إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

سنبقى دائمًا أعداء

0 47

أَحِبُّوا أَعداءَكم، كلمتين يعبران عن جوهر المسيحية الحقيقية. المحبة ليست شعور تجاه الآخرين، بل أفعال ملموسة تجاهه.

لكن ما هو غريب هو احتفاظ الوحي الإلهي بكلمة “أَعداءَكم”، فإذا أحببنا شخص ما، وعَبرنا عن محبتنا له بأفعال ملموسة، فإن هذا من شأنه أن يُحول صفة الشخص من عدو إلى حبيب، لكن أكد الوحي إنه سيبقى عدو.

يصف الكاتب الروسي العظيم تولستوي في رائعته: “البرئ” هذه المشكلة، فالعدو يبقى عدو حتى إذا أحببته وعَبرت بأفعالك عن محبتك له. يروي تولستوي قصة رجل اتهِمَ ظلمًا بجريمة قتل ارتكبها شخص آخر، وأعدّ لها الدلائل التي أدت إلى إدانة ذلك الشخص البريء وإلى سجنه لمدة ستة وعشرين عامًا. لكن الحقيقة تظهر بعد تلك المدة، حيث يعترف القاتل الحقيقي الذي تتم إدانته بجريمة أخرى وسجنه في ذات السجن. ويكون اعترافه نتيجة ما شعر به من ندم ومن تأنيب ضمير أمام سمو خُلق ذلك الشخص البريء الذي يمتنع، حتى بعد تأكده بأنه من تسبب بسجنه طوال تلك المدة، عن الإفشاء بسرّ محاولته الهرب من السجن لكي يُجنبه عقوبة الجلد بالسياط… لكن اعترافه يأتي متأخرًا لأن السجين البريء يفارق الحياة يوم إعلان براءته.

يصف الكاتب بدقة مشاعر البرئ المتهم ظلمًا بجريمة لم يرتكبها والحكم عليه بالجلد بالسياط والعمل في المناجم ستة وعشرين عامًا. كذلك مشاعر التعاسة بعد أن فارق اسرته وأولاده وعمله بسبب حكم ظالم. ثم حقده على القاتل الحقيقي بعد أن عرفه في السجن، ورغبته في الانتقام منه. لكن عندما وقع القاتل في أزمة كبيرة بعد محاولته الهرب وراه السجين البرئ لم يكشف سره حتى لا يتعرض لعقوبة الجلد بالسياط. جاءه القاتل يطلب مغفرته فقال له: “ليسامحك الله، ربما كنت أسوأ منك بألف مرّة”، عندها شعر بالسلام وتخلص من الشعور بالحنين إلى بيته، ورقد بسلام.

محبة الأعداء لن تغير قلوبنا بحيث نصبح أصدقاء لأعدائنا ولمن أضمروا الشر لنا. محبة الأعداد هي أن نغفر الإساءة، أن تسمح للآخر أن يخطئ في حقك، أن ترحمَ مَن يُخطئ إليك. هي دعوة للنظر للآخر بعيون الرحمة والغفران. الرحمة وحدها هي القادرة على تغيير الآخرين، والرحمة هي القادرة على تغيير الأساليب الخاطئة التي يتعامل بها الناس معنا. هنا التفكير يكون منصبًا على الآخرين وليس ذواتنا. الآية توضح لنا كل شيء: “أَحِبُّوا أَعداءَكم، وأَحِسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضًا، فيَكونَ أَجرُكم عَظيمًا وتكونوا أَبناءَ العَلِيّ” (لوقا 6: 35). عندما نغفر نستحق أن نكون أبناء الله الذي يغفر دائمًا للإنسان حتى لو كثرت أخطائه.

تبدأ محبة الأعداء بسماح لأهل بيتك بأن يخطئوا في حقك، لزوجتك أو زوجك، لابنك أو ابنتك، لصديقك وقريبك “أَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ” (مت 10: 36).

قد يعجبك ايضا
اترك رد