إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

أتحبني يا بطرس

0 139

الإنجيل الذي أخترته لهذه المناسبة يقف فيه بطرس الرسول الذي تحمل اسمه في القارب مع بعض التلاميذ وبعد أن تعبوا الليل كله ولم يصطادوا شيئًا يظهر لهم المسيح القائم والناهض من القبر على شاطئ البحيرة وفي نهاية المشهد يقول يسوع لبطرس: “أتبعني”! اليوم يوجه ذات النداء لك بواسطة كنيسته التي سألتك ماذا تريد؟ فكانت إجابتك: أنت أتبع يسوع المسيح.

في نهاية هذا الحوار الرائع بين المسيح القائم وبطرس قال له: «اِتَبْعني!». قبل هذه الدعوة هناك سؤال تكرر ثلاث مرات وجهه يسوع إلى بطرس، هذا السؤال موجه إليك اليوم. وأتمني أن يبقي هذا السؤال مطروحًا كل يوم من أيام حياتك المُكرسة للرب:  

أتحبني أكثر من هؤلاء؟

قال يسوع لسمعان: «يا سِمْعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟» مَن هؤلاء؟ في بداية المشهد نعرف إنهم بعض التلاميذ: يوحنا، توما، نتانئيل وابنا زبدى. أتحبني أكثر من يوحنا الذي رافقني حتى الصليب، الذي رأى القبر فارغ فآمن، الذي بمجرد أن راني عند شاطئ كان وحده الذي عرفني على الفور قائلا: ” «إِنَّه الرَّبّ». أتحبني أكثر من توما الذي وضع أصبعه في يدي ليرى أثار المسامير، فرأي ثم هتف قائلا: «رَبِّي وإِلهي!». أتحبني أكثر من نَتَنائيل الذي عندما رأيته عند التينة صرخ قائلا: «راِّيي، أَنتَ ابنُ الله، أَنتَ مَلِكُ إِسرائيل».

يسألك الرب هذا الصباح: هل تحبني أكثر من هؤلاء؟ أكثر من كل الموجودين في الكنيسة اليوم، من الكهنة والرهبان والراهبات، من المطارنة من البابا؟ هل تحبني فوق كل شيء، وأكثر من أي شخص، أكثر من العالم كله؟

يطلب منك يسوع هذا الصباح أن تبنى حياتك لا على ما تستطيع أن تعرفه ولا ما تستطيع أن تفعله في الحياة. من الممكن أن تكون مستقبلا راهبًا مميزًا، متخصص في معارف لا يعرفها غيرك. من الممكن أن تخدم وتصنع نجاحات رائعة، لكن هو  يطلب فقط أن تحبه فوق كل شيء، واكثر من أي شخص، اكثر من العالم كله.

هل تستطيع أن تقول له كبطرس: “أنت تعلم يارب إني أحبك حبًا شديدًا؟

لنتوقف عند إجابة بطرس والتي أتمنى أن تكون إجابتك أنت أيضًا اليوم. يرى بطرس المسيح الناهض من القبر، ويداه وقدميه تحملان آثار المسامير. يلمس الحب الذي قدمه المسيح على الصليب من أجله. لم يتوقف عند نقاط ضعفه ونكرانه أمام جارية، لقد أحبه حتى بذل نفسه على الصليب.

محبة المسيح تبدأ من هذه النقطة: عندما ندرك إنه أحبنا هو أولا بالرغم من ضعفنا البشرى. “نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا.” (1 يو 4: 19). من هو يسوع بالنسبة لك؟ إذا لم أكتشفي ضعفي وإنه عُلق على الصليب لأجل خلاصي من الصعب أن أحبه. من الممكن أن أتكلم عنه كثيرًا، لكن إذا لم اشعر في ذاتي بهذا العرفان لأنه خلصني لن أحبه ابدًا. بولس كان مضطهدًا للكنيسة لكن عندما أراد أن يتكلم عن يسوع قال:  “وإذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي” (غلا 2: 20).

