إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

الدخول إلى العمق (7): هل تبقى أمينًا

1٬204

دعى الرب يسوع بطرسَ قائلاً: “هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ”، أعطى له يسوع اسمًا جديدًا وهوية جديدة وأعلن له عن اختياره ليكون أيقونته الحاضرة في العالم والممثلة له. إلا أن بطرس عاد مرة أخرى للصيد تحت ضغط احتياجات اسرته الصغيرة ورغبته في تأمين حياةً كريمة لزوجته وأبناءه.

عاد بطرس إلى شباكه القديمة ليبقي على قيد الحياة، على الشيء الذي يعتمد عليه للعيش، على ما يثق به وما يعطيه الرضى عن نفسه ويُشعره بالاعتزاز والقيمة في الحياة.

كل مِنا لديه صورة ذهنية، قناعة عقلية تشكلت عبر تاريخه الشخصي يعتمد عليها في الحياة. هي صورة نعتقد إنها تمنحنا الحياة. لكنها هي الآلهة التي تسرق الحياة، فكل ما نعتمد عليه ونعبده سيقضي علينا. تعرضنا للآلهة الرئيسية الثلاث: الجنس، السلطة، والمال. ونظرنا إليها من خلال تجارب المسيح في البرية:-

  1. أنت مجرد جسد: الاهتمام بالأمور الجسدية، بالجنس، بالرغبات الحسية دون الله
  2. أنت المركز: تأليه الإنسان، والسيطرة على الآخرين والتسلط عليهم
  3. السعادة والمعنى في الحياة هو في الامتلاك
  4. التخلي عن الآلهة الكاذبة

التخلي عن تلك القناعات الفكرية التي نشأنا عليها ليس بالأمر السهل. لأننا أمام أفكار صاغت العقل، أمام ذهن يوجه الحياة، يتعامل مع الواقع بطريقة معينة، وبناء على قراءته الخاصة للواقع يتخذ قرارته المعبرة عن شخصيته. تم تشكيل هذا العقل منذ الصغر نقرأ به الواقع، وبناء على هذه القراءة نختبر أحساسي ومشاعر معينة ثم تأتي السلوكيات في الحياة وفقا لهذه القراءة للواقع والمحصلة النهائية شخصيةً مرتبطة وتعتمد على تلك الأفكار، على الآلهة. أزرع فكرة تحصد سلوك، وأزرع سلوك تحصد عادة وأزرع عادة تحصد شخصية.

بالطبع لا أهدف إلى تغيير القناعات الخاطئة في هذه الرياضة، بل أحاول أن أضع كل متريض منكم أمام ذاته ليفحصها وليكتشف ما هي الآلهة الكاذبة التي يعبدها؟

لنعود إلى نص الوصية الأولى:-

خروج 20: “3لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. 4لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. 5لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ”

  • هل يتركنا الله نعبد آلهة غريبة؟

إذا استسلمنا لتلك القناعات الخاطئة، علينا أن نتحلى بالثقة بأن الله لن يتركنا طويلاً لتسرق منا الحياة. فالله غيور، لا يرضى أن نكون لشخص آخر، لا يرضى أن نتعلق بآلهة أخرى. إله غيور يعني إنه مازال قريب من الإنسان، لا يريد أن يفقد الإنسان حتى لو رغب الأخير في أن يتركه ويعبد آلهة أخرى.

الغيرة هنا أفضل من أن يترك الله الإنسان يفعل كما يشاء حتى لو صرخ يومًا إليه ليطلب معونته. فالجحيم هو أن يقول الإنسان لا لله، يختار أن يعيش إلى الأبد بمعزل عنه. أما ملء الحياة فهي أن يكون قريب منه في شركة معه.

“أعاقبُ ذنوبَ الآباءِ في الأبناءِ إلى الجيلِ الثَّالثِ والرَّابعِ مِمَّنْ يُبغِضونَني” هكذا نقرأ النص في اليسوعية أو الترجمة المشتركة. لكن الفعل العبري (pqd)  تعني “افتقد” “أزور شخصٌ ما”، فقط ترجمة فانديك التي بها ترجمة دقيقة للفعل العبري. يفتقد شخص يقوم بزيارته ويتفقد احواله، ويحضر في حياته.

