إنه عدَني ثقة فأقامني لخدمته

أنا ورقة بيضاء

0 22

ويَسَّى ولَدَ المَلِكَ داود وداود ولَدَ سُلَيمانَ مِن أَرمَلةِ أُورِيَّا

17 ديسمبر 2025؛ متى 1: 1- 17

نظمت الكنيسة فاعلية للأطفال للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم عن الميلاد. وزع الخدام على الأطفال والأولاد أوراق بيضاء وألوان وبدأ العمل. كانت الرسومات رائعة ومناسبة لأعمارهم. إننا جميعًا مررنا بهذه الخبرة في سنوات الأولى، لا أحد يولد قادر على الرسم الواضح أو الكتابة الصحيحة. لدينا رغبةً صادقة في صدورنا لكنها تصطدم بعد قدرتنا الطبيعية في هذا السن. كنا ننسخ الحروف الأبحدية: أ، ب، ث ونحاول إعادة كتابتها على الورقة البيضاء لكن لم تكن تخرج منّا سوى خربشات (شخبطة). كان علينا أن نتعلم كيف نستخدم أيدينا، كيف نحرك أيدينا، وكان علينا أن نقبل أن تلك الورقة الجميلة النقية تتسخ بمحاولاتنا المستمرة.

كنّا أطفال لا نتأثر بالشخبطة، بل هناك لحظات أخذ كل منّا تلك الخربشات إلى المنزل ويعتقد أنها روائع فنية، فيتباهى بها، ويُريها لعائلته، وهي في الواقع سيئة جدًا، لكن بالنسبة له هي محاولات يستحق عليها الإشادة. عندما نكبر نشعر بالخجل من خربشاتنا، من محاولاتنا ونخاف من انتقادات الناس وتنمرهم.

نبدأ اليوم أيام المجيء الكبرى، الأسبوع الذي يسبق تجسد الرب في حياة كلٍ منّا. وتنظم الكنيسة أوقات المجيء والميلاد والصوم والقيامة لأجل أن نبدأ من جديد، كما لو أن أحدهم وضع أمامنا صفحة بيضاء مرة أخرى وقال لنا حاولوا مرة أخرى، لا بل مرات لا تحصى لأن تخرجوا لوحة لحياتك جميلة ورائعة. مرة أخرى يطلب الرب منّا أن نبدأ من جديد ويرغب في أن يعطينا ورقة ناصعة البياض لأجل أن نحاول مرة أخرى ونرسم صورة الإنسان الجديد، نحن الذين سبق أن “قَضى بِأَن يَكونوا على مِثالِ صُورَةِ ابنِه لِيَكونَ هذا بِكْراً لإِخَوةٍ كَثيرين” (رو 8: 29).

هذا يعني أننا إذا كنا أحياء وطُلب منا مرة أخرى أن نعيش زمن المجيء، وعيد الميلاد، والصوم والقيامة لأن الرب يعطينا فرصة جديدة لنحاول ونحاول ونحاول مرة أخرى. لا يجب أن نخجل من أخطاءنا، علينا أن نعود كالأطفال، ونحاول من جديد. فالأطفال لا يخلقون مشاكل حول تلك المحاولات، حول تلك الخربشات. نحن البالغون، على العكس، كلما كبرنا كلما أصبح من الصعب علينا قبول أننا نخطئ، فماذا نفعل؟ نتوقف عن المحاولة، نكتفي بما لدينا، نستخلص النتائج، نبدأ في عيش حياتنا في حالة من التواضع لا تقودنا إلى أي مكان. بدلاً من ذلك، علينا أن نقبل مرة أخرى التواضع الذي يمنحنا إياه الرب، الذي يعيدنا إلى مكاننا، ويمنحنا فرصة أخرى.

متى يوزع الرب علينا أوراقه البيضاء من جديد؟ في كل مرةٍ أتقدم إلى الاعتراف، بعد فحص ضمير سليم، كما فعل الابن الضال، الذي رجع إلى نفسه وأدرك إنه تعيس وقال: “أستطيع أن أفعل شيئًا حيال هذا التعاسة، سأذهب إلى أبي وأركع أمامه وأقول له: يا أبي، لقد أخطأت إلى السماء وإليك، ولم أعد أستحق أن أُدعى ابنك، عاملني كأحد خدامك”، ثم انطلق في طريقه إلى البيت.

عندما نعترف؟ يعطينا الرب تلك الورقة البيضاء التي هي ثوب المعمودية، يلبسنا ثوباً نظيفاً من جديد، يقول لنا مرة أخرى، حاول مرة أخرى. حاول أن تحب، أن تستمع إلي، أن تعيش، أن تصبح قديساً، أن تصبحي قديسة، حاول مرة أخرى. كم مرة يمكننا أن نعترف في حياتنا، أن نتوب ونبدأ من جديد؟ إلى ما لا نهاية. حتى إذا كانت ملابسة متسخة للغاية تصير بيضاء كالثلج، هكذا يقول الكتاب على لسان أشعيا النبي: ” يَقولُ الرَّبّ لَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كاكلْج ولو كانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان تَصيرُ كالصُّوف” (أش 1: 18).

ثق في غفران الله مهما كانت الخطيئة. يكفي أن تقرأ آية إنجيل اليوم، ماذا صنع داود، وكيف أصبح هو الملك الذي يأتي منه نسله المخلص. الله قادر على تحويل شر الإنسان إلى طريق للخلاص. قادر على محو الشخبطة التي صنعتها مهما كانت بشعة.

لنرم: ربّي أنا ورقةٌ بيضاء أُرسُم عليها كلَّ ما تشاء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد