مصادر حياة وقانون القديس باخوميوس
تعد المخطوطات المتوفرة عن القديس باخوميوس هي الأغنى بين كافة المخطوطات التي تتناول نشأة الرهبنة وذلك لأنها من جانب هي مخطوطات أصلية، كتبها الرهبان أنفسهم، وليس مؤرخين أو رحالة قد كتبوا عنهم. ومن جانب آخر هي مخطوطات كتبت باللغة التي يتحدثها الرهبان، اللغة القبطية، وإن كانت هناك ترجمات بلغات مختلفة مثل اليونانية واللاتينية، والحبشية وأخيرا العربية. ويمكن تقسيمها وفقا للغات إلى:
السيَّر القبطية للأبنا باخوميوس
- أ- المخطوطات باللهجة الصعيدية
في نهاية القرن الماضي نشر Amélineau بعض المخطوطات القبطية المنتشرة في مكتبات أوروبا المختلفة وتضمن كتابه المخطوط المكتوب باللهجة البحيرية وبعض النصوص باللهجة الصعيدية. شهدت المخطوطات القبطية لباخوميوس ثورة كبيرة مع بدء نشر عالم القبطيات Lefort لبعض الوثائق القبطية التي لم تكن معروفة قبل ذلك والتي زادت عن عشرين مخطوط غير مكتمل رمز لها بالرمز S1; S2; S20 وجميعهم باللهجة الصعيدية. ثم نشر مخطوطا أخر باللهجة البحيرية في عام 1925، أعقبه ترجمة فرنسية له[1].
- ب- المخطوط Bo باللهجة البحيرية
كشف Veilleux من خلال دراسته النقدية أن المخطوط Bo ما هو إلا ترجمة أمينة للمخطوط القبطي S7 الأكثر قدماً من الناحية التاريخية خاصة إنه يتوقف عن وفاة القديس باخوميوس، في حين إن المخطوط الآخر الذي تستكمل به Bo هو S5الذي يمد السيرة إلى تلاميذ باخوميوس تادرس وأورزيسوس. ونشر أخيرا [2]Veilleux سيرة مطولة “حياة الشركة الباخومية” مستخدماً مخطوطات مختلفة وهي Bo e S4, S5, S6, S7, S14 e S19.
- ج- المخطوطات الأكثر أصالة لسيرة الأبنا باخوميوس
نمتلك فقط ستة عشر صفحة باللهجة القبطية الصعيدية S1 التي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي وتعد حاليا من قبل الباحثيين المخطوط الأكثر أصالة لباخوميوس والذي كتبه أحد تلاميذه المباشرين بعد وفاته. وهناك عشرون صفحة S2 تتحدث على القوة الروحية التي كان يتمتع بها باخوميوس، كتميز الأرواح، والرؤية الفوق طبيعية والقدرة على صنع المعجزات. هذا النص فريد في نوعه لا يتشابه مع غيره من النصوص باللغات المختلفة، ولكنه يقترب من أسلوب القديس أثناسيوس في الكتابة عن القديس أنطونيوس. ويرجح Lefort أن النص على قاعد تقاليد شفهية كانت متداولة عن باخوميوس بعد نياحته. هناك أيضا المخطوط S8 وهو الوحيد الذي حمل لنا عنوان السيرة: “سيرة أبينا الأبنا باخوميوس الذي رقد في الرب في الرابع عشر من بشنس المبارك”. هذا العبارة التي نقلت إلى النص الأكثر أهمية S3 والذي ترجع أهميته إلى أنه النص الأطول، ولأنه يتضمن نص السيرة الأولى باللهجة الصعيدية كاملاً، مضاف إليه نص أخر باللهجة البحيرية.
السيَّر اليونانية للأنبا باخوميوس
نشر [3]Halkin سيرة القديس باخوميوس باللغة اليونانية المتوفرة في ستة مخطوطات وهي G1, G2 … G6، عدا G5 التي قام بتحقيقها كل من J.Bousquet – F. Nau في بترولوجيا الآباء الشرقيين[4]. بالإضافة إلى تلك المخطوطات هناك مجموعة من الروايات حول باخوميوس وتلاميذه تعرف باسم Paralipomena ورسالة للأسقف أمونيوس إلى البطريرك ثاوفيلوس متحدثا عن الرهبنة الباخومية، كتبت ما بين عامي 399 إلى 401، والفصلين الذي كتبهما بلاديوس في تاريخه اللوذياكي متحدثا عن باخوميوس وأديرة النساء في طبانيس.
- أ- سيرة أنبا باخوميوس الأولى باللغة اليونانية المخطوط G1
السيرة الأولى لباخوميوس باللغة اليونانية تتوافر لدينا في أربع مخطوطات، لا تختلف سوى في الأسلوب والصياغة لكن يظل المحتوى واحد. نشر الأب Festugière العمل باللغة الفرنسية في عام 1965[5]. يختلف الدراسون كثيراً على أصالة المخطوط ، قبل نشر Lefort للمخطوطات القبطية، كان يُعتقد إنه النص الأصلي لسيرة باخوميوس، كتبت أولا باليونانية ثم نُقلت إلى القبطية في وقت لاحق. Lefort كشف من جانبه إنه 53 فقرة فقط واردة في النص، يمكن أعتبارهم من النص الأصلي، نظراً لعدم ورودهم في إي مخطوط أخر، في حين باقي السيرة كلها ترجمة من مخطوطات قبطية، خاصة S5. يصل عالم القبطيات إلى نتيجة مفداها أن كاتب نص استمد كتابته من مصدرين كُّتب باللهجة الصعيدية، أحدهما هو S5، أما الثاني فهو نص مفقود لم يصل إلى إيدينا.
- ب- سيرة أنبا باخوميوس الثانية باللغة اليونانية المخطوط G2
السيرة الثانية هي النص الأكثر شهرة لباخوميوس، خاصة أن تراجمه للغات المختلفة جابت أوروبا في العصر الوسيط. صَّنف Halkin وحده أكثر من ثلاثة عشر مخطوطاً لهذه السيرة. تختلف هذه السيرة تماماً عن السيرة الأولى، ويلاحظ أن كاتبها غير مصرياً، ولا يعرف الرزمانة الليتورجية للكنيسة القبطية. ومازالت العلاقة بين السيرتين محل دراسة من جانب المتخصصين، إلا الرأى الأرجح هو استناد كاتبها على نص أولى مفقود أضاف له بعض القصص من Paralipomena، فالكاتب لا يشير إلى تادرس أو لتلاميذ باخوميوس، عكس G1.
- ج- = Paralipomena تجميع لبعض قصص أنبا باخوميوس باللغة اليونانية
هو تجميع لبعض قصص الأنبا باخوميوس المكتوبة باللغة اليونانية، وهي تتواجد في ذات المخطوط مع السيرة الأولى G1 . يوحنا شيخو ترك لنا نص كاملاً منها في أعماله باللغة السريانية في رسائل موجهة إلى البطريرك جوارجيوس (661- 680). وهناك نصوص مجزأ لها في السير الثانية والثالثة باللغة اليونانية. دعا هذا التكرار للنصوص إلى طرح السؤال عن أيهما كان مصدرا للآخر: هل Paralipomena كانت مصدراً للسير، أم كُّتبت السير أولاً ثم تم فصل بعض القصص الواردة في Paralipomena. السؤال لم يجد إجابة لصعوبة الحسم خاصة مع التشابه الشديد بينها وبين كتابات أيفاجريوس التي دفعت Lefort إلى فرض أنها أضيفت في وقت لاحق ونُسبت إلى باخوميوس، في حين يرجح البعض إنها لباخوميوس لكن أصل هذه القصص فُقد عبر التاريخ.
السيرة اللاتينية للأنبا باخوميوس
في النصف الأول من القرن الخامس قام الراهب دونزيوس الصغير بترجمة نصا لسيرة الأنبا باخوميوس إلى اللغة اللاتينية، الذي من خلاله عرفت أوروبا مؤسس حياة الشركة في صعيد مصر. لكن ما هي أصالة النص، هل هو ترجمة لمخطوطات قبطية أم يونانية، خاصة التشابه الكبير وبينه السيرة الثانية باللغة اليونانية. عكف الدارسون لحل هذه المعضلة وتعددت الآراء، فالبعض يرجح اعتماد دونزيوس الصغير على G2، إلا أنه أضاف قانون الملاك لبلاديوس إلى النص. في حين يرى Lefort ان وجود قصة بلاديوس دليلاً على أن النص اللاتيني أقدم تاريخياً من G2، ويفترض أن كاتب السيرة الثانية باللغة اليونانية وجد أن القصة لا تتناسب مع الإطار الواقعي للروحانية الباخومية فقام بحذف قانون الملاك. من جانبي أرى أن كاتب السيرة الثانية G2 قام بترجمة النص اللاتيني لدونزيوس ولكنه أضاف اربعة فقرات، منها قانون الملاك، حرفيا من نص Paralipomena.
السيرة العربية للأنبا باخوميوس
لم تحظى السير العربية بذات الاهتمام الذي حظيت به السيَّر القبطية واليونانية استناداً لفرضية Ladeuze أن كافة المخطوطات هي ترجمة غير دقيقة لنص وحيد. إلا هذه الفرضية لا يعتد بها حاليا بعد أن أثبتت الدراسات النقدية بأن المخطوطات العربية هي تراجم لنصوص مختلفة قبطية ويونانية. قام Lefort بتصنيف المخطوطات العربية إلى ثلاث فئات.
الفئة الأول: المخطوطات المترجمة من اللغة القبطية
المخطوطة 172 المحفوظة بالفاتيكان والتي ترجع إلى القرن الثاني عشر هي ترجمة أمينة لـ S7. في حين أن المخطوطة 116 المحفوظة بجامعة جوتبرج بألمانيا، والتي تعود إلى القرن الخامس عشر هي ترجمة لنصين مدمجين معا: S1 و Bo.
الفئة الثانية: المخطوطات المترجمة من اللغة اليونانية
هي المخطوطة 261 لمكتبة باريس الكبرى وهي ترجمة لنص G3، وكتاب “القديس أنبا باخوميوس أب الشركة” المطبوع باللغة العربية – نقحه عن المخطوطات القمص عبد المسيح المسعودي، طبعة سنة 1891م وهي تراجم G3.
الفئة الثالثة: المخطوطات المترجمة من اللغة القبطية واليونانية
المخطوط 4325 المحفوظ بالمتحف البريطاني بلندن، والمخطوطة 4784 المحفوظة بمكتبة باريس فقد أعتمد عليها Amélineau في الترجمة الفرنسية لسيرة القديس باخوميوس وجميعهم تراجم من G3 مضاف إليهم بعض الأحداث من S7.
قوانين القديس باخوميوس وكتاباته وكتابات تلاميذه
توضح لنا السِّير الخاصة بباخوميوس أنه قد سَّن مجموعة من القوانين لتلاميذه لتنظيم العمل والحياة داخل الأديرة. ففي المرحلة الأولى لنظام الشركة وضع قانونًا بسيطًا يتناسب مع كون تلاميذه الأوائل لم يعتادوا العيش المشترك، فكثيراً منهم كانوا نساك متوحدين: “أن يقيم كل نساك وحده، و يعمل ليقتات قوته من عمل يديه، على أن يضع ما يفيض عن حاجته تحت تصرف الآخرين”. مع تنامي عدد الرهبان ظهرت الحاجة لسَّن قوانين مُّنظمة للحياة، فظهر القانون الأول المنظم للحياة النسكية مستمدًا من روحانية أعمال الرسل، مشدداً على المساواه الكاملة بين الرهبان في المأكل والملبس، والتخلي الكامل عن الممتلكات المادية ووضع كل شيء تحت تصرف الجماعة الرهبانية.
لم تُحفظ قوانين القديس باخوميوس بكاملها الا فى نسخة وحيدة باللغة اللاتينية قام بترجمها القديس جيروم (Jerome) في عام 404. هناك بعض الأجزاء المتناثرة لمخطوطات باللغة القبطية قام بتحقيقها عالم القبطيات Lefort في عام 1935، والذي كشف من خلال دارسته النقدية أن المخطوطات جامعة مشيجان والمتحف المصري والمتحف القبطي (Michigan n. 15821, museo copto del Cairo n. 390 e museo Egiziano n. 9256a-b)، تحتوي على التعليمات والأنظمة عدا الفقرة الأخيرة فقط.
لا نملك مخطوطات لقانون القديس باخوميوس باللغة اليونانية والتي يُفترض وجودها تحت يد القديس جيروم الذي كان يجهل اللغة القبطية، من المرجح استعانته بالترجمة اليونانية لوضع ترجمته. من خلال سيرة باخوميوس نعلم أنه أستعان بأحد الرهبان (تادرس السكندري) لترجمة القانون إلى اليونانية لخدمة الرهبان اليونان اللذين يجهلون القبطية. ومن المحتمل أن يكون ( سيلفانوس sylivin) الكاهن قد أعطى نسخة من هذه الترجمة اليونانية للقديس جيروم وطلب منه ترجمتها إلى اللاتينية لمصلحة بعض رهبان (كانوب CANOPE) شمال شرق الاسكندرية فى أبى قير ، وكذلك لرهبان ( طيبايا THEBAIDE) الذين كانوا يجهلون القبطية واليونانية.