أخذ هذا الفعل، في مرحلة متأخرة، معنى العقاب. لكن الفعل يعني أن غيرة الله لأجلك تعنى إنه سيأتي ليكشف لك الحقيقة.

يأتي الله ليفتقد الإنسان في وقت عبادته للآلهة الغريبة. يحضر ليكشف له الحقيقة. يأتي في صورة امتحان قاسي، يزلزل حياة الإنسان ليجعله يتساءل عن جدوى عبادة وتعلقه بهذا الإله الذي لا يفيده بشيء، بل يسرق منه الحياة. يأتي إليه ويفتقده فتنكشف الحقيقة أمام نظر الإنسان.

لنتخيل الليلة المؤلمة والمروعة التي قضاها بطرس في محاولة للصيد. لقد سبق أن دعى يسوع بطرس وطلب منه أن يساعده في خلاص الناس، لكن بطرس ترك المسيح لأجل أن يعود إلى الصيد، فهو زوج وأب لأبناء لهم احتياجات ضرورية للحياة. اعتمد بطرس على شبكته الخاصة التي لم تخزله، فهو صياد محترف متمرس في مهنته، لديه قارب مخصص للصيد. لنتخيل عودة بطرس مع بشائر الفجر وهو خالي الوفاض، لم ينجح في اصطياد سمكه واحدة يمكن له أن يبيعها في الصباح ويشترى طعامًا لأطفاله.

لنتخيل شعوره وهو يغسل الشباك بعد ليلة فشل فيها في الصيد. شعور مخزي بعدم الكفاءة، ويفكر في نظرات الأطفال الجوعى والزوجة التي كان تأمل في توفير بعض الاحتياجات الضرورية للحياة.

جاء المسيح ليفتقده. جاء المسيح ليكشف له الحقيقة! إن ما أعتقد إنه سيعطيه الرضى والمعنى كان وهمًا!!

  • يفتقد الإنسان من خلال الألم

يأتي بألمٍ لتعرف إن الآلهة لا تعطي الحياة، إنما تسلب الحياة منك. (للمكرسين) فالشخص الذي سعى بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة لينال منصب أو رئاسة ما، ليرضى طموحاته ورغبته القوية في التسلط. تأتي التجربة بأن يتخلى عنه المؤيديون ويفقد سلطانه الذي بناه ويتجرع ألم الوحدة القاتلة.

والشخص الذي سعى دوما إلى إله المال، لعله يحقق له الضمان في الحياة، تأتي أزمة كبيرة توقظه من هذا الوهم. تأتي تجربة ما لا تفيد فيها أموالك مهما اكتنزتها. أنت مدعو لتكون بركة تتبارك بها الشعوب، ويحولك المال إلى لعنة للآخرين، لأنك فقط “مؤتمن” على خير لا يملكه إلا الله، فإذا حولت نفسك إلى مالكٍ له تَصبح سيدًا على مال ظلم.

أما الشخص الذي يعاني من وحدة عاطفية ويملأ حياته بعلاقات عاطفية وجنسية، بالرغم من نذر بتوليته، اعتقادًا منه إنه سيتغلب على وحدته. لكن الخبرات العملية تقول شيئًا مخالفًا تمامًا فالعلاقات الجنسية والعاطفية للمكرسين لم تحقق لهم ما رغبوا فيه (مثل: التمزق النفسي لراهب في حالة ارتباطه بعلاقة جنسية). فلا شيء يملء فراغ حياة الإنسان، فالعلاقة الجنسية وحدها لا تملأ فراغ الحميمية الحقيقية. زد على ذلك عيش التمزق بين الارادة بالمحافظة على عيش المثال المسيحي والمنوي اتباعه وبين الواقع المعاش. يعاني الشخص من ازدواجية حياة تعيسة.