ذات الأمر بالنسبة للقديس فرنسيس الآسيزي، يقول: “إِذْ لَمَّا كُنْتُ في الخَطايا، كانَتْ رُؤْيَةُ البُرْصِ تَبدو لي مُرَّةً جِدّاً. وَقَدْ قادَني الرَّبُّ نَفْسُهُ بَيْنَهُم، وَرَئِفْتُ بِهِم.. تَحَوَّلَ ما كانَ يَبْدو ليَ مُرّاً إِلى عُذوبَةِ الرُّوحِ وَالجَسَدِ؛ وَبَعْدَ ذَلِكَ، بَقِيْتُ قَليلاً ثُمَّ هَجَرْتُ العالَم”.

مَن أول من عرف يسوع؟ ليس بطرس بل التلميذ الآخر. ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه قال لبطرس: “هو الرب”. هذا التلميذ مجهول ويبقى مجهولاً. يعرّفه البعض على أنه يوحنا، ولكن الأهم من معرفة من هو؟ أن نفهم أنه ليس شخص بعينه بقى اسمه مجهولا لكي يضع كل تلميذ نفسه مكانه. لكي تضع نفسك مكانه. هو التلميذ الذي أدرك محبة المسيح له: “فقالَ التَّلميذُ الَّذي أَحبَّه يسوعُ لِبُطُرس: “إِنَّه الرَّبّ”. وحدهم الذين اختبروا إن الله يحبهم قادرون على إرشاد الباقين إلى الرب.  أحيانا نكون مستعدين ولدينا الحماس لخدمة الآخرين ومساعدتهم، لكن إذا لم يكن الدافع هو: حب المسيح بصفة شخصية وقوية للغاية، اكثر من الجميع، فلا قيمة للخدمة أو الرسالة.

إِرْعَ خِرافي

«يا سِمْعانُ بنَ يونا (يا بيتر)، أَتُحِبُّني حُبّاً شديداً؟». في حياته الأرضية امتحن المسيح إيمان تلاميذه أكثر من مرة، واختبر تواضعهم في مواقف كثيرة لكنه لم يختبر أبدًا محبتهم إلا بعد القيامة. إلا بعد أن قدم برهانًا على محبته وقدم ذاته على الصليب محتملا الآلام في سبيل حبه لهم وللبشر.  

أجاب بطرس بسرعة: «يا رَبّ، أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء، أَنتَ تَعلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ حُبّاً شديداً». لا تتسرع في الإجابة لأن الأمر ملزم للغاية. يطلب منه الرب أن يكون راعيًا. لنلاحظ إنه لم يقل له من أول مرة إرع خرافي، في المرة الأولى قال له إرع حملاني، ثم اسهر على خرافي  وفي المرة الثالثة إرع خرافي. ابدأ بالحملان الصغيرة، الجزء الأكثر هشاشة في القطيع. أعطي اهتمام بالصغير والبعيد والضعيف بالفقراء والخطأة بالمجروحين والمهزومين. لقد بدأ فرنسيس بالأبرص، ثم أكتشف إن جميع الناس،

الرعاية هنا تعنى أن تحب القطيع وأن يكون لديك الاستعداد للألم من أجله، كما طلب فرنسيس. رعاية القطيع لا تكون بالكلام تظهر متى حملت على كتفيك آلام الناس كل يوم حتى بذل الذات.

يضيف يسوع ياء الملكية فالراعي لا يرعي قطيعه بل قطيع خاص بالمسيح وحده. الخراف ليس ملكًا للراعي بل للمسيح الذي بذل نفسه من أجل الخراف. أنت مدعو أن ترعاهم وتحرسهم لكن لا تأخذ قرار بمفردك أبدًا يخص الخراف.  احذر أن تسقط محبتك لأحد يومًا، لاحظ محبتك للقطيع.

بالامس استقبلنا رفات القديس فرنسيس في هذه الكنيسة والتي تذكرنا بحصوله على الجروحات على جبل لافرنا. في صلاته طلب فرنسيس أن يشعر في حياته وروحه وجسده بالآلام التي تحمله المسيح على الصليب. وطلبه الثاني كان أن يشعر في قلبه بالحب الذي دفعه لتحمل تلك الآلام عن طيب خاطر لأجل الخطأة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد