إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

نبشر بمسيح مصلوب

0 132

نحتفل هذا العام باليوبيل المئوي الثامن لنوال القديس فرنسيس جروحات الصليب الخمس على جبل لافرنا. وبهذه المناسبة دعونا نتأمل في حدث جروحات القديس وتلك الخبرة التي عاشها فرنسيس على جيل لافرنا. 

فرضية أولى: الجروحات ليست معجزة!

في البداية لا يمكن أن نفهم المعنى العميق لخبرة فرنسيس على جبل لافرنا إلا إذا فهمنا قصته من البداية، لأن الأحداث المهمة في حياتنا لا تأتي بصورة مفاجئة كما نتصور، وإنما هي حصاد سلسلة طويلة من الخبرات الصغيرة والتي تصل في النهاية إلى تلك الخبرة الحياتية الفريدة. إلهنا ليس إله معجزات كما يروج البعض، إلهنا هو يسوع المسيح المتجسد في واقع الحياة وتفاصيلها الصغيرة جدًا التي تصل به في النهاية إلى الصليب ثم القيامة. كل معجزة جاءت في الأناجيل هي لتأكيد تعليم وحقيقة إن المسيح هو ابن الله المتجسد، ولا معنى لها أبدًا إذا فصلناها عن التعليم السابق لها. شفاء المولود أعمي مثلا يأتي بعد أن أعلن يسوع قائلا: «أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة». كذلك إحياء لعازر يأتي بعد أن يُعلن إنه: «أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا».

الخلاصة إذن إننا لا يجب أن ننظر إلى علامات الصَّلب التي انطبعت على جسد فرنسيس من منظور المعجزة، بل من نتيجة لحياة عاشها إنسان أراد أن يتشبه بيسوع المسيح كليَا وبصورة كاملة فتحقق له ما أراد.

  1. البداية: لقاء المُغير للحياة

كانت أول صلوات فرنسيس أمام مصلوب سان دميانو كانت معبرة تمامًا عن النتيجة التي وصل إليها فرنسيس ونواله الجروحات. كانت الخطوة الأولى لحدوث المعجزة هي ما عبر عنه فرنسيس في صلاته: “أيُّها الإلهُ السامي المجيد، أنِرْ ظُلماتِ قلبي، وأعطِني إيمانًا مستقيمًا، ورجاءً ثابتًا، ومحبةً كاملة. أعطِني يا ربُّ تحسُّسًا وإدراكًا، كي أعملَ وصيَّتَكَ القدوسةَ الصادقة”.

لماذا كان الطلب لفرنسيس الأول هو أن يُنير الرب ظلمات قلبه؟ إذا بحثت عن كلمة قلب في الكتاب المقدس سيصلك معنى مختلف تمامًا عما هو سائد من أفكار رومانسية كمركز للعاطفة والحب والأشياء الجميلة. المفاجأة إنه يرتبط دائما بالشر. حاول أن تأخذ أول عشر آيات ورد فيها كلمة قلب في سفر التكوين وسترى بنفسك.

على سبيل المثال، قيل في الإصحاح 6 “وأَنَّ كُلَّ ما يَتَصوَّرُه قَلبُه مِن أَفْكار إِنَّما هو شَرٌّ طَوالَ يَومِه”، وفي الإصحاح 8 “لأَنَّ ما يَتصوَّرُه قَلْبُ الإِنسانِ يَنزعُ إِلى الشَّرِّ مُنذُ حَداثَتِه”. وبالمضي قدمًا في أسفار الكتاب المقدس، فإن الوضع لا يتحسن، في الواقع، لدرجة أن النبي حزقيال مدعو ليتنبأ بتغيير جذري في حياة الإنسان! جاء في الإصحاح 36 ما يلي: “وأُعْطيكم قَلبًا جَديدًا وأَجعَلُ في أَحْشائِكم روحًا. جَديدًا وأَنزِعُ مِن لَحمِكم قَلبَ الحَجَر، وأُعْطيكم قَلبًا مِن لَحْم،وأَجعَلُ روحي في أَحْشائِكم وأَجعَلُكمِ تَسيرونَ على فَرائِضي وتَحفَظونَ أَحْكامي وتَعمَلون بِها” (الآيات 26- 27). يسوع نفسه يضع القلب كمصدر للأفكار الملوثة والشريرة عندما يعلن: “أَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمَكْرُ والفُجورُ والحَسَدُ والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة”. (مرقس 7، 14 – 22).