تخلق عبادة الآلهة ألم ومعاناة ناتجة من سيطرة الآلهة على الشخص. وقد سمح الله بالآلم لكي ننتبه إن هناك شيء ما خطأ. بالطبع ليس كل ألم في الحياة يكون تصحيح لخطأ ما. ولكن كثيرًا ما يسمح الله بشيء ما لا تستطيع أن تتغلب عليه وحدك، موجة أعلى من أن تسيطر عليها، حتى تتوقف عن خدمة حياة لا معنى لها، فقيرة.

ليس كل آلم هو لتصحيح خطأ ما، لكن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يصف طريقة تربية الله الأبوية بقوله:-

عبرانيين 12: 5«يا بُنَيَّ، لا تَحتَقِرْ تَأديبَ الرَّبّ، ولا تَضعَفْ نَفْسُكَ إِذا وَبَّخَكَ،6 فمَن أَحَبَّه الرَّبُّ أَدَّبَه, وهو يَجلِدُ كُلَّ ابنٍ يَرتَضيه». 7فمِن أَجْلِ التَّأديبِ تتَألَّمون، وإِنَّ اللهَ يُعامِلُكم مُعامَلَةَ البَنين, وأَيُّ ابنٍ لا يُؤَدِّبُه أَبوه؟8 فإِذا لم ينَلْكم شيَءٌ منَ التَّأدَيب، وهو نَصيبُ جَميعِ النَّاس، كُنتُم أَولادَ زِنْيَةٍ لا بَنين”.

أعطى معنى لآلامك. هناك الكثير من الناس يقضوا حياتهم دون أن يفهموا قيمة الآلم. فالحكمة الإلهية تحول الآلم إلى نعمة يكتشف من خلالها الإنسان تعلقه وعبادته للآلهة الكاذبة التي يستجدي منها السعادة.فكل المشكلات والصعوبات في الحياة هي أوقات ثمينة للغاية، المهم أن تفهمها. هي أوقات اللقاء بالله المتألم، يشرح الله وقتها لماذا تتألم وكيفية أن تتغلب على الألم. عندما تدخل إلى أعماق ذاتك. فالشخص ينمو متى تألم، متى تغلب على المشكلات التي يصادفها في حياته.

نحتاج مثل تلك الأزمات لكي نتحرر من الآلهة الكاذبة التي نتصور إن بها سعادتنا ومنها نستمد الحياة. نحن على خطأ كبير لأن الحياة لاتستمد من الناس أو الأشياء، بل فقط من الله. تطلب الحياة من الله، لا تطلب من العمل (الرسالة)، ولا من المال، لا من الأشخاص. يمتحن الله الإنسان ليقوده لشيء أكثر عمقًا، ليقوده لحياة أكثر غنى. أنت مدعو لتكون ابن في ابن الله ذاته.

  • دور الأزمة في نمو الإيمان

في نموذج اريكسون للنمو النفسي هناك مراحل كثيرة للنمو النفسي، ثمان مراحل متتابعة، تنتهي كل منها بأزمة أو حاجة يؤدي حلها إلى نمو الشخص النفسي وكسب فاعليات جديدة، في حين يؤدي الفشل في حل هذه الأزمات إلى اضطراب النمو. هكذا أيضًا النمو الروحي، فهو كالنفسي، هناك أزمات يتعرض إليها الشخص، فإذا تغلب عليها فإنه ينتقل إلى مرحلة أعلى في السُلم الروحي، وإذا فشل في حلها تتعرض حياته الروحية إلى اضطرابات كثيرة.  

الأزمات ضرورية إذن، ولا غنى عنها للنمو، والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى. القضية في كيفية قبولها والتعامل معها وحلها لنمو الشخص الروحي.

يمكنا القول إن هناك بركة خاصة لكل أزمة روحية، لأنها تدفع بالشكل أكثر إلى عمق الحياة الروحية. دعى المسيح بطرس، الحزين والبائس بعد ليلة صيد فاشلة وشعور مخزي بعدم الكفاءة، لأن يدخل إلى العمق ليدل على أن الأزمة دائمًا جيدة ولا غنى عنها للنمو الروحي.

