إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

جراح فرنسيس

0 42

نحتفل اليوم بعيد جروحات القديس فرنسيس، الرجل الذي منحه الرب نعمة المشاركة في جروحاته الخمس. ماذا صنع القديس فرنسيس حتى يُكلل بهذا المجد النادر في حياة البشر؟ عدد قليل من القديسين حصل على هذه النعمة: بادرى بيو، كاترين السينائية، ريتا وغيرهم. وحده فرنسيس حصل على جروحات المسيح الخمس، وكثيرون جعلوه الأكثر شبهًا بالمسيح.

ماذا صنع القديس فرنسيس حتى يكون الأكثر شبهًا بالمسيح؟ الإجابة هي: لم يصنع شيئًا! وإذا أردت أن تصبح قديسًا من غير المطلوب أن تصنع شيئًا، فقط كنْ نفسك.

نولد جميعًا ولدينا رغبة كبيرة في أن نكون سعداء. نبحث طول الحياة عن السعادة ونتوهم أنها موجودة في مكان خارجنا، وإننا يجب أن ننطلق إلى البحث عنها في مكان ما. بحث الشاب فرنسيس عن السعادة، عن تحقيق ذاته، التي كانت في عصره، صورة الفارس الشجاع، القوى في أرض المعركة، الذي يدخل منتصرًا إلى بلدته فيصفق له الجميع. مَن منا لا يحلم بأن يكون مُعترف به من الآخرين، مُعترف بقدراته، بإنه جيد وذكي؟ نحن جميعًا نبحث، في مرحلة ما من حياتنا، عن السعادة خارج أنفسنا، لتحقيق أنفسنا خارج أنفسنا.

لكن يسوع يشرح لنا أن هذا الطريق خاطئ. فيروى لنا قصة الابن الذي اقتنع بأن السعادة موجودة، لكنها بعيدة عن المنزل. إنها سعادة مكونة من أشياء يمكن استخدامها، أشياء يمكن استهلاكها فتمنحني المتعة. سقط فرنسيس في تجربة الابن الأصغر، وبحث عن السعادة في المجد والعظمة التي يشعر بها الفرسان.

خسر المعركة ضد بيروجيا، سُجن لمدة عام  مرض خلاله بمرضٍ شديد، هذا الفشل والتوقف القسري أجبر فرنسيس على مواجهة نفسه، كما صنع الابن الأصغر: “فرَجَعَ إِلى نَفسِه”. هنا تكمن الخطوة الأولى للوصول إلى القداسة: كنْ نفسك. عندما تضطر إلى مواجهة نفسك، عليك الحذر إنه ذلك لن يجلب الفرح، بل اليأس. عندما تنظر إلى نفسك أكثر من اللازم، تصل في مرحلة ما إلى حالة من اليأس لأنك تبدأ في رؤية عيوبك، تبدأ في رؤية عجزك، وتبدأ في تكوين صورة سلبية عن نفسك.

نحن لا نقبل أنفسنا. عندما نرى عيوبنا وهشاشتنا وعجزنا. هنا يظهر الأبرص أمام فرنسيس. المريض الذي يعلق جرسًا في رقبته حتى لا يقترب أحد منه. يخاطر فرنسيس ويعانق الأبرص بعد أن سمع صوتًا داخليًا يقول له: “طالما لم تتغلب على أنانيتك، طالما لم تكف عن حب ذاتك، لن تستطيع فهم معنى حياتك”. عانق الأبرص الذي أختفى فور عناق فرنسيس له. المعنى هو تصالح فرنسيس مع نفسه، مع كبريائه وأنانيته، مع مخاوفه وعيوبه التي لمسها عندما “رجع إلى نفسه”. المشكلة إننا نقضي حياتنا في محاولة لإصلاح العيوب التي نكتشفها في أنفسنا، لكن  الحل هو أن نقبل أنفسنا، تلك هي الخطوة الثانية نكون قديسين: أن نقبل أنفسنا.

كيف نقبل أنفسنا؟ يقول المزمور 34: 6 “تأَمَّلوا فيه تُشرقْ جِباهُكم ولا تَخْزَ وُجوهُكم”. نقبل عيوبنا وأنفسنا ونجد السعادة في الحياة عندما نوجه أنظارنا إليه ونكتشف إنه يحبنا كما نحن. لقد عانق الأب الرؤوف ابنه وهو متسخ وبه رائحة الخنازير، وهو مازال جاحدًا وناكر لأبيه، وهو فاشل ولم ينجح في تجربته. نقبل أنفسنا متى فهمنا إننا محببون كما نحن. محبوبين بعيوبنا وضعفاتنا وهشاشتنا، وهذا ما يساعدنا على قبول أنفسنا. وهذه هي الخطوة الثالية لنكون قديسيين: أن ننقل اهتمامنا إليه وحده، ونفتخر بضعفاتنا، على مثال بولس، لأن في ضعفنا تظهر قوة الله.

بعد الأبرص يلتقي فرنسيس بمصلوب سان دميانو. المصلوب القائم من الموت، الواسع العينين والذي لا توجد آثار ألم على وجهه.  هو المسيح القائم والمنتصر على الموت. علامات الألم هي علامات النور. العيوب في شخصية كل واحد منا، الجراح التي نعانيها، قد أخذها المسيح على عاتقه، فهي جراحه التي حملها بعد القيامة. الساروفي الذي ظهر لفرنسيس على جبل لافرنا ومنحه نعمة الجروحات، كان أيضًا المسيح القائم.

إذا أردتم أن تكونوا قديسين لا تصنعوا شيئًا فقط كونوا أنفسكم، أقبلوا أنفسكم وعيوبكم. وجهوا أنظاركم إليه، إلى المسيح القائم واعلموا أن مهما كانت عيوبك، حالتك، خطيئتك، ظروفك فإن المسيح يحبك ويقبلك كما أنت. فرنسيس مليء بالامتنان، كل صلواته تفيض بالامتنان. يجب أن نشعر بالامتنان لما نحن عليه، لما نعيشه، لهذه الحياة التي أعطيت لنا، لهذا الجزء الصغير من التاريخ الذي يعيشه كل واحد منا.

الإنجيل يخاطبنا شخصيًا، يدعونا لكي نحقق في حياتنا الهدف بأن نكون أشيهاه: “لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ” (رو 8: 29).

قد يعجبك ايضا
اترك رد