قلب الإنسان عليل إذن وإذا فحصت الإنسان قلبه سيعرف إنه إن قلبه مظلم.

  1. لكن كيف تتم إنارة قلب الإنسان؟

رأي فرنسيس إن قلب الإنسان هو سبب كل الشرور وليس الشيطان أو القريب. وكان يستعمل كلمة تصف الإنسان بإنه بائس ومتعفن، فهكذا يصف في قانونه الأول حالة البشر: ” نَحْنُ البائِسينَ وَالأَشقياءَ، المُتَعَفِّنينَ وَالنَّتِنينَ، ناكِري الجَميلِ وَالأَشرارَ”. لذا يحذر فرنسيس من ظلمة القلب فيقول: “وَلْنَحْذَرْ كَثيراً مِنْ خُبْثِ الشَّيطانِ وَمَكْرِهِ، فَهْوَ يَبْتَغي أَلاَّ يَدَعَ الإِنسانَ يُوَجِّهُ فِكْرَهُ وَقَلْبَهُ صَوْبَ الله. إنَّهُ يَطوفُ، ساعِيَاً، بِذَريعَةِ مُكافَأَةٍ أَوْ عَوْنٍ ما، إِلى الإِستيلاءِ عَلى قَلْبِ الإِنسانِ، وَخَنْقِ كَلامِ الرَّبِّ وَوَصاياهُ، وَانتِزاعِها مِنْ ذاكِرَتِهِ؛ وَيُريدُ إِعماءَ قَلْبِ الإِنسانِ بِشُؤونِ العالَمِ، وَهُمومِهِ، وَالسَّكَنِ فيهِ، عَلى حَدِّ قَوْلِ الرَّبِّ: ”إِنَّ الرُّوحَ النَّجِسَ، إِذا خَرَجَ مِنَ الإِنسانِ، هامَ في القِفارِ القاحِلَةِ، يَطْلُبُ الرَّاحَةَ فَلا يَجِدُها، فَيَقولُ: “سَأَعودُ إِلى بَيْتي الَّذي خَرَجْتُ مِنْه”. (ق غ م: 22: 20- 24).

 لا يمكن إصلاح القلب، لأسباب علمية! إن القلب وغشائه البريتوني يمثلان جهازاً فائق التعقيد، يشبه الجهاز العصبي للمخ تماماً، وله ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد‏، وله قدرة على قيادة المخ‏، وقد تأكدت هذه الاكتشافات بعمليات نقل القلب من إنسان إلى آخر حيث اكتشف أن القلب المنقول يحمل معه من الذكريات، والملكات والمواهب والعواطف والمشاعر‏ والهوايات‏ والخصال‏ والسجايا‏ والصفات الذاتية الأخرى الخاصة بالشخص الذي نقل منه القلب‏، والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن الصفات السابقة للشخص الذي تم نقل القلب إليه‏. قلب الإنسان مريض وتنبعث منه كل المقاصد السيئة التي لا يمكن نسيانها، يحتاج إلى تطهير كامل.

إذا كان هذا وضع الإنسان، فأيُّ طريق يسلُك؟ لا تكفي التوبة وحدها، فالقلوب تميل إلى الشر دائما لا يستطيع الإنسان وحده أن يطهر قلبه يحتاج إلى قوة خارجة عنه، قوة الله ذاته وروحه القدوس لذا يصرخ داوود بعد أن تحكمت فيه غرائزه: “قَلبًا طاهِرًا اْخلُقْ فيَّ يا ألله ورُوحًا ثابِتًا جَدِّد في باطِني” (مز 50: 12).

  • القلب الجديد!

يحتاج الإنسان في هذه المرحلة إلى تغيير جذري للحياة، او بما يتعرف بميتانويا، أي تغيير الفكر والغاية التي يسعى إليها دون الالتفاف إلى الحالة التي كان عليها. حالة تتبدل فيها نظرته إلى العالم تمامًا وتجعله يفرق بين “الحب الحقيقي” و”الحب الأبدي” اللذين يراهما أغلب الناس سواءً، ولكن الواقع أنهما ليسا الشيء نفسه.

لا تتم هذه المرحلة بقوة الإنسان الذاتية ولا برغبته البشرية أو إرادته الخاصة. هي حالة تتم بفعل قوة الروح القدس وسلطانه فيجعل قلب الإنسان يتحد بقلب يسوع المسيح الطاهر من كل خصال الخبث والطمع والشر. هي مثل زراعة قلب جديد، لا يملك تلك العواطف والمشاعر والخصال الواقعة تحت تأثير الشر، في جسد الإنسان. هكذا يعبر القديس فرنسيس في أول رسالة يكتبها للمؤمنين عام 1215: ” لأِنَّ روحَ الرَّبِّ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِم، ويَجْعَلُ لَدَيْهِمْ مَقامَهُ وَمَسْكَنَهُ؛ وهُمْ أَبناءُ الآبِ السَّماويِّ، الَّذي يَعْمَلونَ أَعمالَهُ، وهُمْ عَرائِسُ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، وَإِخْوَتُهُ، وَأُمَّهاتُه. نكونُ عَرائِسَ عِنْدَما تَتَّحِدُ النَّفْسُ المُخْلِصَةُ، بِوَاسِطَةِ الرُّوحِ القُدُسِ، بِرَبِّنا يَسوعَ المَسيح. ونكونُ إِخْوَةً لَهُ عِنْدَما نَعْمَلُ بِمَشيئَةِ الآبِ الَّذي في السَّمَوات. ونكونُ لَهُ أُمَّهاتٍ، عِنْدَما نَحْمِلُهُ في قَلْبِنا، وفي جَسَدِنا، بِحُبٍّ إِلَهيٍّ، وبِضَميرٍ نَقِيٍّ وصادِقٍ، وعِنْدَما نَلِدُهُ بالعَمَلِ المُقَدَّسِ، الَّذي يَنْبَغي أَنْ يَتَلألأَ، قُدْوَةً للآخَرين (ر 1 مؤ 1: 7-11).

اتحاد نفس الإنسان بيسوع المسيح بواسطة الروح القدس هي تلك الحالة التي تجعل من قلب الإنسان جديدًا فيحمله في قلبه وجسده سمات قلب يسوع المسيح ويلده في العالم بالعمل المقدس. كينونة الله هي المحبة:  “اللهُ مَحبَّة فمَن أَقامَ في المَحَبَّةِ أَقامَ في الله وأَقامَ اللهُ فيه” (1يو 4: 16).  أكتشف فرنسيس إن الإنسان لا يحقق ذاته إلا في إطار المحبة التي خرج منها، خرج من يد الله المُحب. انفتح قلب فرنسيس للمحبة عندما اتحد بيسوع المسيح الابن فأحب كل شيء: الرهبان والأعداء والعالم والمخلوقات وجعل الجميع أخوة لأن الجميع هو صنع الله الخالق المُحب.

هنا راح فرنسيس يتجول يحاول أن يصنع كمعلمه ويحاول أن يُحب الجميع فصادف الأبرص فنزل عن حصانه وقبله. موقف بسيط لكن يمكن أن يؤدي إلى نتائج هائلة وفقًا لنظرية إدوارد لورينتز (1963) التي تتخلص في إن شيئاً بسيطاً كرفرفة جناحي فراشة، يمكن أن ينتج عنه سلسلة أحداث متتابعة ومترابطة، تتسبب في أحداث كبيرة للغاية ولا يمكن تصورها.  مثالاً على ذلك الدومينو فدفع واحدة كفيل بجعل الكل يسقط تباعا بدون استثناء، فنظام تأثير الفراشة يصور سلوك ديناميكية الكون ففرق بسيط يمكن أن يسبب سلسلة من الكوارث، يمكن أن تولد لنا دمارا.

