إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

عامٌ مضى على رحيل أبونا كمال

1٬203

علِّمْنا أنَّ أيَّامَنا مَعدُودَةٌ، فتَدخلَ إلى قلوبِنا الحِكْمةُ.

جميعنا أيامنا معدودة فالحياة ستنتهي في وقت ما، إذا عشنا سنوات قليلة أو كثيرة. العبرة ليس في طول الحياة أو قصرها، بل في كيف نعيشها!! عاش موسى أربعون سنة في بيت فرعون والكتاب لم يذكر ما حدث في تلك السنوات غير أنه تربي في ظل حكمة المصريين، وعاش أربعين سنة أخرى في البرية هاربًا من فرعون ولم يكتب عن هذه الفترة سوى القليل. أما الأربعين سنة الأخيرة عاشها في قيادة الشعب وهي فترة ممتلئة بالأحداث العظيمة.

عاش موسى الأربعين سنة الأولى لنفسه فكانت قصته قصيرة وغير جديرة بالكتابة، وعندما هرب لنجاة بنفسه أيضًا كانت حياته غير ذات أهمية فلم يسجل الوحي الإلهي شيئًا عنها. لكن عندما دعاه الرب لقيادة الشعب أصبحت حياته ممتلئة بالاختبارات والأحداث والمعجزات فكتبت أسفار كاملة عنها. العبرة إذن ليست في طول السنوات التي يعيشها الإنسان على الأرض بل في كيفية عيش الحياة. إذا سلم الإنسان حياته إلى الله فإنه يصنع المعجزات والأحداث العظيمة. يقول الكتاب أن شخص اسمه متوشالح عاش 969 سنة، لكن الكتاب لا يذكر عنه شيء سوى عاش ثم مات. العبرة ليست في طول الأيام على الأرض ولكن في كيف يعيش الإنسان. إذا عشت لأجل نفسك ولحماية نفسك ستكون قصتك على الأرض لا تذكر وغير مهمة، أما إذا سلمت حياتك إلى الرب فسيصنع بك ومن خلالك المعجزات العظيمة.

عاش أبونا كمال سنوات قليلة لكنها كانت كسنوات موسى الأخيرة ممتلئة بالاحداث العظيمة لأنه قبل دعوة الله له وترك حياته بين يديه فاستخدمه الله في خلاص شعبه. سنوات تبدو قليلة لكنها ممتئلة بالاختبارت الرائعة والتأثير الكبير في من حوله، إذا أردنا أن نكتبها في صفحات تُصبح انجيل جديد. نعرف أن الأناجيل هي أربعة فقط: متى، مرقس، لوقا ويوحنا، ولكن هناك أنجيل خامس لم يكتب على أوراق البردي ولم ينشر في صفحات مطبوعة لكنه كتب في قلوب حية وفي حياة وأجساد حية لبعض الناس عاشوا الانجيل فكانت كلمات الإنجيل مكتوبة في أعمالهم قرائها الناس وأمنوا من خلال تلك الأعمال: “أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ” (2 كور 3: 2). لذلك من المشروع أن نتحدث عن الإنجيل وفقا للقديس فرنسيس الأسيزي والإنجيل وفق للأم تريزا. عاش بعض القديسين الإنجيل بطريقة فريدة ومميزة فكتبوا من خلال حياتهم أنجيل خاص لمسه الناس وأثرا فيهم.

يمكننا اليوم الكلام على إنجيل خاص بابونا كمال كتبه بحياته وأعماله قرأه ولمسه الناس.

في الصفحة الأولى من هذا الإنجيل: الاسم “كمال”. ترتبط الاسماء في الكتاب المقدس بالرسلة التي يحملها الشخص في الحياة. فيغير المسيح اسم سمعان ليدل على رسالته، فهو الصخرة التي تبنى عليها الكنيسة. ويغير الله اسم آبرام إلى إبراهيم لأنه سيصبح أب لجمهور كثير. ابونا كمال.. وُلد ليحمل معنى اسمه، ليكون كاملا كما أن الله الذي دعاه كامل.

يقول المسيح في العظة على الجيل: “فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ” (متى 5: 48). الله وحده الكامل لكن الله دعى البعض ليكونوا “كاملين”ليعلنوا بحياتهم عن حضور الله، بالرغم من ضعفه هم أواني خزفية تحمل في داخلها حضور الله القدوس: “لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا” (2 كور 4: 7). كمال الله يمكن أن يظهر في إنسان ضعيف، ففضل القوة من الله وليس من الشخص.

كيف يكون الإنسان كامل؟

عندما علم المسيح الجموع في العظة على الجبل وطلب منهم أن يكونوا كاملين، في الآيات السابقة مباشرة كان يطلب أن نحب الجميع: “«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ،وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ”.

أحب أبونا كمال الجميع، الأقرباء والأعداء، الذين رضوا عن خدمته والذين اساءوا إليه. اقترب من كل الطوائف الكنسية وقاد توجه الرهبنة للحوار الإسلامي -المسيحي، وتذكرون فاعليات الحوار مع الأزهر والمشيخة. أحب الجميع دون النظر إلى انتمائهم الدينية أو الطائفية. لا يستطيع الإنسان حب الجميع إلا إذا انسكبت محبة الله في قلبه أولا: “لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ” (1يو 4″ 7).

في صفحة ثانية نجد أحد أهم اختبارات التي عاشها أبونا كمال. مثلما التي عاشها موسى النبي. بعد أن اختبر موسى تدخلات الله العجيبة بشق البحر ونزول المن وعمود الغمام وخروج الماء من الصخرة أيقن أن الله هو معتمده ومصدر ثقته. فعندما غلظ قلب الشعب هدد الله موسى بأنه لن يصعد معهم لأرض الميعاد فوقف موسى أمام الرب وقال: “«إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ هَهُنَا (خروج 15:33). لن نستطيع أن نتحرك أن لم تخرج معنا وتكون عونا لنا.

في جميع أوراق أبونا كمال كان يرسم صليب صغير، يشبه صليب الأراض المقدسة، ثم يكتب “على اسمك توكلت”. فالذي اختبر تدخلات الله العجيبة في حياته، يؤمن بأنه لا حياة مسيحية حقيقية دون أن يثق ويتكل على الرب في كل خطوة من خطوات الحياة، لأنه وحده هو القادر على إعطائنا القوة والثبات في الإيمان ووحده القادر على منحنا الرجاء. أن نستودع الرب شيئًا، أن نسلّمه كل لحظة من لحظات الحياة وأن نسلّمه أنفسنا وعائلتنا. يعني أن نقول للرب: “اهتمّ أنت يارب، فأنا ملك، أتوكل عليك وحدك”. الحياة صعبة وقاسية  وليس في امكاننا أن نختار الظروف التي نحيا فيها ، لكن في إمكاننا أن نختار كيف نواجهها. وليس هناك قوة تحمينا أكثر من عناية الله الذي يعتني بنا. على اسمك توكلتُ. فرح أبونا كمال الدائم وشعوره بالاطمئنان كان اساسه اتكاله على الله في كل شيء: “لأني على قوسي لا اتكل وسيفي لا يخلصني‎. ( مز 44 : 6 ). وشعوره بالفرح الدائم وَيَفْرَحُ جَمِيعُ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْكَ )5: 11)

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.