إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

0 25

ويَتَكَلَّمون بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها

نحتفل بعيد القديس أنطونيوس البدواني الذي تطلق عليه الكنيسة لقب «قديس العالم أجمع»والذي أعلنه البابا بيوس العاشر في عام 1920 نظرًا لأنه الأكثر شهرة بين القديسين، وهناك إيمان شعبي كبير بتقواه وقدرته العجائبية. قديس عظيم، ليس من أجل المعجزات الباهرة التي تحدث حتى اليوم، بل من أجل موهبته الإستثانية في فهم وشرح الكتاب المقدس. عندما سمعه البابا غريغوريوس التاسع وهو يعظ أطلق عليه “تابوت العهد أو خزانة الكتب الإلهية”. لذا اسمحوا لي أن أقتبس بعض الأفكار التي قالها قديسنا العظيم في عظته لعيد العنصرة عام 1221، وقد اخترت فقط هذه الآية: ويَتَكَلَّمون بِلُغاتٍ لا يَعرِفونَها

ما هي تلك اللغات التي تكلمها التلاميذ؟ هل تكلموا بالإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية أو العربية أو حتى اليابانية؟ يقول الكتاب كان هناك أناس من جنسيات مختلفة اندهشوا وتعجبوا عندما سمعوا التلاميذ يتكلمون بلغاتهم الأصلية بالرغم من إنهم من الجليل ولم يتعلموا تلك اللغات أبداً. هل نحن أمام معجزة لم تتكرر وكانت قاصرة على التلاميذ في بداية الكنيسة؟ هل يمكن أن نتكلم نحن أيضًا بلغات جديدة ويفهمنا جميع الناس؟

في البداية لا بد أن نفهم حدث العنصرة. فالروح حل على التلاميذ عند اجتماعهم يوم الخمسين. فصوت الريح العاصف الذي ملء جوانب البيت هو إشارة دائمة للروح القدس. قال المسيح لنيقوديمس: “فالرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء فتَسمَعُ صَوتَها ولكنَّكَ لا تَدْري مِن أَينَ تَأتي وإِلى أَينَ تَذهَب. تِلكَ حاَلةُ كُلِّ مَولودٍ لِلُّروح”. لكن هل الروح فقط الذي حل على التلاميذ في ذلك اليوم؟

يقول القديس أنطونيوس، لا.. ليس الروح فقط، لأن هناك كانت النار التي ظهرت كألسنة من لهب فوق التلاميذ. كانت نار لا تحرق، كتلك النار التي رأها موسى في البرية تشتعل في العليقة لكنها لا تحترق. النار التي من خلالها أعلن الله لموسى  عن حقيقته: «أَنا إِلهُ أَبيكَ، إِلهُ إِبْراهيم وإِلهُ إِسحق وإِلهُ يَعْقوب». مثل النار التي قادت الشعب في البرية بعمود من نار (خر 13). لم تحرق الألسنة رؤوس الرسل أو شعرهم، بل استقرت على كل واحد منهم كأنها عرش! هذه النار تعبر عن تجلي الله الآب كما في العهد القديم وفي نفس الصورة التي كان يتجلى بها فعندما كان ينزل على الجبل كان مجده كنارٍ آكلة على قمة الجبل (خر 19، 24)..

يضيف أنطونيوس: تلقى الرسل أيضًا موهبة الكلام، وبدأوا يعلنونه. وهذا الكلام، الذي فهمه الجميع، ليس سوى يسوع المسيح، الابن الكلمة، التي كانت منذ البدء عند الله، وهي الله (راجع يو 1: 1-18). وبالتالي، ما حدث في عيد العنصرة، كما في عماد يسوع كان الله حاضر، الثالوث الأقدس، الذي جاء ليقوي الرسل ويبدأ الرسالة العامة للكنيسة.

عندما يكون الله حاضر في حياة الإنسان سيتكلم لغات أخرى يفهمها الجميع، حتى الذين لا يتكلمون لغتك الأصلية. ماهي تلك اللغات وكيف نتعلمها؟

يدعونا بولس الرسول في رسالته إلى غلاطية، نسلك سلوك الروح، تظهر في حياتنا ثمار الروح القدس: “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ” (غلاطية 5: 22- 23).

عندما يكون الله حاضر في حياتي، يمكن أن أتكلم لغة يفهمها الجميع، المحبة تجاه كل أخ، مهما كان انتماؤه ومهما كانت ظروف حياته، سواء كان رجلاً أو امرأة، طفلاً أو مسناً، فقيراً أو غنياً: الجميع يفهمون الغة الجديدة التي يتكلم بها المسيحيون اذا تلقوا موهبة الروح القدس. أحيانًا يكون الحوار مغلق مع حتى أهل بيتك، فتشعر إن كل منهم يتكلم لغة مختلفة، فتشعر بالعزلة والوحدة لأن الأشخاص المفترض أن يحبوك يتحدثون لغة مختلفة. أما لغة المحبة فهي مختلفة، ترتجم دائما في الكتاب بكلمة “أعطي” حتى لو شيء صغير جدًا، كوب ماءٍ بارد، في وقت الحر الشديد سيعبر عن المحبة والتفاهم: “وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ».” (مت 10: 42).