موقف بسيط في نظر البعض، لكن ملكوت الله يُبنى على الأعمال الصغيرة والعادية تمامًا التي نقوم بها بصفة يومية. العمل الصغير الذي تصنعه اليوم هو كخميرة الملكوت، تعمل على تخمير العالم من حولك، دون أن تدري، ويغيير كل شيء من حولك. العمل البسيط والمتواضع الذي تصنعه اليوم لخير الناس، لأجل أن تصل محبة الله للآخرين، لأجل أن يسود الله على العالم هو استكمال للملكوت الذي دشنه يسوع بمجيئه على الأرض.

هكذا يكون التحول متدرج وبطئ لكن الفعل الصغير يدفعه إلى الاكتمال ويتحول الشخص إلى مسيح آخر.

  • النهاية: اتمام التحول إلى مسيح آخر

صعد فرنسيس على جبل لافرنا ونال سمات الصليب، وعند موته يكتشف الرهبان في ثيابه ورقة صغير تحمل بركة للأخ ليون على وجهها الأول ثم تسبيح لله العلي على الوجه الآخر. تمثل الورقة خلاصة تحول القديس فرنسيس بصورة كاملة إلى مسيح آخر. ليس لأنه نال الجروحات، بل لأجل ما وصل إليه من توحد كامل مع شخص يسوع المسيح. يقول فرنسيس:

قُدُّوسٌ أَنْتَ، أَيُّها الرَّبُّ، الإِلَهُ الأَوْحَدُ، الَّذي يَصْنَعُ المُعْجِزات.
أَنْتَ القَوِيُّ، أَنْتَ العَظيمُ، أَنْتَ العَلِيُّ،
أَنْتَ الكُلِّيُّ القُدْرَةِ، أَنْتَ الآبُ القُدُّوسُ، مَلِكُ السَّماءِ وَالأَرض.
أَنْتَ الثَّالوثُ وَالوَحْدَةُ، الرَّبُّ، إِلَهُ الآلِهَةِ،
أَنْتَ الصَّلاحُ، كُلُّ الصَّلاحِ، الصَّلاحُ الأَسْمى،
الرَّبُّ الإِلَهُ الحَيُّ وَالحَقّ.
أَنْتَ الحُبُّ وَالمَحَبَّةُ،
أَنْتَ الحِكْمَةُ، أَنْتَ التَّواضُعُ،
أَنْتَ الصَّبْرُ، أَنْتَ الجَمالُ،
أَنْتَ الحِلْمُ، أَنْتَ الطُّمَأْنينَةُ،
أَنْتَ السُّكونُ،
أَنْتَ السَّعادَةُ وَالفَرحُ،
أَنْتَ رَجاؤُنا،
أَنْتَ العَدْلُ وَالاِعتِدالُ،
أَنْتَ كُلُّ ثَرْوَتِنا بالقَدْرِ الكافي.
أَنْتَ الجَمالُ، أَنْتَ الحِلْمُ،
أَنْتَ الحامي، أَنْتَ الحارِسُ وَالنَّصيرُ،
أَنْتَ القُوَّةُ، أَنْتَ المَلْجَأ.
أَنْتَ رَجاؤُنا، أَنْتَ إِيمانُنا، أَنْتَ مَحَبَّـتُنا،
أَنْتَ كُلُّ عُذوبَتِنا، أَنْتَ حَياتُنا الأَبَدِيَّةُ،
أَيُّها الرَّبُّ العَظيمُ وَالعَجيبُ،
الإِلَهُ الكُلِّيُّ القُدْرَةِ، وَالمُخَلِّصُ الرَّحيم

ينادي فرنسيس الله العلي بكلمة “أنت” ويكررها 31 مرة، مستخدمًا ضمير المخاطب “أنت” لمخاطبة الله. أَنتَ القَوِيُّ، أَنتَ العَظيمُ، أَنتَ العَلِيُّ. يتخلى فرنسيس ويصبح فقيرًا، ولا يوجد فيه أي شيء من أشكال التملك وينسى تمامًا نفسه فلا يقول أي كلمة تنتهي بياء الملكية، أي تعود على نفسه بالنفع الروحي أو المادي. في لقاءه الأول مع المصلوب صلي فرنسيس مستخدما ياء الملكية: أيُّها الإلهُ السامي المجيد، أنِرْ ظُلماتِ قلبي، وأعطِني إيمانًا … أعطِني يا ربُّ تحسُّسًا وإدراكًا، كي أعملَ وصيَّتَكَ القدوسةَ الصادقة.

