إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

مرآة الأبدية

0 82

عيد القديسة كلارا 2024

فسرت القديسة كلارا علاقتها مع يسوع من خلال صورة “المرآة”. فهي تصف المسيح كثيرًا بمرآة الأبدية وتدعو أخواتها إلى النظر في مرآة يسوع. تلك كانت صلاتها الدائمة: “أضعُ روحي أمام مرآة الأبديّة”.

عندما يقف الإنسان أمام المرآة ستنعكس صورته الشخصية، سيتأمل في ذاته. المرآة هي أقدم اختراعات البشر فالإنسان يحب أن تنعكس صورته على شيء، ويقع الكثيرين في خطيئة المرآة والانغماس في محبة الذات. لكن مرآة القديس كلارا هي يسوع. هي ترى ذاتها فقط عندما تنظر إلى يسوع.

فيسوع الإنسان عكس في شخصه كمال ألوهية الله. وعندما نقف أمام هذه المرآة الأبدية، أي يسوع، نبدأ مثله في ان نتحول تدريجًا لنعكس مجد الله. يسوع هو الوجه الحقيقي لله: “من رآني فقد رأى الآب” (يو 14، 9)؛ يسوع هو الوجه الحقيقي للإنسان: “هوذا الرجل!” (يوحنا 19: 5).

الثبات في يسوع

عند تثبيت النظر إلى يسوع، عند التأمل الدائم في وجهه ستتحول بالكامل إلى صورة يسوع. مرآتك هي يسوع، أطيل النظر إليه عندها ستتحول تدريجيًا إلى صورته.

كيف يتحول الإنسان إلى صورة المسيح؟

منذ البدء خلق الله الإنسان على صورته، إذا نظر إلى الإنسان من المفترض أن يجد صورته. لكننا الآن ليست صورته! يعجبني هذا التشبيه إن في الحياة الأبدية لن يدين الله الإنسان، بل سيقف الإنسان أمام تلك الصورة التي خُلق عليها، كما ينظر في مرآة لكن سيكتشف إن مغطي بالوحل ومتسخ الوجه والجسد. المسيح هو مرأتنا التي يجب ان ننظر إليها دونا عندها سنكتشف كم نحن بعدين.

كانت تنظر كلارا إلى مرآة يسوع في سر القربان الأقدس. “كانت حياة كيارا بأكملها بمثابة إفخارستيا” كما قال البابا يوحنا بولس عام 1993 للراهبات الكلاريس. لم تكن القديسة كلارا محظوظة كما في أيامنا هذه حيث يُحتفل بالإفخارستيا كل يوم! وفي الفصل الثالث من قانونه نقرأ: «تتناول الراهبات سبع مرات في السنة، أي في ميلاد الرب، في خميس الأسرار، في قيامة الرب، في يوم العنصرة، في عيد انتقال الطوباوي. مريم العذراء، في عيد القديس فرنسيس وفي عيد جميع القديسين”. في كل مرة نحتفل فيها بالإفخارستيا، نجدد عهد المحبة المختوم بدم العريس الذي يراق على الجلجثة. في كثير من الأحيان ننظر إلى القداس ونحتفل به بطريقة سطحية، ونعلق عليه بناءً عليه إلى العرض الخارجي للحفل وبالتالي يصبح المرآة المرجعية الذاتية للمحتفلين بدلاً من تكون مرآة  تنعكس فيها العريس المطعون القائم مجده. وما هي الإفخارستيا إن لم تكن بذل الذات بواسطة العريس للعروس؟ إنه الجسد الذي يغذينا، ويحولنا إلى عندما نستقبله: “خذوا وكلوا هذا. إنه جسدي.” نحن نأكل جسد يسوع ونصبح جسده.

نجتهد لكي نتغير لتعود إلينا تلك الصورة، كنا يقول بولس الرسول: “نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مَكشوفةٍ كما في مِرآة، فنَتَحوَّلُ إِلى تِلكَ الصُّورة، ونَزدادُ مَجْدًا على مَجْد” (2 كور 3: 18)

ثمار الثبات في يسوع

العلاقة مع يسوع ليست عاطفية أو شخصية ومنفصلة عن حياتي الحقيقية واليومية. هنالك خطر يقوم على الفصل بين الحياة الروحية والعلاقة مع يسوع وبين الحياة اليومية. الثبات في يسوع أمر، والثبات في الحياة الحقيقية أمر آخر.

بالنسبة للقديسة كلارا، يجب أن يكون للثبات في المسيح ولمحبة المسيح تعبير مرئيّ وعملي: محبة الأخوات الراهبات. “لتهتمّ (الراهبات) بالمحافظة على الوحدة والمحبة المتبادلة التي هي رباط الكمال” (القانون 10، FF 2810). فمحبة المسيح تتغذى وتحيا في الحياة الأخوية وفي الحياة المشتركة بين الراهبات.

الحياة الجماعية ليست سهلة، لكن أول طريقة للثبات في محبة المسيح هي الصمود أمام صعوبات الحياة اليومية. يقدم لنا الإنجيل مثل الكرمة والتي فيها تتحد الأغصان بالكرمة. تسرى عصارة الحياة داخل الغصن فيعطي في النهاية ثمرًا وفير. عصارة الحياة التي تنتقل إليك هي المحبة، فالله محبة ولا شيء غير المحبة، وعندما تتحول تدريجيًا لصورة المسيح ستمتلئ بالحب عندئذ تعطي ثمرًا.  الزمن يغيرك من الخارج، والحب يغيرك من الداخل. الحب هو الطريق الوحيد، هو المحرك الوحيد. إنها الشرارة الإلهية التي تحتفظ بها في قلبك ولكنها تحتاج أن تُتترجم إلى أفعال ملموسة: “أفعل هذا فتحيا”. تلك الأفعال التي تعكس إلى من تنظر في مرآتك الخاصة، إلى يسوع أم إلى ذاتك.

قد يعجبك ايضا
اترك رد