إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

تأمل في جروحات القديس فرنسيس

0 30

جميعنا رأي تلك اللوحات الفنية الرائعة التي حاول فيها الفنانون نقل تلك الخبرة الروحية الرائعة لإنسان أراد أن يتشبه بالمسيح تمامًا. في أغلب الصور نرى فرنسيس راكعًا على الأرض يصلي وهناك ساروفي ذو ستة أجنحة يقف في الهواء وأسهم من نارٍ تنطلق منه لتطبع علامات الصليب المقدسة على جسد فرنسيس. لنراجع تفاصيل اللوحة بشكل أوضح

الجروحات

أول ما يلفت أنظارنا هي جروحات فرنسيس الخمس، في يديه وقدميه وجنبه، حتى إننا نسمى هذا العيد بعيد الجروحات. كان فرنسيس يتألم قبل أن يصعد إلى الجبل ليصلي من أزمة روحية كبيرة. لقد أسس الرهبنة وأعتمد القانون الذي رأه الرهبان قاسيًا جدًا فتذمروا عليه: “إن قانون الإخوة الأصاغر وحياتهم هو حفظ إنجيل ربنا يسوع المسيح المقدس، بالعيش في الطاعة ومن دون أي شيء خاص وفي العفة“. مَن يستطيع أن يعيش الإنجيل بالكامل، مَن يستطيع أن يعيش دون أي شيءٍ خاص؟ رجع فرنسيس من رحلته إلى الشرق ليجد الرهبان يرفضونه، يحاولون أن يتحرروا من الالتزام بنذر الفقر. صعد فرنسيس جبل لا فرنا وهو مثقل بتلك الهموم والأوجاع.

جميعنا لديه جروحه الخاصة، هناك البعض يشعر كفرنسيس بجرح تخلي الأخرين عنه، والبعض يعاني من ألم المرض أو الاكتئاب أو القلق. هناك من يتألم من فقدان شخص عزيز فقد معه سعادة الحياة. هناك من يتألم من مشكلات عائلية أو مالية أو غيرها من الصعوبات التي تفقدنا سلامنا الداخلي. أزمات وجروح نشعر أنها كالأحجار الثقيلة على قلوبنا. نقف مع فرنسيس ونقول لأنفسنا: مَن يستطيع أن ينزع تلك الأزمة أو المشكلة أو المرض؟

في فجر القيامة كانت النسوة مضطربات وهن في طريقهن للقبر، وأخذن يتسألن: «مَن يُدَحرِجُ لنا الحَجَرَ عن بابِ القَبْر؟». يروى لنا القديس مرقس إنهن: “فنَظَرْنَ فَرأَيْنَ أَنَّ الحَجَرَ قَد دُحرِجَ، وكانَ كبيراً جِدّاً”. لم يقل لنا كيف؟ أو مَن دحرجه! فقط هناك من أزاله من الطريق. لا توجد مشكلة أو ألم أو جرح حتى الموت يمكن أن يكون عائق بعد صباح القيامة لقد دُحرج الحجر. كل مشكلة أو ألم وجرح هي حجر كبير على قلوبنا يمنعنا من العيش في سلام وطمأنية، لكن القيامة حولت الأمر إلى عبور أو جسر إلى شاطئ الأمان. القيامة هي فصح أو عبور لوضع آخر مختلف تمامًا.

عندما هرب الشعب قديما أمام فرعون وقعوا في المصيدة فالعدو خلفهم يلاحقهم لقتلهم أو إعادتهم إلى حياة العبودية. وأمامهم البحر يقف كجدار منيع لأن الدخول فيه يعني الغرق والموت. نعرف الرواية الله فقط يحول البحر إلى طريق، وحده الذي يزيل الحجر، وحده الذي يجعل من المشكلة أو الألم طريق لشيء أفضل لا نتصوره أبدًا.

يافرنسيس الأمور إذا تعقدت وأصبحت مستحيلة ستتحول بفعل القيامة إلى عبور لحياة جديدة  تمامًا. أخواتي الأعزاء هل هناك أمر تشعر إنه مستحيل، ألم، مشكلة، مرض، أزمة ثق إن يسوع القائم سيجد طريقًا جديدًا، سيزيل الحجر، سيحول المشكلة أو الألم إلى فرح فقط أن تسلم حياتك له وتثق فيه. لكن إذا بقيت النسوة في البيت لأنهن يعلمن أن الحجر كبير ولن يستطعن رحزحته، أو هناك شخص رفض ان يعبر البحر الأحمر لأن خاف أن تنقلب المياه في أي لحظة ويغرق… هنا تكون المشكلة!!

الساروفي

أعود إلى اللوحة التي للآسف نركز فيها على جروحات فرنسيس، لأننا كلنا مجروحون بصورة أو بأخرى، لننظر إلى أعلى الصورة هناك الساروفي ذو ستة أجنحة. رأي أشعيا هذا الساروفي  وسمع ينادي: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوس، رَبُّ القُوَّات، الأَرضُ كُلُّها مَمْلوءَةٌ مِن مَجدِه». مَن هذا الساروفي الذي راه أشعيا ثم فرنسيس؟

يروى لنا يوحنا الإنجيلي أن يسوع بعد أن دخل أورشليم  تكلم عن موته وقيامته وقال: “وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين”. لكن لم يؤمن اليهود هنا يتذكر يوحنا قول أشعيا النبي بعد أن رأى الساروفي: «أَعْمى عُيونَهم وقَسَّى قُلوبَهم لِئَلاَّ يُبصِروا بِعُيونِهم ويَفهَموا بقُلوبِهِم ويَرجعوا فَأَشفِيَهم». ثم يضيف يوحنا هذه العبارة التي تفسر كل شيء: “قالَ أَشَعْيا هذا الكَلام لِأَنَّه رَأَى مَجدَه وتَكَلَّمَ في شَأنِه”.

الساروفي هو المسيح القائم الذي يظهر في مجده يلاقي كل إنسان منا وليس فرنسيس فقط في عمق أزمته أو مشكلته. كل منّا يتلاقي، في وقت ما، مع المسيح القائم وهذا اللقاء هو الذي يحدد إذا كنت شخص مسيحي حقيقي ام للأسف مزيف. من الممكن أن تؤمن بأفكار يسوع التي تقرأها في الكتاب المقدس، من الممكن أن تعجب بسيرة حياته وتعاليمه، لكننا جميعًا في نلاقي المسيح القائم الذي يفتح لنا الطريق للحياة الأبدية ونحن غارقون في مشكلة قوية تعصف بنا ولا نعرف كيف الحل! بولس يقابل المسيح القائم فيسقط عن الحصان ويفقد الرؤية تمامًا. لقاء الساروفي يكون مع حدث مهم في حياتك تشعر إن الأمر مستحيل. إذا نظرنا إلى كل تراءيات يسوع بعد القيامة نجدها مع أشخاص خائفين مضطربين ومشوشين حتى إنهم لا يتعرفوا على يسوع في أول الأمر، المجدلية ظنت إنه البستاني، التلاميذ ظنوا إنه شبح، تلميذي عماوس ظنوا إنه غريب عن أورشليم ولا يعرف ما حدث فيها. لقاء نفهمه مع الوقت وعندما نفهمه يعطي معنى للحياة مختلف تمامًا.

شعاع النار

هنا نلمح في اللوحة شعاع من نار ينتقل من الساروفي إلى فرنسيس، تنتقل نارٌ لا تطفئ من الساروفي إلى فرنسيس فتبدل نظرته للأمور. قال يسوع نفسه: “لقد جئت لألقي ناراً على الأرض، وكم أتمنى لو أنها قد اشتعلت” (إنجيل لوقا 12: 49). يعود فرنسيس وهو محمل بتلك النار التي لن تنطفي أبدًا فيعطي بركته للرهبان الذين أرداوا أن يتخلوا عنه. يعود فرنسيس ليكتب نشيد المخلوقات فيجعل من الجميع أخوة، الشمس والقمر والنجوم والهواء والنار حتى الموت هو أخينا الموت الجسدي. نار المحبة الإلهية تشعل قلب فرنسيس فيعرف إنه مطالب بالحب، كابن الله الوحيد الذي بذل ذاته على الصليب لأجلنا.

لا تقلق من جروحات قلبك، من ألامك الشخصية، من خبراتك السلبية، لا تقلق من ثقل الأحجار على قلبك، هناك مَن يدرج الحجر ويشق البحر لتدخل إلى حياة جديدة، هناك الطريق الذي يؤدي إلى الحياة. ثق إن المسيح القائم، الساروفي الذي ظهر لفرنسيس يمكن أن تختبره أنت أيضًا في حياتك. فقط عليك أن تثق

قد يعجبك ايضا
اترك رد