أتاحت ترجمة جيروم لقوانين القديس باخوميوس الانتشار فى الغرب. وقد استعان باسيليوس بقوانين الانبا باخوميوس فى وضع قانونه الخاص. وكذالك شكلت الترجمة اللاتينية لقوانين الانبا باخوميوس ربع كتاب: “القانون الشرقى REGULA ORIENTALIS ” الذى ألفه الشماس (فير جيليوس VIGLLE) فى سنة 420م فى بلاد GAULE بفرنسا.
ولقد استعان القديسان ( سيزير الارلى CESAIRE DARLES) و(أوريليوس الارلى AURELIUS daries) بقوانين الانبا باخوميوس فى وضع قانونيهما وكذالك الرهبان (سيلت celtes ) وكذلك تتشابه قوانين regula tarnatensis”) التى وضعت فى القرن السابع, وقوانين القديس (بنديكتوس benoit) مؤسس الرهبنة فى الغرب مع قوانين الانبا باخوميوس.
أخيرا القديس (بنديكتوس الانيانى benoit d aniane) المتوفى عام 821م, استعان فى اصلاحه الكبير بقوانين القديس باخوميوس فى كتابه “liber ex regulis diversorum partum collectus” عن النص اللاتينى للقديس جيروم. أنَّ نص قوانين القديس باخوميوس عن ترجمة القديس جيروم تشمل أربعة اقسام تسبقها مقدمة جيروم نفسه وتنقسم الى 194 قانونا. مقدمة القديس جيروم. القسم الآول من 1-144: تعليمات. “الثانى من 145- 162: تعليمات وأنظمة. “الثالث من 163- 179: ” وأحكام: “الرابع من 180- 194: ” وشرائع.
- قانون الملاك لبلاديوس
لقد ذكر (بلاديوس palladius) فى كتابه : التاريخ اللوزياكي (Historia Lausiaca) “32: 1” أن قوانين القديس باخوميوس قد أملاها عليه ملاكٌ من السماء وأمره بتغيير حياته النسكية الى حياة الشركة مع الرهبان بأن يسمح لهؤلاء أن يعشوا معه “وقد ظهر له ملاك الرب عندما كان جالسا فى مغارته وقال له: لقد أخلصت فى اتمام ما يخصك من الامور ومن العبث أن تظل هكذا مرتبطا بهذه المغارة , هيا أخرج من هنا واجمع كل الرهبان الشباب وأقم معهم حسب الخطط الذى سأعطيه لك وأفرض لك وأفرض عليهم ما يلزم من قوانين”ثم سلمه الملاك لوحة نحاسية محفورا عليها نص القوانين”.
عُد هذا القانون قديماً بمثابة أقدم القوانين المنظمة للحياة النسكية، لكن أظهرت الدراسات النقدية الحديثة صعوبة ارتباطه بنظام الحياة الذي سنه باخوميوس وذلك لاختلافه البينّ مع الروحانية الباخومية.
- أصالة قانون باخوميوس
يؤكد جيروم في مقدمته للنص اللاتيني أنه تسلم القانون ورسالة لتادرس وكتاب أورزيسوس في عام 404 من دير كانوب القريب من الإسكندرية لحاجة الرهبان اللاتين الغير ناطقين بالقبطية واليونانية. إلا أن إشارة جيروم للرهبان بأنهم رهبان طيبايا ( THEBAIDE) تُثير موجة من الشكوك، لأن المنطقة التي عاش فيها باخوميوس كانت تدعي طفانسيه. كما أن تقسيم القانون إلى المجموعات الأربعة يُثير تساؤلات كثيرة، فهل الأمر يتعلق بفترات زمنية متباعدة سُّنت لها قوانين مختلفة. يؤكد Lefort من جانبه أن مقدمة جيروم تعكس احتمالية أن يكون النص الأصلي قد تم الإضافة إليه أو الحذف منه بمعرفة تلاميذ باخوميوس، تادرس وأورزيسوس.
يفترض Bacht أن التعليمات هو النص الأصلي الذي أضاف إليه التلاميذ النصوص الأخرى. في حين يؤكد Lefort من جانبه أن التعليمات تتناسب أكثر مع فكر أورزيسوس الواضح في كتابه الذي ترجمه أيضا القديس جيروم. تفترض van Molle أن الأقسام الأربعة للقانون تعكس مراحل أربع للرهبنة الباخومية تأتي الأحكام في مرحلة النشأة لنظام القديس باخوميوس حيث هناك عدد قليل من التلاميذ الأولون. هي مجموعة من القواعد الإنجيلية المنظمة للحياة المشتركة بين الرهبان. تأتي التعليمات والأنظمة في وقت متأخر لحياة باخوميوس وهو بعدُ مسن لتنظيم الحياة بالأديرة (ديرين في الغالب). أما الشرائع فهي سُّنت في وقت كانت الأديرة قد تأسست وترسخت في مناطق كثيرة من صعيد مصر. وأخيرا التعليمات التي سُّنت في مرحلة متأخرة، بعد وفاة باخوميوس، حيث هناك عدة أديرة ممتلئة بالآف الرهبان. في جميع الأحوال تكون التعليمات التي تأثر بها بشدة الغرب المسيحي لا تنتمي مباشرة إلى باخوميوس، بل إلى أحد تلاميذه وهو تادرس[1].
أثارت فرضية van Molle انتقادات كثير من الباحثين، على رأسهم Veilleux الذي يري أن التعليمات هي الأكثر أصالة. في حين يفترض Dom de Vogüé أن الأقسام جميعها هي لباخوميوس، لكن ترتيب الأقسام الأربع للقانون هو ترتيب عمودي قائم على طول الأقسام، فقد وضع جيروم القسم الأطول والذي يشمل 144 بندا في المقدمة ثم التعليمات والأنظمة التي تشمل 17 بند، ثم الأحكام 15 بند، ثم الشرائع 14 بند، وهو نظام كان متبعا في عصره.
من جانبي أرى أن فرضية van Molle جديرة بالمناقشة المتأنية لأنها عكست أهمية مقارنة الأقسام الأربعة للقانون بما نجده في سيرة باخوميوس. أي من تلك الأقسام يتطابق تماما مع ما ورد بالسيرة، وأي منها يتعارض مع روح باخوميوس.
- أ- القسم الآول ( 1-144) “التعليمات”
تظهر أقسام متباينة تم جمعها في أوقات زمنية مختلفة. تعمل البنود السبع الأولى كمقدمة، ويري كثير من الدارسين إنها تناسب أسلوب أورزيسوس خليفة باخوميوس. يبدأ القسم الأول بالبند 8أ وبهذه الجملة: “إليك نظام الحياة الذي ورثناه عن القدماء” وهي بنود خاصة بقبول المبتدئ بالأديرة الباخومية، ثم تتعدد بنود خاصة بالسينكس (مكان الصلاة) ونظام التعليم الأسبوعي وبعض المشكلات اليومية حتى البند 48. ويأتي البند الأخير بمثابة ختام للجزء الأول: “إذا أهمل أحد أو خالف احدى هذه التعليمات، يعاقب بمقتضى التوبيخ المألوف“. تعود مرة أخرى المشكلات اليومية في البنود التالي من 49 إلى 103 ويأتي ختام هذا الجزء بالعبارة: “وكل من خالف باحتقار احد هذه القوانين السابق ذكرها يجرى اصلاحه بعقاب مماثل“. تأتي البنود الأخيرة لتكرار بعض النظم التي سبق تناولها سابقاً، هذا ما دفع Veilleux إلى إفتراض إنه أُضيفت لاحقاً إلى الأجزاء الأولى.
يختلف الدارسون على هوية كاتب “التعليمات” فترى van Molle إنها قريبة من تعاليم تادرس، التلميذ المقرب من باخوميوس. من جانبي أرى صعوبة قبول هذه الفرضية نظراً لاختلاف بعض البنود الواردة بالتعليمات مع تعاليم تادرس. فالبند 49 الذي يتناول قبول المبتدئين بالأديرة الباخومية يتتطلب ان يقضي المبتدئ أيام قليلة أمام بوابة الدير حتى يحفظ بعض الصلوات والمزامير. لكن تادرس كان يُشدد على بقائه شهراً كاملاً. كذلك تُنظم البنود 53-54 زيارات الرهبان لأقاربهم في حالة المرض أو الموت، في حين تُظهر تعاليم تادرس ضرورة الانقطاع الكامل عن الأسرة متى التحق الشخص بالدير (ت 3: 17).
كاتب التعاليم هو راهب غير معروف من تلاميذ باخوميوس، هي تجميع لخبرات الباخوميين التي كانت تُنقل شفهياً أولاً، ثم تمت كتابتها. يظهر نظام الحياة الباخومي من خلال هذا القسم كجماعة كثيفة الأعداد والتنظيمات، تحاول أن تبقي على نظام المؤسس، باخوميوس.
- ب- القسم الثانى ( 145- 162) “تعليمات وأنظمة”
يُنظم هذا القسم الحياة داخل “البيوت” ومهام رؤسائها مثل مهمة التعليم، وتوزيع الأعمال على الرهبان، وقيادة الصلاة ويسهر على العلاقات بين الرهبان، وتوقيع العقاب على المخطئين. فقط في حالات المخالفات الجسيمة فإنه يلجأ لتحويل الأمر إلى رئيس الدير العام مثل: الكذب والكسل وزرع انشقاقات بين الأخوة. ويحق للأخوة متي رأوا تقاعس المسئول عن أداء مهامه، أو استسلامه للسكر، أو متى عاملهم بقسوة رفع الأمر لرئيس الدير مباشرة.
ينعت هذا القسم رئيس الدير بهذا اللقب الفريد: ” الكونوموس- المدبر”. تُظهر لنا سيرة باخوميوس أنه كان لقبه الشخصي الخاص في الفترة الأولى للرهبنة، فهو القائم بمهمة التدبير الروحي والمالي، ثم عهد لتلميذه تادرس مهمة التدبير المالي في شيخوخته. ومع تنامي أعداد الرهبان والأديرة خُصص المصطلح للقائم بالتدبير المالي فقط، وهذا يدل على أن هذا القسم سابق للقسم الأول من الناحية التاريخية، كما أفترضت van Molle ، لأن بالأخير يأتي لوصف المدبر المالي فقط. فالجماعة الباخومية كانت قليلة العدد، في دير واحد أو في ديرين متقاربين على أقصى تقدير، على رأسها باخوميوس نفسه قائماً على أعمال التدبير الروحي والمالي للجماعة الوليدة. سَّن باخوميوس هذه التعليمات لرؤساء البيوت لتنظيم العمل بالدير.
- ت- القسم الثالث (163- 179) ” تعليمات وأحكام”
يحض هذا القسم على المحبة وبدعو إلى اليقظة من النوم فزمن الخلاص قريب. تدعو التعاليم هنا إلى نبذ الخصومات وروح الانشقاقات بين الرهبان والخداع والتذمر والتشكي والعصيان. يتطلب هذا التخلي عن روح العالم والتحلي بالروح النسكية . وهي ذات التعاليم التي أعطاها باخوميوس إلى أول ثلاث تلاميذ طلبوا الانضمام إليه، كما نقرأ في سيرته: “نظم لهم بعض القوانين المستمدة أصولها من الكتاب المقدس وأساسها كله المساواة في الأكل والملبس والنوم”. تعكس هذه التعليم روح باخوميوس كما نجدها في تعليمه الأول بخصوص الأخ الذي اخطأ.
- ث- القسم الرابع ( 180- 194) ” الشرائع”
يأتي هذا القسم القصير لينظم الحياة في “البيوت” على غرار القسم الثاني. ويأتي القسم كفاصل بين القسمين الثاني والثالث وفيها الجماعة الباخومية قليلة العدد وفي دير أو أثنين على أقصى تقدير، وبين القسم الأول والجماعة أعدادها ضخمة جداً وبأديرة عديدة على مساحة جغرافية كبيرة.
[1] M. M. van MOLLE, Essai de classement chronologique des premières règles de vie commune connue en chrétienté, in «VS Suppl.», 84(1968), pp. 108-127.
[1]LEFORT L. Th., S. Pachomii vita bohairice scripta, in: CSCO 89, Louvain 1925 (versione latina in: CSCO 107, Louvain 1936).
[2] VEILLEUX A., La vie de Saint Pachôme selon la tradition copte, in: SO 38, Bellefontaine 1984.
[3] HALKIN F., Sancti Pachomii vitae graecae, in: SH 19, Bruxelles 1932.
[4] BOUSQUET J. – NAU F., Histoire de saint Pacôme (Une rédaction inédite des Ascetica). Texte grec des manuscrits Paris 881 et Chartres 1754 avec une traduction de la version syriaque et un analyse du manuscrit de Paris Suppl. grec. 480, in: PO, vol. IV/5, Paris 1907.
[5] FESTUGIÈRE A.-J., Les moines d’Orient, vol. IV/2: La première vie grecque de saint Pachôme, Paris 1965.