خرج فرنسيس من ذاته تمامًا واستسلم بين يدى الآب ورغب في بذل ذاته بالكامل. من الآن فصاعدًا أريد أن أقول: “أبانا، الذي في السماء”، لم يعد “والدي بيترو دي برناردوني” (3Comp 20؛ FF 1419). وهكذا يصل فرنسيس إلى تجربة هوية الله، وذروتها هذه التجربة بهُتاف لله: أنت… ولا يسأل: هل لديك شيء ما أو أعطني. فقط أنت … الله هو الوجود وحده وفقط وغائبة تمامًا احتياجات فرنسيس، حتى الروحية. بل يغيب شخص فرنسيس بالكامل ولا يوجد سوى أنت الله فقط. صلاة نقية من كل علاقة بالذات هي موجهة فقط لتسبيح الله وحده.

حضور الله هو الذي يتم التأمل فيه بمحبه، فتتدفق الكلمات بصورة غير مرتبة وعفوية كما لو كان فرنسيس غير قادر على العثور على الكلمات المناسبة التي يصف يها الله بعدما شاهد الساروفي ذو الست أجنحة، لهذا نجده يستخدم صفات متناقضة فيصف الله بأنه كلي القدرة ومتواضع. يظهر لفرنسيس إن الله سرً ولغزًا بالنسبة له وهو عاجز تمامًا عن وصفه فينغمس في نور الله ومحبته ويسبح بعظمته قائلا: “أنت”-“أنت”.

في جروحات فرنسيس هناك الاتصال المباشر والكامل مع الوجود، المشاركة الأكثر حميمية في وجود الله. تجلى فرنسيس على جبل لا فرنا وأصبح خليقة قادرة على الدخول في عمق محبة الله  وتحقيق أسمى أشكال الحوار معه: أنا – أنت. فالصلاة الحقيقية والعميقة هي حوار بين شخصين أنا وأنت، هي علاقة بيننا وبين الله كشخص نعرف إنه يحبنا كل هذا الحب.

  1. أنت… لنا

عند نقطة معينة في تسبيح الله العلي يضيف فرنسيس كلمة ثالثة: “أنت.. لنا…” والتي يستخدمها خمس مرات في الآية الأخيرة من التسبيح مستخدمًا نا الفاعلين: أَنتَ رَجاؤُنا، أَنتَ إِيمانُنا، أَنتَ مَحَبَّـتُنا، أَنتَ كُلُّ عُذوبَتِنا، أَنتَ حَياتُنا الأَبَدِيَّةُ.

لماذا يحدث هذا؟ إلى مَن يشير بنا الفاعلين “رجاؤُنا– محبتننا؟ هنا تتحول صلاة فرنسيس إلى الشركة. في  سان داميانو، يصلي فرنسيس أمام الصليب، ويتحدث بالأصالة عن نفسه: “… ظلمة قلبي، أعطني…؛ لأفعل…”. وفي هذا أعرب علاقته الكاملة والشخصية مع المصلوب. وبعد هذا اللقاء في في صلواته سيستخدم دائمًا ضمير المخاطب “نحن”. هكذا يظهر فكره بأن يحمل في صلاته الجميع: أخوته، الكنيسة، العالم أجمع.. فالجميع أخوة وأخوات.

إن نظرة فرنسيس إن يحمل في صلاته التي يرفعها لله العلي الجميع تشجعنا إلى سؤال أنفنسا: كم مرة أصلي للآخرين، وكم مرة لشخص وذاتي طالبًا من الله المعونة والرحمة. في صلواتنا الطقسية: القداس والأسرار دائمًا الصلاة جماعية وليست فردية، لأننا نصلي معًا.

على جبل لا فرنا، حمل فرنسيس الجميع في صلاته وعلاقته مع الله. لم يصعد وحده كان أخوته والكنيسة والعالم معه. لأجل كل اللذين يجدون خلاصهم في الله، المؤمنين باسمه فهو كل محبتنا، وعذوبتنا وحياتنا الأبدية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد