غفران الله هو لجميع الخطأة.. ولكن!!
هناك سؤال يطرحه الجميع وتعدد الإجابات: هل يغفر الله للجميع؟ جميع المجدفين والقتلة ومرتكبي الشرور؟
العالم ممتلئ بالشر وما يحدث أمام عيوننا كل يوم يزيد من إلحاج البعض في السؤال: هل يغفر الله للجميع؟ وإذا كانت الإجابة بنعم! فكيف نفهم الغفران؟ هل يساوي الله بين مغتصب طفلة وبين خطيئة ذات الطفلة البريئة بأنها سرقت يومًا نوع من الشيكولاتة دون أن يلاحظ البائع؟
كيف نفهم غفران الله لنا؟ وما معنى أن يُخصص يوم 2 أغسطس للتوبة وطلب الغفران في جميع كنائس الفرنسيسكان.
في البداية اتذكر ما قرائته يومًا من مذكرات نيلسون مانديلا، رئيس جنوب أفريقيا. يروى إن في أحد الأيام طلب من أفراد طاقم حمايته الخروج للعشاء بعد يوم عمل شاق. دخلوا أول مطعم في الطريق وجلسوا في اماكنهم. وقع بصر نيلسون مانديلا على شخص كان ينتظر الطعام بدوره، فطلب من رجال الحماية الذهاب إليه ودعوته إلى مائدة الرئيس ليأكل معه. أتي الرجل وبدأ في تناول طعامه، كان العرق يتصبّب من جبينه ويده ترتجف لا تقوى على إيصال الطّعام إلى فمه.بعد أن فرغ الجميع من الأكل وذهب الرجل في حال سبيله، سأل حارسه الشخصي: “هل كان الرّجل الذي كان بيننا مريض؟ كانت تظهر عليه علامات المرض فقد كانت يداه ترتجفان ولم يستطع الأكل إلاّ القليل”. أجاب الرئيس مانديلا: “لا.. هذا الرجل كان حارسي بالسجن الانفرادي الذي كنت فيه. كان يعذبني بقسوة ويتفنن في إذلالي. لذلك كان يرتعد خوفا من أن أعامله بنفس ما كان يفعل معي فأقوم بتعذيبه أو بسجنه. لكن ليست هذه أخلاقي”.
أمام قسوة البعض يسبب لنا غفران الله مشكلة! الكثيرين منا لا يقبلون أن يغفر الله للجميع!
بحسب العهد القديم الله يغفر خطايا البشر، لكن على الإنسان أولا أن يمر بطقوس محددة ينص عليها الناموس ككفارة عن الخطيئة: يقدمون ذبيحة، ويغمس الكان إصبعه في دم الذبيحة ويرش منه سبع مرات أمام الرب ثم يُصب الباقي عنذ المذبح ويفصل الشحم عن اللحم ويحرق على المذبح…”
لكن جاء يسوع ليعلن أن الله الآب يغفر دون الحاجة إلى التوبة! يحكي مثل الابن الضال الذي عند عودته لا يوبخه أبيه، بل يقبله، علامة المغفرة الممنوحة حتى قبل أن يُطلب (2 صم 14: 33). الأب مهتم بابنه ويحبه لشخصه، أما أفعاله فلا يهتم بها.
لكن هذا الغفران الممنوح دون أن يتقدم الخاطئ بالتوبة، صدم المتدينين في ذلك الوقت، الذين ظنوا أن يسوع يجدف، كما حدث عندما “فإِذا أُناسٌ يَأتونَه بِمُقعَدٍ مُلقىً على سَرير. فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: «ثِقْ يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك»” (متى 9: 2). وخلافاً للممارسة الدينية، لا يسأل يسوع الرجل إن كان قد تاب عن خطاياه. إن عمل يسوع كان: “ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه” (لو 19: 10). يسوع يعمل في الحاضر وليس في الماضي، لا يهتم بما فعله الرجل ولا يلومه على ما فعل، بل يشجيع ويدعوه بالابن، وهو تعبير يدل على محبة شديدة. عندما يلتقي الخاطئ بالرب لا يتذلل بسبب خطاياه، بل يحيط به بحنان محبته. وعلى عكس روحانية عصره، لم يدعو يسوع الخطاة أبدًا إلى طلب المغفرة من الله.
في حين أن الدين يتطلب التوبة والندامة والتحول عن الطريق السيئ كشرط للمغفرة، يكشف لنا يسوع أن التوبة هي نتيجة للغفران الممنوح مجانًا. وهكذا لا حاجة بعد الآن لتقديم ذبيحة: فالله لا يطلب تقدمات، بل هو الذي يقدم نفسه ويطلب منا أن نقبله. ولذلك فإن المغفرة هي عطية مجانية، ليس بسبب استحقاقات الإنسان بل لاحتياجاته.
القدرة على قبول الغفران ليس سهلا
الله محبة ومغفرته متضمنة في المحبة التي يقدمها باستمرار للبشر. إذا لم يدعونا يسوع بأي حال من الأحوال إلى طلب المغفرة من الله، فهو يطلب بإلحاح من البشر أن يغفروا لبعضهم البعض، لأن المغفرة التي منحها الرب لهم تصبح فعالة وفعالة فقط عندما تتحول إلى مغفرة للآخرين: “فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم” (مت 6: 14* 15). وأيضًا: “اغفروا يُغْفَرُ لَكُمْ” (لو 6: 37).
البعض يرفض أن يغفر للآخرين فيحرم نفسه من غفران الله. كمًن يحرم الإنسان نفسه من النور، لان الله نور (1يو 1: 5): ” أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة”. عندما تعيش في الظلام لفترة طويلة، حتى أدنى خيط من الضوء يزعجك وتغمض عينيك لأن الضوء يؤذيها. ليس العيب في النور، مصدر الحياة، بل في اختيار البقاء في الظلام: “فكُلُّ مَن يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّور فلا يُقبِلُ إِلى النُّور لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه” (يو 3: 20).
غفران أسيزي
هل أرغب في أنعم بغفران الله؟ الرب لا يسألني عما صنعت، لا يكلمني على الماضي وأسباب عثراتي. هو يفرح لعودتي كالابن الضال ويقيم فرحًا ويهتم بي لأني أنا ابنه، أنا المهم والغالي. لكي انعم بالغفران الحقيقي لا يجب أن أتصرف كالابن الأكبر بأن نتشدّد مع القريب الذي لا نراه أخًا. في المثل، لم يَقُل الابن الأكبر للأب أخي، لا، بل قال ابنك، كأنّه يقول: إنّه ليس أخي. نرفض أن يغفر الله للجميع ونرفض أن يكون أب للجميع.
المشكلة إننا إذا لم نغفر للأخوة، ولم نعد الآخرين أخوة لنا لن يغفر الله لنا ذنوبنا وخطايانا!