كل أزمة وحالة عدم الاستقرار تحمل بركة كبيرة علينا أن نفهمها ونكتشفها. لا يسمح الرب بأن تكسرنا المحن والتجارب وإنما هي ضرورية لكي ننمو في معرفته ومحبته. لنقرأ هذه الآيات الرائعة في سفر التثنية:-

التثنية 32: “10لقِيَهُم في أرضٍ برِّيَّةٍ، وفي مَتاهةٍ مهجورةٍ بعيدةٍ، فأَحَاطَ بِهِم وَلاحَظَهُم وَصَانَهُم كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ. 11وكالنَّسرِ الذي يَغارُ على عِشِّهِ، وعلى فِراخه يَرِفُّ، فيَفرُشُ جناحَيهِ لِيأخذَهُم ويحمِلَهُم على ريشِهِ، 12اَقْتادَهُمُ الرّبُّ بِمُفرَدِهِ، مِنْ دونِ إلهٍ غريبٍ. 13أقامَهُم على مَشارِفِ الأرضِ وأطعَمَهُم مِنْ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ. أرضَعَهُم عسَلاً مِنَ الصَّخرِ، وزيتًا مِنْ حجرِ الصَّوَّانِ“.

يأتي الحدث بعد أن صنع الشعب عجلا من ذهب وعبدوه ورقصوا أمامه. تاه الشعب أربعين عامًا في رحلة لا تستغرق إلا أيامًا، عاشوا في متاهة كبيرة ومخيفة، ظنوا إنهم هالكون لا محالة، إلا إن الرب يعلن لهم بوضوح إنه أحاط بهم ولاحظهم وصانهم كحدقة عينه.

ثم يستخدم الوحي الإلهي تشبيه النسر الذي يحوم حول عش الصغار وفي وقت معين يضرب العش ليسقط ليُجْبِر صغاره على فرد أجنحتهم الصغيرة في الهواء فيتمكنوا من الطيران لأول مرة. يظل يراقبهم من فوق، وإذا رأي صغيرًا سيسقط على الأرض بسبب تيارات الهواء أو الخوف يُسرع طائرًا ليّبقى أسفله ليضع جناحه كوسادة يسقط عليها الصغير.

هكذا صنع الله مع شعبه اقتادهم حتى تحرورا من عبادة الآلهة الغربية، أقتادهم في متاهة خصيصًا ليعدهم ليدخلوا أرض الميعاد مُحررين من أفكارهم البالية. رافقهم في رحلتهم وأطعمهم من ثمار الصحراء وأرضعهم عسلا من الصخر وزيتا من حجر الصوان ليدل على عنايته بهم في وقت ظنوا إنه تخلى عنهم.

ذات الأزمة التي تعرض لها إبراهيم سابقًا، فقد وعده الله بابن يخرج من صلبه:  “وأجعَلُ نسلَكَ كتُرابِ الأرضِ، فإنْ أمكنَ لأحدٍ أنْ يُحصيَهُ، فنَسلُكَ أيضًا يُحصَى”(تكوين 13: 15).  وفي مرةٍ أخرى قادَهُ إلى خارج، وقالَ لهُ: «أنظُرْ إلى السَّماءِ وعُدَ النُّجومَ إنْ قَدِرْتَ أنْ تَعُدَّها». وقالَ لهُ: «هكذا يكونُ نسلُكَ» (تكوين 15: 4- 5). إلا أن الرب تأخر في تنفيذ وعده أكثر من عشرين سنة. مرت السنوات دون أن تلوح بادرة أمل واحدة في الأفق. العمر يتقدم به وزوجته قد شاخت وانقطع عنها عادة النساء. المعاناة صعبة والشواهد التي أمامه تجعله يشك في وعد الله له. هل يبقي آبرام أمينا بالرغم من الصعوبات التي يصادفها، بالرغم من التجربة القاسية التي يعانيها؟ استجاب الله أخيرًا، ثم تحدث المفاجأة: بأن يطلب الله اسحق كذبيحة. هل نسيَّ الله وعده؟ كان هذا الطلب امتحان الله الأخير لإبراهيم كي يدخل معه في علاقة أبدية.

وضع إبراهيم كل رجائه ومحبته في ذلك الابن، تعلقت به نفسه إلى الدرجة التي تراجعت فيها مكانة الله في قلبه. هكذا يقول الوحي: “خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي تُحِبُّهُ”. لقد أحب إبراهيم وحيده أكثر من الله، في حين إن الله يطلب من كل البشر في وصيته الأولى: “لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي”. العائلة تكون أحيانا آلهة نعبدها ونسجد لها: “مَنْ أحبَّ أباهُ أو أمَّهُ أكثرَ ممّا يُحِبٌّني، فلا يَسْتحِقٌّني. ومَنْ أحبَّ اَبنَهُ أو بِنتَهُ أكثرَ ممّا يُحبٌّني، فلا يَسْتحِقٌّني”

أراد الله أن يُحرر إبراهيم من قناعة عقلية أعتقد فيها أن الابن، الذي انتظره تسعون عامًا، هو الحياة،”خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، إِسْحقَ الَّذِي تُحِبُّهُ”. هكذا تفعل الآلهة تدخل الإنسان في وهم كبير وترفع من قيمة الأشياء (الجيدة في حد ذاتها) لتحتل مكان الله في قلبه. أحل إبراهيم المخلوق، الابن في هذه الحالة، ليملء فراغ حياته بدلا من الله. سبق آشرنا إلى قول القديس أغسطينوس: “خلقتنا لك يا رب وقلبنا لن يرتاح حتى يستقر فيك” (كتاب الاعترافات)، الفراغ فينا أكبر من يملئه المخلوق. لا ينفع أن تكون العلاقة مع شخص يغيب، زائل، فأنت مدعو لكي تكون مع علاقة مع الأبدي. الذي لا ظرف يغيره، ولا شر يغيره.

أراد الله أن يمتحن إرادة إبراهيم، هل سيضع إرادته لتتوافق مع إرادته. ففي وقت التجربة القاسية يُظهر الإنسان ما بداخل تمامًا. أطاع إبراهيم ووثق في أمانة الله وأخضع إرادته لإرادة الله، فبرهن على تحرره من جميع الآلهة التي تعوق علاقته بالله.

يأتي افتقاد الله ليضع الإنسان أمام ذاته، ويكشف له عما في قلبه. يختبره في ذلك الشيء تحديدًا الذي يعبده، في تلك الصورة التي “يعتقد” إن منها يستمد سعادة الحياة. يطلب الله من الإنسان أن يتخلي عن الشيء الذي يعتقد إن منه يستمد الحياة. أصبح اسحق هو كل حياة إبراهيم، لكن الحياة تستمد فقط من الله، لا تطلب من شيء آخر، حتى لو كان الابن: “مَنْ جاءَ إليَّ وما أحبَّني أكثرَ مِنْ حُبِّهِ لأبـيهِ وأُمِّهِ واَمرأتِهِ وأولادِهِ وإخوتِهِ وأخواتِهِ، بل أكثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِنَفسِهِ، لا يَقدِرُ أنْ يكونَ تِلميذًا لي”. (لوقا 14: 26).

هي مرحلة الغربلة: “سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ. وأَنتَ ثَبَّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ”. (لوقا 22: 32- 33). فلابد أن تهتز بشدة نتيجة الغربلة الشديدة لتتنقى كالحنطة، ينفصل عنك كل ما هو غير ضروري كالقش، وليظهر جوهرك الثمين.

هكذا يصنع الله معك، يقوم الله بغربلتك لتجهيزك كقصده وتنقية قلبك لتكون أهلا أن تكون معه في شركة إلى الأبد، لأن تدخل معه إلى العمق.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.