هل السماء مكافأة؟
عيد إنتقال العذراء بالنفس والجسد
هل انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء هو مكافأة لمريم لأنها أم الله؟ هل لأنها أول من قَبلتْ يسوع وحملته بين ذراعيها عندما كان طفلاً فتكون هي الأولى التي يقبلها بين ذراعيه بعد أن دخلت ملكوت الله الأزلي؟
هل السماء مكافأة؟
نعيش في وسط ثقافي وتاريخي يجعلنا نعتقد إن السماء مكافأة على ما نعيشه في الأرض. ماذا أصنع إذن إذا كنت أشعر بفشل أخلاقي، سقوط متكرر في الخطيئة، صراع مع جسدي وشهواتي، الشر الذي لا أرغبه، أصنعه بتكرار، كما يقول بولس: “فالخَيرُ الذي أُريدُهُ لا أعمَلُهُ، والشَّرُّ الذي لا أُريدُهُ أعمَلُه” (رومية 7: 19).
هل أنا بعيد عن السموات؟ هل كل إنسان فاشل أخلاقيًا بعيد عن السموات؟ في حين إن الرب لم يرفض الفاشلين، بل كان يأكل ويجلس مع العشارين والخطأة: “لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلى طبـيبٍ، بلِ المَرضى. ما جِئتُ لأدعُوَ الصَّالِحينَ، بلِ الخاطِئينَ” (مر 2: 17).
لن يدخل السماء إلا القديسين، مَن أنا، أنا إنسان خاطئ فلن يكون لي نصيبٌ معه!! السماء مكافأة لمَن عاش في نقاء وقداسة في حياته على الأرض، لمَن صنع أمورً عظيمة!! إذا كنت تؤمن بهذا عزيزي القارئ فأعتقد إنكَ على خطأ!!
لم تُكلل العذراء بالمجد وتنتقل إلى السماء بالنفس والجسد مكافأة على أنها أم الله أو لأنها حُبل بها بلا دنس، بل لأنها اجتهدت أن تعيش في محضر الله طوال حياتها، كل يوم من أيامها على الأرض. فعلت كل شيء في ضوء اتحادها بروح الله، لذا يقول لها الملاك: “أيتها المتتلئة نعمةً”، كإناء فائض بالنعمة. كانت العذراء تتحرك في نطاق النعمة في تفاصيل حياتها. إذا أكلت أو شربت أو عملت أو تكلمت أو صنعت أي شيء فهو لمجد الله. هكذا يصف الأمر بولس الرسول: “فإذا أكَلتُم أو شَرِبتُم، أو مَهما عَمِلتُم، فاَعمَلوا كُلَ شيءٍ لِمَجدِ الله” (1 كورنثوس 10: 31). عاشت في محضر الله بصفة مستمرة.
في مقطع قصير يكشف لنا القديس لوقا عن فضل مريم الأول، في هذه الآيات: “وبَينَما هوَ يَتكَلَّمُ، رفَعَتِ اَمرَأةِ مِنَ الجُموعِ صَوتَها وقالَت لَهُ: «طوبى لِلمَرأةِ التي ولَدَتْكَ وأرضَعَتكَ». فقالَ يَسوعُ: «بل طوبى لِمَنْ يَسمعُ كلامَ الله ويَعمَلُ بِهِ»” (لوقا 11: 28). مريم قديسة ليس لأنها أمٌ الله، لكن لأنها سمعت كلام الله وعملت به، استمدت حياتها من كلمة الحياة ذاتها. هي مُباركة وقديسة لأنها عَرفت الحق، سمعت كلامَ الله وعملت به، عاشته في كل تفاصيل حياتها.
السماء ليست مكافأة إذن، لكنها حالة تبدأ الآن على الأرض عندما يعيش الإنسان في محضر الله يتحد به يعود إليه متى بعد عنه. يقول المسيح عن نفسه: “أنا هوَ البابُ، فمَنْ دخَلَ مِنِّي يَخلُصُ: يدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرعًى”. فكلِّ منا في حالة نشاط دائم في حياته على الأرض، يدخل في علاقة شخصية عميقة مع الربّ، ثم يخرج إلى العالم ويُكْمل نشاطه اليومي في حضوره وفي محضره. كالابن الأصغر، يعود إلى حضن أبيه، لكن عليه أن لا يبقى في الحضن دافئًا مطمئنًا، عليه أن يلبس حذائه لكي يُمثل أبيه في العالم، أن يضع الخاتم ليُوقعَ باسم أبيه، أن يلبس الحلة الأولى ليعملَ عمل أبيه في وسط الآخرين. هكذا فعلت العذراء عاشت أمور حياتها اليومية في محضر الله فكانت دومًا ممتلئة نعمةً، مباركةً وقديسة، سمعت كلام الله وعملت به.
ملكوت السموات ليس مكافأة على حسن السير والسلوك، بل العيش في محضر الله في هذه الحياة، سماع كلمته والعمل بمشيئته في أمور الحياة اليومية، في هذه الحياة، إلى أن يصل كماله في الحياة الأبدية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.