفرغ لعلاقته مع الله. ستشبعه كلمة الله وسيجوع إليها أكثر من حاجته للطعام، فيعمل للخبز الباقي للحياة الأبدية أكثر من الخبز الفاني. هنا أهمية الصوم، فهو نتيجة للعلاقة مع الله التي تُشبعني وكلمته التي تغنيني أكثر ما يكون هدفًا في حد ذاته أو حتى وسيلة للقاءه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.