إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

“الرَّبّ أَعطاني إِخْوَة” (4)

0 955

“غريب في الجماعة”

عَرَضَ البابا فرنسيس، انطلاقًا من مثل السامري الصالح، اقتراحات مفيدة لتنمية الجماعات الإنسانية والعيش المشترك. فهناك ست شخصيات تضمنها نص القديس لوقا: الرجل الجريح وعلى شفير الموت، الكاهن واللاوي، صاحب الفندق والسامري وهو الوثني الذي لا ينتمي إلى الشعب اليهودي. إن يسوع يجيب على الدوام بأسلوب “أسمى” وفي هذه الحالة أجاب من خلال مثل أراد من خلاله أن يشرح سرَّه: سرُّ يسوع.

هرب اللصوص فرحين لأنّهم كانوا قد سرقوا ممتلكاته ولم يهتمّوا لحياته. أما الكاهن، والذي يُفترض أن يكون رجل الله واللاوي الذي كان شخصًا يعيش ما تفرضه الشريعة فقد مالا عن هذا الرجل الجريح المشرف على الموت ومضيا. هذه اللامبالاة الخطيرة التي تتجلّى بِعَدَم توقّفهم، هو نتيجة الازدراء أو الشرود المُحزن، تجعل من شخصيّتَي الكاهن واللاوي انعكاسًا لتلك المسافة التي تفصلُ الشخصَ فصلًا قاطعًا عن الواقع. هناك طرق عديدة للمرور بتجاهل، طرق تكمّل بعضها البعض: إحداها هو الشرود في الذات، وإغفال الآخرين، وعدم الاكتراث؛ وأخرى هي مجرّد النظر إلى الخارج. كانا شخصان متديّنين. أي وهبا أنفسهما لعبادة الله، وهذا يشير إلى أنّ الإيمان بالله وعبادته لا يضمن العيش بما يرضي الله (FT: 73-74).  

أما الوثني الخاطئ: “وإذ كان مُسافِرًا، رَآهُ فَأَشفَقَ عَلَيه ودَنا مِنهُ وَضَمَّدَ جِراحَهُ، وَصَبَّ عَلَيها زَيتًا وَخَمرًا، وبعد ذلك لم يتركه بل حَمَلَهُ عَلى دابَّتِهِ وَذَهَبَ بِهِ إِلى فُندُقٍ وَاعتَنى بِأَمرِهِ. وَفي الغَدِ، إذ كان عليه أن يذهب لمتابعة أعماله، أَخرَجَ دينارَين، وَدَفَعَهُما إِلى صاحِبِ الفُندُق، وَقال: “اعتَنِ بِأَمرِه، وَمَهما أَنفَقتَ زيادةً عَلى ذَلِك، أُؤَدِّيَهِ أَنا إِلَيكَ عِندَ عَودَتي”. لَمْ يكتف هذا الرجل بالمشاهدة مِن بعيدٍ، بل اقتربَ، تحقَّقَ، خاطرَ وأنقَذَ؛ ولَمْ يكتف بعبارات شفقةٍ تخرج من شفتيه، بل عالج وسكب زيت الرَّحمة الذي بُلطّف حُرْقةَ الجُروح، وخمرة العافية التي تقضي على الفساد.

وهناك شخصيّة صاحب الفندق الذي لم يفهم شيئًا ولكنه دُهش عند رؤية شخص يقوم بأعمال لم يسبق له أن سمع عن أحد يقوم بها، وبالتالي دهشة صاحب الفندق هي اللقاء بيسوع.

“أيّ واحد منهم تُشبه؟ نحن بحاجة للاعتراف بالميل الذي يحدق بنا إلى تجاهل الآخرين؛ وخاصّة الضعفاء. لنكن صادقين، لقد تقدّمنا في جوانب عديدة، لكننا أُمّيّون على مستوى مرافقة ورعاية ومساندة الأشخاص الأكثر هشاشةٍ وضعفٍ في مجتمعاتنا المتطوّرة. لقد اعتدنا على أن نصرف نظرنا، ونميل عن الآخر، ونتجاهل الأوضاع إلى أن تطالنا مباشرة” (FT 64).

يؤكد البابا على أن  هذاالمثل يكشف إننا خُلقنا بُغيَةَ الملء الذي لا نتوصّل إليه إلا بالمحبّة. أمّا العيش بغير مبالاة إزاء آلام الآخرين فهو يُبعدنا عن طبيعتنا التي خُلقنا عليها. باستطاعة كلٍّ منّا أن يبدأ، كما يقول البابا، من الأسفل، انطلاقًا من شخص واحد وأن نجاهد في سبيل ما هو أكثر واقعية فنقدّم نفس الرعاية التي قدّمها السامري لكلّ جرح من جراحات الرجل المُصاب.

كيف يمكن مساعدة الغريب؟:

  1. من الممكن أن يكون الغريب “قريب” أي يعيش معي تحت سقف واحد، ولكنني أتجاهله ولا أهتم به، أو غارق في أموري الخاصة فلا أراه كجريح ملقى على جانب الطريق.
  2. قد يشعر البعض بإنه قريبٌ من الله ويظن أنه أجدر من الآخرين. لكن الإيمان الحقيقي يساعد على فتح القلب للإخوة، وفتح القلب هذا للأخوّة هو الضمان للانفتاح الحقيقي لله. لا وجود لعبادة حقيقية إن لم تتجسّد في خدمة القريب.
  3. يشجعنا القدّيس بولس قائلًا: “افرَحوا مع الفَرِحين وابْكوا مع الباكين” (روم 12، 15). عندما يتّخذ القلب هذا الموقف، يقدر أن يتماهى مع الآخر، بغضّ النظر عن مكان ولادته أو عن أصله. عندما ندخل في هذه الديناميكية، يختبر القلب في النهاية أنّ الآخرين هم من “لَحمِه” (را. أش 58، 7). ويختبر بعدًا آخرًا أسمى. فهي تعني التعرّف على المسيح نفسه في كلّ أخ متروك أو مُستَبعَد “كُنتُ غَريباً فآويتُموني” (متى 25، 35).

نصوص التأمل:

القراءة الأولى (متى 25: 34- 40):

34ثُمَّ يَقولُ الملِكُ لِلَّذينَ عن يَمينِه: «تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: 35لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني، 36وعُرياناً فَكسَوتُموني، ومَريضاً فعُدتُموني، وسَجيناً فجِئتُم إِلَيَّ». 37فيُجيبُه الأَبرار: «يا رَبّ، متى رأَيناكَ جائعاً فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك ؟ 38ومتى رأَيناكَ غريباً فآويناك أَو عُرياناً فكَسَوناك ؟ 39ومتى رَأَيناكَ مريضاً أَو سَجيناً فجِئنا إِلَيكَ؟» 40فيُجيبُهُمُ المَلِك: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه».  

القراءة الثانية (وصية فرنسيس: 1- 3):

هَكَذا أَعطاني الرَّبُّ، أَنا الأَخَ فرنسيسَ، أَنْ أَبدَأَ بالتَّكْفيرِ:  إِذْ لَمَّا كُنْتُ في الخَطايا، كانَتْ رُؤْيَةُ البُرْصِ تَبدو لي مُرَّةً جِدّاً. وَقَدْ قادَني الرَّبُّ نَفْسُهُ بَيْنَهُم، وَرَئِفْتُ بِهِم وَلَدَى ابتِعادي عَنْهُم، تَحَوَّلَ ما كانَ يَبْدو ليَ مُرّاً إِلى عُذوبَةِ الرُّوحِ وَالجَسَدِ؛ وَبَعْدَ ذَلِكَ، بَقِيْتُ قَليلاً ثُمَّ هَجَرْتُ العالَم.

القراءة الثالثة (كلنا أخوة: 81)

الاقتراح هو أن نكون إلى جانب الذين يحتاجون إلى المساعدة، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا ينتسبون إلى دائرة الانتماء نفسها. وفي هذه الحالة، كان السامريّ هو الذي أصبح قريبَ اليهودي الجريح. وكي يصبح قريبًا وحاضرًا، تخطّى جميع الحواجز الثقافية والتاريخية. اختتم يسوع المثل بطلب: “اِذْهَبْ فاعمَلْ أَنتَ أَيضاً مِثْلَ ذلك” (لو 10، 37). أي أنه يدفعنا لأن نضع جانبًا جميع الاختلافات، وأن نصير، إزاء المعاناة، أقرباء لأيّ شخص كان. لذا، أنا لا أقول إنّ لديّ “قريب” يجب أن أساعده، بل أشعر أنني مدعوّ لأن أصبح قريب الآخرين.

نقاط مساعدة للتأمل:

  • الانفتاح على “الغرباء” يتطلب تنمية القدرة اليومية على توسيع دائرة اهتماماتي للوصول إلى أولئك الذين لا أعتبرهم جزءً من مركز اهتمامي، حتى لو كنت قريبًا جسديًا منهم. كل أخ يعاني أو يتجاهله الآخرين هو غريب.
  • لا تعني المحبة القيام بسلسلة من الأعمال المفيدة للآخرين، داخل الجماعة وخارجها، بل تدفعنا إلى الانحناء أكثر فأكثر نحو الآخر، معتبرين إياه قيّما وجديرًا ومَرضيًّا وجميلًا، أبعد من المظاهر الجسدية أو الخُلُقية. تدفعنا محبّتنا للآخرين لما هم عليه، إلى البحث عن الأفضل لحياتهم.
  • العناية “بالغرباء” دون أن ننتظر منهم شيئًا هو جوهر مثل السامري الصالح. لقد نلنا الحياة مجانًا، ولم ندفع ثمنها. لذلك يمكننا جميعًا أن نعطي دون أن ننتظر شيئًا، وأن نفعل الخير دون أن نطالب بشيء الشخصَ الذي ساعدناه. هذا ما قاله يسوع لتلاميذه: “أَخَذتُم مَجَّاناً فَمَجَّاناً أَعطوا” (متى 10، 8).

أسئلة للتأمل الشخصي:

سجل تكملة هذه العبارات في أجندتك الشخصية:

  • هل تري أن هناك “غريبًا” في جماعتك الرهبانية؟….
  • ما هي الشخصية التي تمثلك أكثر في مثل السامري الصالح بين الشخصيات الست؟…..
  • من ثمار الروح “اللطف”، وهي طريقة في معاملة الآخرين تتجلّى بأساليب مختلفة: لطفٌ في الأسلوب، وحرصٌ على عدم جرح الآخرين بالكلام أو التصرّف، ومحاولة للتخفيف من أعباء الآخرين. وتتضمّن “قول كلمات تشجيع، تقوّي، وتعزّي، وتحفّز”، بدلاً من أن “تذلّ، أو تُحزِن، أو تُغضِب، أو تحتقر ….

المقاسمة الأخوية:

تتقاسم الجماعة الرهبانية حصيلة التأملات الفردية. وهذا التأمل فرصة للمصالحة وطلب الغفران والمساندة والتعضيد بين أفراد الجماعة الواحدة، متى عبّر أحد أفرادها عن شعوره بالغربة داخل الجماعة.

وهناك أيضًا إعادة قراءة رسالة الجماعة الرهبانية في المجتمع في ضوء الإرشاد الرسولي الذي ينادي بقلب مفتوح على الجميع بلا حدود، بدون استثناءات، بدون غرباء.

الصلاة الختامية (مزمور 68: 2- 13)

أَللَّهُمَّ خَلِّصْني *

فإِنَّ المِياهَ قد بَلَغَت حَلْقي.

غَرِقتُ في مُوحِل عَميقٍ ولا مُستَقر  *

بَلَغتُ إِلى قَعرِ المِياهِ والسَّيلُ غَمَرَني.

عَييتُ في صُراخي واْلتَهَبَ حَلْقي *

وكلَت عَينايَ مِنِ اْنتِظاري لِإِلهي.

زادَ على عَدَدِ شَعَرِ رأسي *

عَدَدُ الَّذينَ بِلا سَبَبٍ أَبغَضوني

وقَوِيَ مَن يُريدون هَلاكي †

مَن بِالكَذِبِ عادَوني *

وكان عليَّ أن أَرُدُّ الآنَ خيراتٍ لَم أَسلُبْها.

أَللَّهُمَّ أَنتَ عالِمٌ بِحَماقَتي *

ولم تَخْفَ علَيكَ آثامي.

لا يَخجَلْ مِنِّي مَن يَرجونَكَ †

أيّها السَّيِّدُ رَبُّ القُوَّات *

ولا يَخز مِنِّي مَن يَلتَمِسونَكَ يا إِلهَ إِسرْائيل.

فإِنِّي تَحَمَّلتُ العارَ مِن أَجلِكَ *

وغَطَّى الخَجَلُ وَجْهي.

صِرْتُ أجنبيًّا عِندَ إخوَتي *

وغریبًا عِندَ بَني أُمِّي.

لأَنَّ غَيرةَ بَيتكَ أَكَلَتني *

وتَعْييراتِ مُعَيَريكَ وَقَعَت علَيَّ.

إِن ذلَلتُ بِالصومِ نَفْسي *

صارَ ذلِكَ عارًا علَيَّ.

جَعَلتُ لِباسي مِسْحًا، *

فصِرْتُ عِندَهُم مَثلاً.

یُعرِضونَ عنِّي في مجالِسِهِم، *

والسَّكارى یَنظِمونَ فيَّ الأغاني.

قد يعجبك ايضا
اترك رد