عيد القديس فرنسيس 2024

جميعنا يتذكر حادث وقع بمحطة قطارات الإسماعلية وانتشرت صوره عبر منصات التواصل الاجتماعي. اتذكر صورة فنان قام بعمل بورتريه لهذا الحادث وانتشر بصورة غير متوقعة. قبل وصول القطار بلحظات سقطت صبية تبلغ 12 عام على القضبان، صرخ الجميع فالقطار قادم وسيمزق جسد الفتاة الصغيرة. فؤجئت الجموع بوالد هذه الطفلة يرتمي على القضبان محتضنا طفلته في مسافة صغيرة للغاية بين القضبان والرصيف حتى مر القطار بسلام.

عمل مجنون لكن لم يفكر الأب مرتين أمام سقوط طفلته. لم يحسب الخطر المتوقع بأن يفقد حياته ويفقد ابنته. عمل لا يكمن فهمه بعيدًا عن عاطفة الأبوة وحب الأب الجارف لصغيرته. الكثير من الآباء والآمهات لديهم الاستعداد للتضحية بحياتهم في سبيل أبناءهم.

نؤمن بأن الله هو أب، ونصلي طوال اليوم قائلين “أبانا الذي في السموات..” لكن لا نضع هذه الحقيقة كثيرًا في تفكيرنا اليومي. يقول بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: “وَأَكُونَ لَكُمْ أَباً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ» يَقُولُ الرَّبُّ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (2 كورنثوس 6: 18). هل تثق إن الله أب وتعيش هذه الحقيقة في الحياة اليومية؟

وَأَكُونَ لَكُمْ أَباً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ

إذا كان الله أب فنحن جميعًا أبناء. فهل لدينا شعور الابن الواثق تماما في أبيه؟ في العظة على الجبل كان يسوع واضحًا بقوله: “فلا تَهْتَمُّوا فَتقولوا: ماذا نَأكُل؟ أوماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس؟ فهذا كُلُّه يَسْعى إِلَيه الوَثَنِيُّون، وأَبوكُمُ السَّماويُّ يَعلَمُ أَنَّكم تَحْتاجونَ إِلى هذا كُلِّه” (مت 6: 31- 32). ظروف الحياة صعبة حاليًا، لكن هل تعلم إن فرنسيس لم يختار الفقر كما نتصور، بل كانت لديه قناعة كاملة بانه ابن لله الذي لن يتركه أبدًا. منذ بداية دعوته ترك كل شيء لأبيه الجسدي وصار يتجول مستعطيًا للخبز من الآخرين، لأن يضمن عناية الله له.

إذا كان الله أب فنحن جميعًا أخوة. طبعًا من الصعب أن يكون الجميع أخوة! ذكرت المصادر الفرنسيسكان قصة ذئب جوبيو الذي كان هدفها الأساسي تعليم يقدمه فرنسيس للأخوة عن كيفية التغلب على الصراعات وجعل الآخر أخ.

الذئب عدواني لأنه جائع، وسكان جوبيو يطاردونه لأنهم خائفون. فيقترح فرنسيس بطريقة رمزية كيف يكون الآخر أخ. أولا: لا تتخلي أبدًا عن أخيك. عليك الاستماع جيدًا إلى أسباب الآخرين، لكن لا تتخلى عنهم أبدًا. الأخ يتحول إلى ذئب متى كان جائع ولا أحد يحنو عليه. لا تفكر إن الأخر شرير ويريد الفتك بك، لكن هناك سبب ما يحركه. عليك بمعرفة الأسباب إذن لتعيش في سلام مع أخيك.

تعرض فرنسيس نفسه لهجوم ذئاب، أسف أخوته، لكنه حارب ضد الإغراء الكبير لفصل نفسه عن إخوته الذين لا يريدون اتباع الطريق الذي رسمه ليكون الأخوة فقراء وأصاغر. فهم الأسباب والدوافع الكامة وراء رفض الرهبان عيش الإنجيل بطريقة جذرية. تفهم إن الأمر صعب لذا عندما خالف البعض القانون الذي وضعه لم يفصل نفسه عن الأخوة وتحمل تفكير البعض إنه غير جدير بثقة الجميع ولم يتخلي عنهم أبدًا. هنا يروى فرنسيس قصة “الفرح الكامل” التي عبر فيها عن تفكير الأخوة في شخصه: “نحن الآن كثيرون لدرجة أننا لم نعد بحاجة إليك”. لكن وصف الأمر بالفرح الكامل متى أحتمل الإنسان قساوة أخوته بصبر ومحبة. التمسك بمحبة الآخرين وحدها هي التي يمكن أن ترد الآخرين إلينا مهما كان موقفهم عدوانيًا. لقد أخطأ سكان قرية جوبيو أمام عدوان الذئب وراحوا هم أيضًا يهاجمونه ويحاولون القضاء عليه. عندما تفهموا أسباب عدائه تغيرت المعادلة. هو فقط جائع.

هل تشعر إن الآخرين يعادونك ويريدون لك الشر؟ تفهم أسباب العداء! من الممكن أنك تسئ الفهم، أو تجرح الآخرين دون أن تنتبه، تعاملهم بكبرياء وغيرها من الأسباب. فقط تمسك بالمحبة الأخوية ولا تتخلي عنهم مهما بدر منهم. في القانون الغير مصدق من قبل البابا يكتب فرنسيس للجميع يكتب لإبقاء أبواب القلب والبيوت مفتوحة دائمًا للجميع: «وكل من يأتي إليهم، صديقًا أو خصمًا، لصًا أو قاطع طريق، يجب أن يُستقبل بلطف» (Rnb VII,14: FF 26 ).

ثانيا: احترام الآخرين وتقدير الجميع. إحدى خصائص فرنسيس النموذجية والأكثر إنسانية هي احترام الآخرين وتقدير الجميع. عند سؤاله مَن هو الراهب المثالي إجاب: مَن يملك إيمان الأخ برناردو، وبساطة الأخ ليون، ولطف الأخ أنجليو، وطرق تأمل الأخ إيجيديو، وحرارة صلاة الأخ روفينوس. لم يتغزل في الفضائل الشخصية لشخص بعينه، بل رأى أن كل أخ من الأخوة يملك نعمة وموهبة خاصة فريدة.

ذئب جوبيو يملك شيئا ما فريد ورائع. عدوك يملك صفات جيدة لكنك ترى فقط الجانب الشرير منه. ركز على الجانب الإيجابي وانظر إلى مواهبة وقدراته التي يمتلكها. أمدح تلك القدرات والخصال سترى إنه أصبح أقل شراسة، بل سيتحول مع الوقت إلى صديق وإلى حبيب. لا تدع الذئب جائعًا ولا تخاف منه، فقط أقترب بمحبة ستعيش معه في سلام كسكان قرية جوبيو.