كل إنسان يمكن أن يفهمك متى عاملته بمحبة، متى قابلته بفرح وابتسامة وترحاب. أحد الأطفال كان يخدم القداس الإلهي في أبريل من عام 1904 ويخدم قداس في احتفال يرأسه الأسقف سبولدينغ، أمام هيبة الوضع أسقط فولتن شين إبريق النبيذ فانكسر، تحدث سبولدينغ إلى الصبي المرعوب، وقال له: “يومًا ما ستكون أسقف مثلي تمامًا”.  Fulton J. Sheenفولتين شين هو صاحب البث الإذاعي الشهير لمدة 25 عامًا “ساعة كاثوليكية” ثم البث التلفزيوني “الحياة التي تستحق أن تعاش” وهو الآن طوباي في الكنيسة وستعلن قداسته خلال السنوات القادمة.

يمكننا أيضًا أن نقول إن هذه اللغة تسمى «السلام»، وهي العطية التي يمنحها يسوع لتلاميذه في يوم القيامة: «سلام لكم، سلامي أعطيكم». لو كان صحيحًا أن جميع المؤمنين بالمسيح، الذين نالوا الروح القدس، كانوا رجالًا ونساء «سلام»، لكان العالم كله اليوم قد تغير بفضل هذا السلام، ولتوقفت الحروب وكل أشكال العنف. إنه تأمل يجب أن يقوم به كل واحد منا بصدق وعمق، لأن عدم حدوث ذلك يعني أن الروح لم يخاطبنا بجدية: نحن ما زلنا مستحوذين على هشاشتنا وعجزنا عن الحب.

ستكون إحدى الخطايا التي يجب أن نعترف بها كلما اقتربنا من سر التوبة: “أنا لست شخصًا مسالمًا، لستُ صبورًا، لستُ طويل الآناة، لستُ وديعًا، لستُ عفيفا. يعلمنا القديس بولس أن نسلك في الروح ولا نستسلم لأعمال الجسد. إذا فحصت ضميري ورأيت إني لا أتكلم لغات الروح، يدعونا القديس أنطونيوس البدواني إلى أن نترك الروح يطهر قلوبنا:

كان لسان الحية هو الذي أغوي حواء فدخل الشر والموت إلى العالم. اللسان عضو رطب، “هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمّاً مُمِيتاً” (يعقوب 3: 8). لذا ظهر الروح القدس على شكل ألسنة ولكن ليس رطبة بل من نار. النار لها أربع خواص: تحرق، وتنقي، وتعطي حرارة، وتنير.

  • اترك الروح القدس يحرق الخطيئة التي تمنعك أن تتكلم لغات الروح: المحبة والفرح والسلام. عندما صرخ أشعيا بعد رؤيته للساروفيم إنه: “وَيلٌ لي، قد هَلَكتُ لِأَنَّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين”، فطارَ إِلَيَّ أَحَدُ السَّرافين، وبِيَدِه جَمرَةٌ أَخَذَها بِمِلقَطٍ مِنَ المَذبَح  ومَسَّ بِها فَمي وقال: «ها أَن هذه قد مَسَّت شَفَتَيكَ، فأُزيلَ إِثمُكَ وكُفِّرَت خَطيئَتُكَ.
  • اترك الروح ينقيك ويطهر قلبك، كما نقرا في كتاب ملاخي: “فَيَجْلِسُ مُمَحِّصاً وَمُنَقِّياً لِلْفِضَّةِ لِيُطَهِّرَ أَبْنَاءَ لاوِي وَيُمَحِّصَهُمْ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، حَتَّى يُقَرِّبُوا لِلرَّبِّ تَقْدِمَاتٍ بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ”.
  • اترك الروح يبعث فيك الحرارة إذا بردت المحبة لقد حذرنا يسوع بقوله: “وَلِكَثْرَةِ ٱلْإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِين” (متى 24: 12). “وَهَذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ (اف 1: 9).
  • اترك الروح تنير حياتك. النار بطبيعتها غير مادية وغير مرئية، ولكن عندما تشتعل في الأشياء، القماش أو الخشب، فإنها تأخذ ألوانًا مختلفة اعتمادًا على المواد التي تحترق فيها. وهكذا لا يمكن رؤية الروح القدس إلا من خلال المخلوقات التي يعمل فيها فهو يعمل على يتحد بما لديك ليعطيك من نوره نورًا خاصًا بك وحدك. “لِتَكونوا بِلا لَومٍ ولا شائبة وأَبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِد تُضيئُونَ ضِياءَ النَّيِّراتِ في الكَون” (فل 2: 15).

لنترك الروح يعمل فينا، ولنصلي إليه قائلين: “طهِّر ما كان دَنِسًا، إسقِ ما كان يابِسًا، إشفِ ما كان مَعلولاً، لَيِّن ما كانَ صَلبًا، أضرِم ما كان بارِدًا، دَبِّر ما كان حائدًا”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد